وقف إطلاق النار بين عباس ودحلان

موقع نيوز 1

يوني بن مناحيم


قبل نحو عامين انتشرت شائعات في الضفة الغربية حول تدهور الحالة الطبية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والتي تبينت فيما بعد أنها أخبار كاذبة، زعم مقربون من عباس أن وراء انتشار الشائعات كان منافسه السياسي اللدود محمد دحلان، فيما نفى دحلان بشدة هذه المزاعم.

المثير للاهتمام أنه هذه المرة -عقب شائعات الأسبوع الماضي حول تدهور صحة أبو مازن ووفاته-، لم يتهم مقربو أبو مازن محمد دحلان بنشر هذه الشائعات، بل وجهوا الاتهامات إلى قادة آخرين رفيعي المستوى في فتح أو حماس.

ويزعم مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية أن محمد دحلان أوقف الهجمات على رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن قبل أسابيع في وسائل الإعلام العربية التابعة له وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وبحسبهم، تلقى محمد دحلان، المستشار الأمني لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زيد منذ أكثر من عشر سنوات، أمرًا صريحًا منه بوقف الهجمات الإعلامية على أبو مازن وشريكه حسين الشيخ -الذين قد يخلفه في المنصب- لأنه يريد محاولة تحسين العلاقة مع السلطة الفلسطينية بعد انقطاع دام عدة سنوات.


زار رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن أبو ظبي قبل أكثر من شهر، وهي زيارة نادرة بعد توقف طويل، لتقديم التعازي في وفاة رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زيد، وتهنئة لخليفته الشيخ محمد بن زايد، الذي كان ولي عهد أبو ظبي ووقع اتفاقية التطبيع مع "إسرائيل".

جاء العديد من القادة من جميع أنحاء العالم إلى أبو ظبي لتقديم التعازي، بما في ذلك الرئيس يتسحاق هرتسوغ.

ورافق أبو مازن في الزيارة خليفته المحتمل، حسين الشيخ، واللواء ماجد فرج رئيس المخابرات العامة الفلسطينية.

وكانت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية الخطوة الأولى لكسر الجمود في علاقات السلطة الفلسطينية مع الإمارات العربية المتحدة الناجم عن اتفاق التطبيع بين الإمارات و"إسرائيل" ودعم الإمارات لمحمد دحلان، الخصم اللدود لأبو مازن.


التنافس الشخصي بين أبو مازن ومحمد دحلان

كان محمد دحلان مقربًا جدًا من رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن في الماضي، حيث كان ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الفلسطينية، لكن في عام 2011 مرت -قطة سوداء- بالعلاقة بينهم وبين أبو مازن، الذي تم انتخابه رئيسا للسلطة الفلسطينية، حرص على إبعاده عن حركة فتح بتهمة القتل والفساد المالي وإبعاده عن الضفة الغربية.

ومضى محمد دحلان في الادعاء بأنه يرى نفسه عضواً في حركة فتح الحقيقية، وأسس "التيار الإصلاحي" وتجمع حوله المحبطون والمخونون لأبو مازن في حركة فتح، وأصبح رجل أعمال ناجحًا في الخليج، وتاجر أسلحة، وكانت له علاقات طيبة مع القادة العرب مثل الرئيس السيسي، والملك عبد الله ملك الأردن، والشيخ محمد بن زيد. الوصي على العرش الإماراتي الذي عينه مستشارا أمنياً له.

زعم مقربي محمد دحلان أن أحد الأسباب الرئيسية لعمل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ضد محمد دحلان هو الفساد المالي، وحقيقة أن دحلان كشف في عام 2010 أن رئيس السلطة الفلسطينية حصل على أكثر من ملياري دولار من أموال صندوق استثمار السلطة الفلسطينية.

وبحسبهم، كان محمود عباس على استعداد للتصالح مع محمد دحلان، بل وأحال إليه عرضًا للمصالحة من خلال وسيط مقابل مبلغ 10 ملايين دولار، إلا أن محمد دحلان رفض العرض.

وكشف مقربو دحلان -لأول مرة قبل نحو عامين- عن وثائق وتسجيلات صوتية لشخصيات بارزة في فتح تؤكد اتهامات محمد دحلان لمحمود عباس.


الاتهامات الموجهة لأبو مازن هي:

المسؤولية الشخصية عن سقوط قطاع غزة في يد حماس، وفشل حركة فتح في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006.

المسؤولية عن تراجع أهمية القضية الفلسطينية في نظر الدول العربية.

المسؤولية عن إضعاف حركة فتح في الضفة الغربية وخطر انهيار حكم السلطة في أيدي حركة حماس.

محاولات رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن للقضاء على محمد دحلان جسدياً.

ونتيجة لذلك خشي دحلان على حياته وفرّ من الضفة الغربية إلى الأردن، ومنها إلى الإمارات العربية المتحدة.

كما نفى كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بشكل قاطع جميع اتهامات محمد دحلان ضد أبو مازن.


محمد دحلان ينتظر الانتخابات في الضفة الغربية

يحاول رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن ومقربيه حسين الشيخ وماجد فرج خلق الانطباع بأن معركة الخلافة قد حُسمت بالفعل، وأن حسين الشيخ وماجد فرج سيقودان السلطة بعد نزول أبو مازن الساحة السياسية، لكن الشارع الفلسطيني غير مستعد لقبول هذا الإملاء، ولا كبار أعضاء حركة فتح والمعارضة الفلسطينية.

ومن المتوقع التغلب على هذا المطلب بانتخابات جديدة بمجرد تنحي رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن عن المسرح السياسي أو دخوله في حالة صحية بسبب وضعه الصحي، فإن التقييم في النظام السياسي الفلسطيني هو أن المطلب سيكون فوريًا لإجراء انتخابات رئاسية في غضون 60 يومًا.

لن يتمكن حسين الشيخ وماجد فرج من معارضة هذا المطلب، سيكونان بالطبع قادرين على تقديم ترشيحاتهما في الانتخابات الرئاسية، لكن هذا يعني إعادة فتح قواعد اللعبة والصراع على رئاسة السلطة الفلسطينية، ومن المتوقع -أيضًا- أن ترشح حماس مرشحًا رئاسيًا نيابة عنها، في غضون ذلك، سيتم تعيين رئيس مؤقت للسلطة الفلسطينية حتى يتم اتخاذ قرار في الانتخابات، وتشير التقديرات إلى أن الرئيس المؤقت سيكون روحي فتوح، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني الجديد.

حتى بعد وفاة ياسر عرفات عام 2004، تم تعيينه رئيسًا مؤقتًا حتى انتخابات 2005 الرئاسية، والتي فاز فيها أبو مازن.

لذلك، إن الأشخاص الذين في عجلة لهذا الأمر هم كبار أعضاء فتح جبريل الرجوب أو مروان البرغوثي أو محمود العالول، سيضطر إلى تغيير موقفه، فلن يستسلموا وسيقاتلوا بكل الطرق لمنع فوز حسين الشيخ أو ماجد فرج بمنصب رئيس السلطة الفلسطينية.

محمد دحلان، الذي طرده محمود عباس عام 2011 من حركة فتح بتهمة الفساد الحكومي والقتل، من المتوقع -أيضًا- أن يعود إلى الساحة بكل قوته ويترشح للانتخابات الرئاسية، كما يقول مقربيه في قطاع غزة، حيث يعتبر نفسه الخليفة المحتمل لأبو مازن وهو معارض قوي لحسين الشيخ.


طائر الفينق الفلسطيني

في قطاع غزة والضفة، يُشار إلى المسؤول الكبير في فتح محمد دحلان بكلمة "طائر الفينيق الفلسطيني"، وفي كل مرة يتم ذكره يظهر فجأة ويفاجئ الجميع.

أفاد موقع دار الحياة في 13 آب/أغسطس 2020، من مصادر أمريكية مطلعة، أن الاتفاقية الثلاثية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة و"إسرائيل" تنص على أن محمد دحلان سيتمكن من العودة إلى السلطة الفلسطينية "باعتباره الشخصية الرئيسية القادرة على إحياء عملية السلام، وله دور مهم في المرحلة المقبلة "، مما يفتح الطريق أمام محمد دحلان -من وجهة نظر الولايات المتحدة و"إسرائيل"- للمشاركة في معركة الخلافة على منصب رئيس السلطة بعد تنحية أبو مازن عن المسرح السياسي.

وأصدر "التيار الإصلاحي" في حركة فتح برئاسة محمد دحلان، قبل عام، بيانًا يؤيد اتفاق التطبيع، حيث يتناقض مع بيان السلطة الفلسطينية، الذي وصفها بـ "خيانة وطعن الفلسطينيين".


التعاون مع حماس

قبل نحو أربع سنوات، وقع محمد دحلان، برعاية مصرية في القاهرة، سلسلة اتفاقيات للتعاون السياسي والاقتصادي بينه وبين يحيى السنوار زعيم حماس في قطاع غزة. ولم تتحقق التفاهمات في النهاية بسبب معارضة السلطة واستئناف محادثات المصالحة بينها وبين حماس.

لقد فهمت حماس أن التحالف السياسي مع محمد دحلان، الخصم اللدود لأبو مازن، يخدم مصلحتها لانتقاد رئيس السلطة الفلسطينية وإظهار للجمهور الفلسطيني أنه يمكن المصالحة مع حركة فتح، وأن مشكلة منع المصالحة الوطنية هي شخصية أبو مازن.

بالإضافة إلى ذلك، يرتبط دحلان بعلاقات وثيقة منذ طفولته مع السنوار ومع محمد ضيف، القائد العسكري الأعلى لحركة حماس، الذي ساعده على الاقتراب من الحركة ودفن رواسب الماضي.

نجح دحلان -الذي أصبح رجل أعمال دوليًا وثريًا جدًا، في السنوات الأخيرة- في ضخ الكثير من الأموال في مشاريع خيرية في قطاع غزة بالتنسيق مع حماس، مما عزز علاقاته مع الحركة وحسّن مكانته الاجتماعية والسياسية بين سكان غزة.


مخاوف في قيادة فتح

في العام الماضي، أعلن دحلان أنه بنية القائمة التي وضعها للترشح في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، اكتسب شعبية كبيرة في قطاع غزة، وأعرب عن أمله في تشكيل تحالف سياسي مع القيادي في فتح مروان البرغوثي، الذي يقضي حكم 5 مؤبدات في السجون الإسرائيلية، لكن البرغوثي اعترض على ذلك وابتعد ليحافظ على "صورة نظيفة" في الشارع الفلسطيني.

يعمل محمد دحلان كمستشار أمني لرئيس الإمارات الجديد الشيخ محمد بن زيد، كما اهتم بمستقبله السياسي في إطار اتفاقية التطبيع مع الإمارات، وقام بتصحيح الانقسامات بينه وبين "إسرائيل" وإدارة ترامب، لكن يبدو أن إدارة بايدن تفضل العلاقات مع حسين وماجد فرج، رغم أن ذلك قد يتغير حسب التطورات في الشارع الفلسطيني.

وبحسب مصادر خليجية، زار محمد دحلان "إسرائيل" سراً العام الماضي برفقة طحنون أبو زايد، مستشار الأمن القومي الإماراتي.

يحظى محمد دحلان بدعم مصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين، لكن "إسرائيل" والولايات المتحدة تدعمان المحور الجديد لحسين الشيخ وماجد فرج الذي من المقرر أن يحلا محل رئيس السلطة الفلسطينية يومًا ما.

أبو مازن ليس في عجلة من أمره للتقاعد، ويقول مسؤولون كبار في فتح إن رئيس السلطة الفلسطينية مصمم على القتال بكل قوته ضد عودة دحلان إلى الضفة الغربية، وأنه "عميل أميركي-إسرائيلي-إماراتي" طُرد من حركة فتح بسبب الفساد.

المزاج السائد في الضفة الغربية هو أن اتفاق التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة و"إسرائيل" هو نتيجة فشل كبير لاستراتيجية القيادة الفلسطينية بقيادة أبو مازن وأن الوقت قد حان لإنهاء دوره.

تحتاج السلطة الفلسطينية إلى استعادة سريعة لوضعها الإقليمي والدولي، والفلسطينيون بحاجة إلى قيادة شابة براغماتية وقوية يمكنها أن تحقق لهم إنجازات سياسية، وقد تكون معركة الخلافة عنيفة ووحشية، وبمجرد إعلان الانتخابات في الضفة الغربية، يكون هناك لاعب جديد، يضاف إليها اسم محمد دحلان عاقداً العزم على كسبها رغم كل الصعاب، بينما يراقب من الخطوط الجانبية وينتظر اللحظة المناسبة له.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023