يحيى الحاج حمد
غابت من لم تغب عنه يوماً، شاركته في كافة تفاصيل حياته، صيفه وشتائه، فرحه وألمه، راحته ونَصَبه، داومت على دعائها الممزوج بدعاء الرجاء المحفوف بحسن الأمل أن تسترده من لجج البحار المتلاطمة؛ كي تقر عينها ولا تحزن، أطفأت سنوات الغياب نور عمرها، وبقي وهج شوقها مستعراً ينتظر عناق اللقاء.
وفجأةً دقت لحظة القدر لتصدع بما تؤمر فتوقف كل شيء وخشعت الأصوات منصتةً لقول الحقيقة أن قد أزف الرحيل، رحيل من ساندته سنين طويلة وآوته تحت عرش حنانها أعوام مديدة، تلك الأم البارة بولدها المغيب خلف قضبان السجون فعلم أن من لم تغب عنه يوماً قد غابت دون إياب وأنه أمسى وحيداً داخل زنزانته الضيقة.