باختصار- انتهى المشوار

فالح حبيب

محلل سياسي

مكان
فالح حبيب



مع تصويت نواب الكنيست على مشروع قانون حل الكنيست بالقراءات الثلاث يكونون قد أطفأوا النور فيها، وأغلقوا أبوابها وأنهوا باختصار مشوار الكنيست الـ 24 لينطلقوا إلى الميادين وحقل حصاد الأصوات، وكل حزب وما زرع خلال العام الماضي، إذ لم تنتهِ الحملة الانتخابية لديهم جميعًا لتبدأ أصلًا منذ أن تشكل الائتلاف الحكومي الذي بدا هشًا منذ بدايته وتفكك أكثر كلما مر الوقت؛ ولذلك استعدوا.  


ماذا سيجري بعد بينت؟


استقالة بينت كانت حتمية إذ هذه المرة اتخذ القرار الصحيح لنفسه وليس كما جرت العادة لحزبه والبلاد وقد ضحى بزملائه وجميع النشطاء في توقيت بات فيه حزب "يمينا" مأزومًا وأحد نوابها لا يمكنه قيادة الحزب في الوقت الراهن في ظل أجواء تراكمية التحريض على يمينا ونزع الشرعية عنها في المعسكر الوطني واليمين، ولمثل هذا اليوم أعدت العدة شاكيد، فمَن راقب تحركاتها طيلة عملها في الائتلاف الذي ترأسه بينيت ولبيد كان واضحًا أنها قلبًا وقالبًا في يمين المعسكر الوطني وكانت وبقيت جسدًا في الائتلاف، وعملت دائما وعينها كانت على يوم ما بعد هذا الائتلاف.

 وبناءً عليه، وظّفت تحركاتها في سبيل الوصول إلى هذا اليوم ولديها قدرة ومساحة مناورة التحرك في اليمين، وما أصعب مهمتها.  

من جهة لم تكن وما زالت شاكيد غير مرغوب بها في المركز يسار لنفس السبب، خاصة وهناك مَن يتهمها أنها وضعت العصي في عجلات هذه الحكومة والائتلاف، وبالتالي لن يكون لديها أصوات فيه.  

ومن جهة أخرى اليمين يتهمها، حالها كحال بينت، أنها "خانت العهد" وسرقت الأصوات والثقة ووضعتها في "أحضان اليسار" وهناك لديها مشكلة بالحصول على أصوات، فماذا بعد إذاً؟

في ظل هذه المعطيات وغيرها، تنتظر شاكيد أيام صعبة لا وردية، إذ لا بد أن تعمل بداية على تثبيت الاستقرار داخل "يمينا شاكيد" لئلا يواصل تفككه وبالتالي تجد نفسها إما في حزب آخر أو في "البيت".  

لهذا بدأت منذ اللحظات الأولى تقوم بتوجيه بعض الصحافيين من خلال تسريبات أنها لا تُلغي أي طرف سياسي بما فيه نتنياهو، والأهم أنها لن تكون في حكومة تعتمد على الموحدة ومنصور عباس، ما يعني أنها تتبنى الخطاب وخط الليكود الإعلامي التسويقي والسياسي حاليا لمحابة اليمين تمهيدًا لعودتها إلى هناك.  

الموحدة ومنصور عباس السوط والمحفز لرفع نسبة التصويت في اليمين، وبينيت سهّل المهمة!


نجح أخيرًا نتنياهو بما أراد في هذه المرحلة، إذ باستراتيجيته التي اتبعها لطالما سعى إلى تفكيك "يمينا" وبالتالي إعادة هذا "الصوت" لليكود، والأهم رفع "ڤيتو" التعاون عنه ومعه من خلال تحييد بينيت واخراجه خارج المشهد السياسي الحالي، وبالمقابل مواصلة النهش من أصوات "تكڤا حداشا" فكل مساعي نزع الشرعية عن أحزاب يمين الائتلاف والتسريبات التي كانت تصدر مؤخرًا وبصددها أن ساعر يتفاوض مع الليكود كان هدفها اضعافه واضعاف حزبه، وبالتالي كسر شوكة هذين الحزبين.  

وبالمقابل أيضا سعى وسيسعى نتنياهو إلى تحريك الصوت اليميني الخامل ودفعه للخروج إلى صناديق الاقتراع لتعزيز نسبة التصويت في اليمين وعدد مقاعده لضمان ائتلاف برئاسته، وبالتالي سنواصل من أحل تحقيق هذا الغرض والغاية سماع التحريض، بل سيتعزّز على منصور عباس والموحدة؛ لأنهم بالنسبة له هم محرك هذه الأصوات، لهذا يحاول تحويلهم لفزاعة وسوط مسلط يدفع من خلاله اليمين الخامل للخروج إلى صناديق الاقتراع.

الأمر الذي أيضا ستستغله الموحدة للاستثمار به والاستفادة منه في حملتها، لكنه يقلقها جدا وليس عبثا قاطع منصور عباس حديث نتنياهو خلال جلسة حل الكنيست عندما واصل الأخير (نتنياهو) محاولة نزع الشرعية عن الموحدة، فمنصور عباس والموحدة يدركون أن اعادتهم للمربع الأول و "قفص اللا تأثير" يعني بالضرورة نسف نهجهم وما يعتبرونه البديل لمنافسيهم.


بمنطقهم السياسي في المجتمع العربي، بمعنى ضرب ونسف لبقائهم السياسي. 
أما معسكر المركز يسار فعليهم ألا يعودوا للخلف بل، ولربما سيفعلونها، استغلال اتصالات نتنياهو ومنصور عباس لإضعاف الأول (نتنياهو) التي كسرت طابو التعاون مع النائب العربي ومهّدت لتشكيل ائتلاف بينت ولبيد.  

ما لا شك فيه أن اعتزال بينت السياسة حاليًا خلق لمعسكر المركز مشكلة ووضعهم في معضلة، تتلخص بإمكانية تسهيل الطريق أمام عودة نتنياهو للحكم بطريقة غير مباشرة من خلال شاكيد، ما سيدفع به لرص الصفوف وربما سيدفع هذا الأمر لاصطفافات وتحالفات واندماج أحزاب مثل حزب العمل وميرتس مثلًا، فميخائيلي سيكون من الصعب عليها الصمود أمام الضغوطات التي ستتعرّض لها في هذا الشأن، سنرى محاولة استقطاب شخصيات لها رصيد أمني ومجتمعي كقائد أركان الجيش الاسرائيلي سابقا "ايزنكوت" مثلا وغيره من لاعبي التعزيز السياسيين، وربما تكثيف المفاوضات بين ساعر وغانتس وكل ذلك لقطع الطريق أمام عودة نتنياهو للحكم، وعلى ذلك يُقال: مصائب قوم عند قوم فوائد! فما يُفرح الليكود حاليُا ربما يكون نفس السبب لتعاسته.  


صمت القطيع، عندما يتحول نتنياهو لعبء ورغم ذلك يصمت جميع نواب الليكود خوفًا


يصمت نواب الليكود رغم أنهم يعلمون أن ضعف الليكود بقوة نتنياهو، يصمتون خوفا من قوته داخل حزبه واليمين، فالخروج ضده بشكل علني في غير الوقت والتوقيت المناسبين يعني الانتحار سياسيًا قبل انتخابات داخلية لجميعهم وجميعهن هي مسألة حياة أو موت.  

فنفس السبب الذي حال دون إقامة حكومة بديلة من داخل الكنيست الـ 24 رغم استماتة نتنياهو على ذلك ما زال قائما! وقد يسأل سائل لماذا لم يتمكن نتنياهو، "ذلك الساحر" كما يوصف، من تشكيل حكومة بديلة من داخل هذه الكنيست؟ ببساطة الجواب "أزمة الثقة".

لدى نتنياهو ميزات كثيرة كسياسي، ولكن كلها في هذه المرحلة لم تسعفه وربما لن تسعفه، فما يحتاجه لما يبحث عنه، العودة للحكم، غير موجود لدى الأخرين به وهو الثقة، غانتس وساعر وليبرمان وجميع التيار المناوئ، تيار "إلا بيبي"، لديهم عدم ثقة مطلقة به، وما أصعب أن تُوصم كسياسي بالتدليس والخديعة والكذب.  

والليكود كحال الليكود وباقي حلفائهم، رغم أنهم يهمسون ذلك داخليًا، إلا أن أحد منهم لا يجرؤ ولن يجرؤ على الصدح بذلك علنًا: نتنياهو بات عبئا على الحزب والمعسكر الوطني رغم قوته، فبقوته يكمن ضعفه، وإذا أفرزت الانتخابات القادمة معطيات شبيهة للحالية ستبقى البلاد تراوح مكانها على شريط الانتخابات وعدم الاستقرار السياسي و "الحوكمة"!




جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023