معهد بحوث الأمن القومي (inss)
كوبي ميخال وأوري روتمان
ترجمة حضارات
منذ أن بدأت الموجة الحالية "للإرهاب"، يركز الجيش على عمليات محدودة ومركزة في جنين -العاصمة القديمة الجديدة للإرهاب- و على الرغم من نجاح هذا الأسلوب في تحقيق أهداف مهمة، إلا أنه لا يؤدي إلى إنهاء منظومة "الإرهاب" في المدينة، ويساهم في تقويض الردع الإسرائيلي.
هل حان الوقت لإعادة الحسابات من جديد ؟
برزت منطقة جنين مؤخرًا كحاضنة "للإرهاب" ومجال عمل مناسب وحر نسبيًا لحركة الجهاد الإسلامي، المنظمة الكبيرة والقوية العاملة فيها، وقد صنفتها المنظومة الأمنية على أنها الأكثر إشكالية وخطورة، وقد اختارتها لتركيز الجهود الهجومية ضدها، لكنه جهد مركز أو محدود في جوهره.
يسمح العمل -على هذه الشاكلة- باغتيالات مركزة، وهو أمر لا ينبغي الاستهانة بأهميته، لكنه لا يقوض النظام "الإرهابي" في جنين، ولا يسبب أضرارًا هائلة للبنية التحتية الإرهابية في المنطقة.
وسيكون من المناسب دراسة الفائدة الاستراتيجية المحتملة لمعركة أوسع نطاقاً في منطقة جنين بأكملها، والتي ستخصص لها قوات الجيش القوات الأكبر والأكثر أهمية أمام المزيد من الجبهات في المنطقة، كما يجب أن يكون الهدف الاستراتيجي لهذه المعركة هو سحق البنية التحتية للإرهاب في المنطقة واظهار قوة رادعة تجاهها وخارجها.
تتواجد "إسرائيل" في معركة "إرهابية" منذ أواخر آذار (مارس) 2022م، قُتل خلالها 19 مواطناً إسرائيلياً. الرد الإسرائيلي يحدث في جميع أنحاء الضفة، لكن الجهد الرئيسي يبذل في منطقة جنين، التي خرج منها مقاومون في ثلاث هجمات في "إسرائيل" قُتل فيها 11 إسرائيليًا.
أدت العمليات في هذه المنطقة إلى رفع مستوى الاحتكاك والجرأة الفلسطينية وقادت إلى وقوع العديد من حوادث إطلاق النار، قتل خلالها مقاتل من اليمام وجرح العشرات من المدنيين والجنود.
إلى جانب التسلسل الناجح للهجمات القاتلة، كان هناك العديد من محاولات الطعن والدهس الفاشلة، فضلاً عن عدد أكبر من الهجمات، التي كان من الممكن أن يكون بعضها خطيرًا وقاتلًا بشكل خاص، وقد تم إحباطها مسبقًا من قبل قوات الأمن الإسرائيلية. لذلك، من الصواب تحليل الفترة الحالية ليس فقط فيما يتعلق بالعمليات الإرهابية التي انتهت بالقتل، ولكن أيضًا بالإشارة إلى الهجمات الفاشلة وتلك التي تم إحباطها.
تعكس خطورة المنظومة "الإرهابية" التي تواجهها "إسرائيل" الحجم التراكمي للهجمات والترجمة العملية لوعي المقاومة العنيفة، والتي تغذيها فعليًا جهود الوعي التي تبذلها حماس على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الوقت نفسه، يعكس النظام المقاوم نجاح حماس وعناصر أخرى (الفصيل الشمالي للحركة الإسلامية وحزب التحرير والسلطة الفلسطينية) في جعل الحرم القدسي عاملاً موحّدًا لمختلف التيارات في المجتمع الفلسطيني، وأجزاء من المجتمع العربي في "إسرائيل".
تحولت منطقة جنين خلال هذه الفترة إلى حاضنة "إرهاب" وساحة عمل مريحة وحرة نسبياً لحركة الجهاد الإسلامي، التنظيم الأكثر نشاطاً في المنطقة، حيث نسج تعاون بين الجهاد الإسلامي ومنظمات أخرى، مع التركيز على حماس والجبهة الشعبية وحتى كتائب شهداء الأقصى الفتحاوية.
تأسست على مر السنين روح مقاومة جنين ليس فقط كروح محلية، بل أصبحت المنطقة رمزًا للمقاومة العنيفة، حيث تُعرف منطقة جنين تاريخياً بأنها محيط جغرافي وسياسي واجتماعي واقتصادي كانت فيه سيطرة الحكومة المركزية ضعيفة، وكان هذا هو الحال في ثلاثينيات القرن الماضي إبان الانتداب، عندما اغتالت قواته عام 1936 في منطقة قرية يعبد، المجاهد عز الدين القسام، والذي أصبح في النهاية ملهماً ورمزًا للمقاومة الوطنية، وخلال الانتفاضة الثانية، ظهرت جنين على أنها معقل للمقاومة الفلسطينية، وتكبد الجيش في مناطقها خسائر فادحة، وخلال سنوات حكم السلطة الفلسطينية، وخاصة في السنوات الأخيرة.
في السنوات الأخيرة، شهدت منطقة جنين -وخاصة مدينة جنين نفسها- ازدهارًا اقتصاديًا حقيقيًا، فاعتمد اقتصاد المدينة على القوة الشرائية للمواطنين العرب في "إسرائيل"، الذين يترددون على المدينة وقضائها بشكل جماعي.
كما عمل عمال فلسطينيون في "إسرائيل" وتم تنظيم معبر الجلمة، مع زيادة مطردة في حجم البضائع والأشخاص الذين يعبرونه. وأدى إنشاء الجامعة الأمريكية في جنين، -حيث يدرس العديد من الطلاب من عرب الـ48، إلى تسريع التنمية الاقتصادية للمدينة، وتم بناء مساكن الطلاب حولها واعتمدت التجارة في الأحياء الجديدة على الطلاب الذين انتقلوا إليها.
عرفت المدينة زخمًا عقاريًا واقتصاديًا، لكن الافتراض المقبول، الذي يربط بين التحسن في الواقع الاقتصادي والعمالة وبين الدافع للإرهاب، ثبت أنه غير صالح في حالة جنين.