أنتم بدأتم بالعلم الفلسطيني

يسرائيل هيوم

جلال بنا



شهدنا -في الأشهر الأخيرة- انتقادات لاذعة لرفع العلم الفلسطيني في الأحداث والمظاهرات، يمكن فهم النقد -لا سيما- عندما لا يكون نقاشاً واقعياً بل تصريحات شعبوية ضد الجمهور العربي بأسره، فمنذ قيام الدولة، الجمهور العربي في "إسرائيل" هو الأقلية الوحيدة في العالم التي ليس لها علم، لأن الدولة التي تنتمي إليها يهودية، وقادتها يفعلون كل شيء لتذكيرهم -صباحًا ومساءً- بأن هذه هي دولة الشعب اليهودي، ولا يمكن للعرب أن يكونوا جزءًا منها، حتى أولئك الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي ومطالبون بالخدمة.

العلم الفلسطيني الذي منعت "إسرائيل" من التلويح به عام 1967م ليس علم الدولة الفلسطينية، وإنما علم "الثورة العربية"، وقد رُفِع في جميع الدول العربية ضد الأتراك وضد الانتداب البريطاني والفرنسي، حيث اختارت كل دولة عربية حصلت على الاستقلال وصممت علمها الخاص.

منذ اتفاقيات أوسلو، تم رفع العلم في كل مكان في دولة "إسرائيل"، بما في ذلك "قدس الأقداس" في الدولة، في مكتب رئيس الوزراء، في الكيريا، وفي جميع مكاتب التنسيق والارتباط، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، التقى جميع رؤساء الوزراء -دون استثناء- بالقيادة الفلسطينية، وتم رفع العلم نفسه في مقر إقامتهم الرسمي، وفي الأحداث التي شاركوا فيها، في "إسرائيل" أو في الخارج.

الادعاء بأن هذا هو علم العدو هو ادعاء غير صحيح، أو على الأقل غير دقيق، وإذا أرادت "إسرائيل" العودة 50 عامًا، وحظر رفع العلم داخل حدودها، فعليها أن تسحب اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، وبالتالي إلغاء اتفاقيات أوسلو وجميع الاتفاقات اللاحقة.

هل من الممكن أن يجلس ضباط الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام في التنسيق الأمني ​​في غرف يكون فيها رفع العلم مشروعاً، أما إذا رفع العلم في الفضاء العام فهو "تماهي مع العدو"؟

يعاني عرب "إسرائيل" من نوع من التشرذم في الهوية الوطنية. أدى إبعادهم عن الرموز من خلال القوانين إلى عملية (الفلسطنة)، فإذا كان الجيل العربي الأول من قيام الدولة شفافاً، فالجيل الثاني هو المستقيم، والثالث هو الجيل الوديع، فعندما يريد المواطنون العرب في "إسرائيل" أن يكونوا جزءًا من الدولة، هناك اعتراضات ومخاوف بشأن "نهاية المشروع الصهيوني"، أو "نهاية الدولة اليهودية"، فهل من المتوقع أن يقول مليوني مواطن عربي نعم؟ الإجابة في الجيل الرابع واضحة جدًا، ونحن نشهد جيلًا كاملاً من المثقفين والأكاديميين الذين يعرفون كيفية إجراء النقاش والدفاع عن أنفسهم، حتى في القضايا الداخلية العربية، بالمناسبة.

يتعرض جيل الشباب العربي لقدر كبير من المعلومات، ويشكل هويته وآرائه ليس بالضبط وفقًا لما يقال له في المنزل أو في المدرسة، ولكن وفقًا لما يراه في العالم، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك، فإن الهلع من رفع العلم الفلسطيني ليس فقط غير مبرر، بل هو عملية طبيعية للجيل العربي الشاب، ولا تهمه الدولة التي هو مواطن فيها بتعريفه كدولته.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023