معهد دراسة إعلام الشرق الأوسط (ميمري)
THE MIDDLE EAST MEDIA RESEARCH INSTITUTE
أكاديمي سعودي في دعوة غير مسبوقة: يجب إعطاء الشرعية الإسلامية للتطبيع بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية.
"إسرائيل" جزء من المجتمع الدولي، ويجب الحفاظ على علاقات معها_تحت سلطة الحاكم.
عشية زيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى الشرق الأوسط منتصف يوليو 2022، ترددت شائعات مرة أخرى في وسائل الإعلام حول إمكانية إقامة تطبيع بين "إسرائيل" والسعودية.
يُجرِي البلدان محادثات في قنوات سرية منذ فترة، لكن السعودية امتنعت -حتى الآن- عن الانضمام إلى حلفائها الذين وقعوا اتفاقيات سلام مع "إسرائيل" وتشترط التطبيع بحل المشكلة الفلسطينية في إطار تنفيذ مبادرة السلام العربية.
يبدو ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" -وهو يحاول تغيير الخط المحافظ الذي يقوده والده الملك سلمان فيما يتعلق "بإسرائيل"- وهو يرى أن "إسرائيل" ليست عدوًا بل حليفًا محتملاً" يخدم إقامة العلاقات معه المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية للمملكة.
قد تساعد هذه الخطوة -على سبيل المثال- في تسريع خطط التنمية والنمو الطموحة التي يروج لها ولي العهد في بلاده كجزء من رؤية 2030؛ في مواجهة التهديد الإيراني وحتى في تحسن العلاقات المتوترة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والتي تدهورت إلى أدنى مستوى بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.
بالإضافة إلى ذلك، أدت الاتصالات غير الرسمية التي جرت في السنوات الأخيرة بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، وكذلك عقد الاتفاقيات الإبراهيمية بين "إسرائيل" ودول عربية أخرى وخاصة مع الإمارات العربية المتحدة، إلى تآكل صورة "إسرائيل" الشيطانية في عيون المواطنين السعوديين.
بدأ المثقفون والصحفيون ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة في إظهار موقف علني شامل بل وحتى متعاطف تجاه "إسرائيل" ورأوا أن السلام معها ضرورة للواقع وحتى خطوة ضرورية لاحتواء التهديد الإيراني.
بل إنهم انتقدوا الفلسطينيين بشدة لعدم اتباعهم -حسب رأيهم- سياسة واقعية تهدف إلى حل الصراع مع "إسرائيل" وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
تمت ترجمة العديد من المقالات حول هذا الموضوع من قبل معهد (ميمري) في السنوات الأخيرة.
يبدو أن المملكة العربية السعودية قد مرت في السنوات الأخيرة بعملية تدريجية لبلورة شرعية سياسية لإقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، لكن السلطة في المملكة -التي تعمل كدولة شرعية وترى نفسها زعيمة للعالم الإسلامي- تجد من الصعب إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع "إسرائيل"، في ظل عدم توفر الشرعية الدينية لذلك.
علاوة على ذلك، أثارت "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي وقعتها "إسرائيل" وبعض حلفاء المملكة العربية السعودية -بموافقة ضمنية- جدلًا حول شرعية تحركات التطبيع هذه.
في هذا النقاش، جادل رجال الدين المعارضون للاتفاقيات بأن التطبيع مع "إسرائيل" يعني خيانة الله (والنبي محمد) الذي قاتل اليهود.
وتجدر الإشارة إلى أن الشرعية الدينية لإقامة علاقات مع "إسرائيل" قد أُعطيت منذ تسعينيات القرن الماضي في الأحكام الشرعية للشيخ "عبد العزيز بن باز"، الذي شغل منصب مفتي المملكة العربية السعودية من عام 1993 حتى وفاته في عام 1999، ففي فتاويه -التي نُشرت على خلفية اتفاقيات أوسلو بين "إسرائيل" والفلسطينيين- ذكر أنه لا يوجد مانع أمام قيام دولة بتوقيع اتفاقية سلام مع اليهود، أي مع "إسرائيل"، إذا كانت هناك مصلحة للمسلمين في البلاد.
اعتمد في فتاويه على سابقة اتفاق الحديبية الذي أبرمه (النبي محمد) مع كفار قبيلة قريش في مكة عام 628م، ومع ذلك، فإن كبار أعضاء المؤسسة الدينية السعودية يمتنعون حاليًا عن مناقشة قضية التطبيع مع "إسرائيل".
لذلك، إذا كانت المملكة العربية السعودية تسعى إلى رفع مستوى العلاقات مع "إسرائيل" من المستوى السري إلى العلني، فستحتاج إلى دعم المؤسسة الدينية في البلاد وتوفير شرعية من جانبها لمثل هذه الخطوة.
ومن المتوقع أن يحظى هذا الدعم بمباركة الرجل القوي في المملكة العربية السعودية -ولي العهد محمد بن سلمان- الذي سبق أن صرح بأن الإصلاح الديني هو شرط لمسيرة المملكة السعودية نحو مواجهة تحديات العصر الحديث.
في مقابلة أجراها "بن سلمان" في مايو 2021، بمناسبة الذكرى الخامسة لإطلاق رؤية 2030، للعديد من القنوات التلفزيونية السعودية، قال إنه يمكن ممارسة حرية التصرف المستقلة في أي وقت لممارسة الاجتهاد الشرعي وفقًا لروح الزمان والمكان.
ظهرت إشارة غير عادية حالية حول التأهيل الديني لإقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" والتي قد تعزز اتجاه التقارب بين المملكة العربية السعودية و"إسرائيل" مؤخرًا في مقال نشرته صحيفة الجزيرة السعودية اليومية في 20 يونيو 2022.
المقال بعنوان "الشريعة في السياسة الشرعية [أي الممارسة الحكومية بحسب الشريعة الاسلامية] ودولة إسرائيل"، بقلم الدكتور/ خالد بن محمد اليوسف محاضر كبير في القانون الدولي، وأمين عام مجلس الجامعة الإسلامية على اسم محمد بن سعود بالرياض.
قال اليوسف في مقالته إنه حدث في العصر الحديث تغير كبير في مفهوم "الدولة" وفي قواعد اللعبة في العلاقات الدولة.
ووفقًا له -وبحسب هذه القواعد- فإن "إسرائيل" -مثل بقية العالم- هي كيان قائم، وعضو في الأمم المتحدة، وبالتالي يجب معاملتها وفقًا لممارسات المجتمع الدولي.
ودعا رجال الدين السعوديين إلى إعادة النظر في العلاقات الدولية وصياغة مفهوم شرعي جديد يتوافق مع القواعد الجديدة للعبة، مما يسمح لحاكم الدولة الإسلامية بممارسة التقدير في مجال العلاقات الدولية، وتحديد ما إذا كانت ستقيم علاقات مع "إسرائيل" إذا كان ذلك يعود بالفائدة على الدولة الإسلامية.
كما قال اليوسف إن التطبيع مع "إسرائيل" سيسمح لكثير من المسلمين بالحضور للصلاة في القدس وحتى إعادة بنائها من جديد، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون إقامة علاقات مع "إسرائيل".
ناقش اليوسف في مقالته مبدأ شرعي "السياسة الشريعة" [الممارسة الحكومية وفقًا للشريعة الإسلامية]، التي تتوسط بين السياسة والشريعة، وتشكل أداة حكومية شرعية مهمة في المملكة العربية السعودية.
يسمح هذا المبدأ للمملكة بالحفاظ على طابعها المحافظ وفي نفس الوقت تكييف نفسها مع تحديات العصر الحديث والواقع المتغير، ويسمح للحاكم المسلم بتسيير شؤون الدولة حسب تقديره إذا كان ذلك يخدم المصلحة العامة، بشرط ألا يضر بجوهر الشريعة.
يبدو في هذا المقال، أن اليوسف يسعى إلى تعزيز شرعية خطوة حكومية لممارسة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، مع الحفاظ على مصداقية المملكة العربية السعودية الدينية والثيوقراطية، وحتى تعزيز الشرعية الدينية لحكمها.