مليشيا المستوطنين... قراءة في الموقف والمضامين

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً: الموقف:

نقلا عن صحيفة معاريف العبرية؛ نشر المركز الفلسطيني للإعلام في تاريخ 18/ 07/ 2022، خبراً مفاده أن وزارة الجيش الإسرائيلي وجمعيات استيطانية وبلدية الاحتلال في مدينة القدس المحتلة قد أعلنوا عن تشكيل مليشيات مسلحة من (المستوطنين) المتطرفين للقيام بمهام أمنية في مدينة القدس المحتلة.

وأوضحت الصحيفة أن الخطة التي ستنفذ قريباً تجريبياً تنص على تشكيل فرقاً احتياطية عناصرها من مهرة (المستوطنين) للتدخل إلى حين وصول الجيش أو الشرطة إلى أماكن الأحداث.

فيما أكدت بلدية الاحتلال في القدس المحتلة أنه سيتم إطلاق نموذج تجريبي كجزء من هذا المشروع الذي سيبدأ في الأيام المقبلة.

وأضافت الصحيفة "سيحصل المستوطنون الذين سيتطوعون ضمن هذه الميلشيات على موافقة سريعة للحصول على الأسلحة وتلقي برامج تدريب وسيحصلون على شهادة من الشرطة ومعدات".

وقال الرئيس التنفيذي لكتيبة "نيتسيح يهودا" يوسي ليفي: "إن المتطوعين سيجندون لإنشاء فصيلة احتياطية توفر حلاً للتجمعات المتدينة حيث لا توجد تقريباً رخص حمل سلاح في هذه المستوطنات التي تسكنها غالبية يهودية متدينة".


ثانياً : المهام المتصورة لهذه المليشيات:  

1. التدخل عند وقوع أعمال فدائية في المغتصبات أو في القدس المحتلة.

2. إسناد التشكيلات الأمنية والعسكرية النظامية العاملة في المناطق.  

3. تأمين الحماية للمغتصبات أو المغتصبين أثناء التنقل من وإلى هذه المغتصبات.

4. تأمين الحامية لتحركات المغتصبين من وإلى المغتصبات.

5. المشاركة في أعمال الاسناد الإداري ــ نقل، طبابة، اتصالات مركزية،... ـ عند وقوع حرب بين الكيان وأعدائه على أي جبهات المواجهة.  

6. المشاركة في تأمين الحماية لقطعان المستطونين أثناء  اعتدائهم على مواطنينا وممتلكاتهم.

7. تأمين بؤر المغتصبات -القديمة والجديدة- المقامة على أراضينا وقرانا. 

 

ثالثاً : المضامين:  

في تعريف المصطلح: المليشيا أو التنظيم المسلح أو الجماعة المسلحة؛ تشكيل من قوات غير نظامية من مواطنين، تقوم الدولة أو الجهة الحاكمة ذات السلطة ببنائه للقيام بجزء من مهام التشكيل المنظم أو تأمين الإسناد الإداري له، يخضع هذا التشكيل لشروط تجنيد وتشغيل وقواعد اشتباك أقل من تلك التي يعمل بناء عليها التشكيل المنظم، كما تخضع هذه القوات من حيث الإمرة والتشغيل إلى تعليمات وأوامر الجهة المنظمة ذات السلطة، ومن الممكن أن تكون مفاصله الرئيسية -ضباطه وضباط صفه ورتبائه- من مرتبات التشكيل العسكري النظامي، ويعمل هذا التشكيل عادة بأسلوب حرب العصابات، بعكس مقاتلي الجيوش النظامية والجنود المحترفين.


في تحليل الموقف:  

إن تحليل الموقف لمعرفة أسباب بناء مثل هذا التشكيل في هذا الوقت بالذات بعد أن تعددت جهات التهديد الذي يواجه هذا الكيان الموقت، وحيث أن هذا الكيان وفقاً لما قاله رئيس هيئة أركان جيشه الجنرال " أفيف كوخافي " يواجه تهديدات على خمس جبهات مختلفة؛ واحدة منها الجبهة الداخلية بما تحويه من مراكز خطر تتمثل في المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، ثم ما برز من تهديد جدي في مناطق الثمانية والأربعين، حيث خرجت مدن بكاملها -اللد- عن سيطرة قوات أمن العدو لمدة ثلاثة أيام أثناء معركة "سيف القدس"، وحيث أن القوات النظامية لدى العدو لا يمكن أن تنهض منفردة  لمواجهة كل هذه التهديدات المتصورة، فقد بحث -ويبحث- قادته عن سبل بناء تشكيلات رديفة تساعد في النهوض ببعض مهام القوات النظامية، الأمر الذي يشي بأن ما يقف خلف هذا القرار -بناء مليشيات- نابع من أن القوات النظامية تواجه مجموعة من المشاكل والمعضلات، من أهمها الآتي: 

1. عدم القدرة على المتابعة والمواكبة الميدانية: فهذه القوات النظامية غير قادرة على المواكبة والمتابعة الميدانية بحيث تحيد التهديدات التي تواجهها في المناطق المحتلة جميعاً، بدءً من مناطق الضفة الغربية ومروراً بما يمكن أن يتولد من تهديدات في مناطق الثمانية والأربعين، على شاكلة ما حصل أيام معركة "سيف القدس"، وانتهاءً بالتهديدات الجدية التي تحويها غزة بمقاومتها المسلحة، لذلك كان  لا بد من البحث عما يعزز القوات النظامة وقت العمليات العسكرية؛ فكانت المليشيا.

2. الإرهاق والتعب من كثرة عمليات الأمن الجاري: فلا يمر يوم دون أن تخرج القوات النظامية للقيام بعمليات اعتقال ومداهمة وتفتيش في مختلف مدن الضفة الغربية، الأمر الذي يرهق هذه القوات ويصيب منتسبيها بحالة من الضعف والتعب، تحول بينهم وبين النهوض بمهام أكثر أهمية مما يقومون به حالياً من عمليات "أمن الجاري"، بحث يتسنى للقوات النظامة أوقات أكثر لأخذ الراحة والتدرب على تأدية أصل مهامهم المجندين لها.

3. ما تتركه عمليات الأمن الجاري من أثر على كفاءة القوات: إن التشيكلات العسكرية إنما تبنى وتؤهل للقيام بأعمال عسكرية؛ أصل الهدف فيها تأمين الأمن القومي للبلد أو الدولة، عبر قيامها بأعمال رئيسية من سنخية العمليات الهجومية أو الدفاعية، وعليه فإن انخراطها في عمليات حفظ الأمن العام أو ما يعرف بعمليات "الأمن الجاري"، ينعكس سلباً على كفاءتها القتالية وجاهزيتها التعبوية، لذلك فإن تشكيل مثل هذه المليشيات سيساعد في تفرغ القوات النظامية للقيام بمهام قتالية ضمن توصيفها الوظيفي الأصلي المشتق من عمليات الدفاع أو الهجوم، بحيث لا تواجه أي مشاكل عند تعاملها مع أيٍ من المخاطر ناتجة عن التهديد الرئيسي، الذي تستعد له، والمتمثل في حركات المقاومة الفلسطينية والعربية؛ داخل فلسطين المحتلة أو خارجها.  

4. فتح باب التدريب والتأهيل والتسليح أمام شرائح المتدينين ضمن بيئات يألفونها: يعلم المتابع للشأن الصهيوني أن هناك مشكلة في استيعاب الشريحة المتدينة من (المواطنين) الصهاينة في التشكيلات العسكرية النظامية التي تحوي في صفوفها النساء أو العلمانيين، لذلك فإن هذه الميلشيا المنوي تشكيلها، تعد فرصة مناسبة وبيئة مقبولة من هذه الشريحة للخدمة العسكرية، حيث أنها ستتكون من أنواع (متجانسة) متشابه من حيث الطباع والعادات الدينية والحياتية.  

5. سد ثغرة عدم الاستجابة للاحتياط: كما أن هذا التشكيل في حال نجاح تجربته واعتماده كتشكيل رديف ومُعزز للقوات النظامية؛ فإنه سوف يكون بديلاً مناسباً يعوض حالة التخلف عن تلبية نداء خدمة الاحتياط التي تشهدها معظم تشكيلات الجيش الإسرائيلي، فيسد بذلك قادة التشكيلات عجز عديدهم بالتعويض بهذا العديد الرديف.  

6. تحرير القوات النظامية للقيام بالمهام "الجهد الرئيسي" عبر تشغيل هذه القوات في مهام "الجهد ثانوي": كما يوفر هذا التشكيل هامشاً للمناورة أوسع لقادة التشكيلات النظامية لتشغيل ما تحت إمرتهم من القطعات العسكرية للقيام بمهام قتالية رئيسية، بدل انشغالهم في عمليات الأمن الجاري التي يمارسونها بشكل يومي، والتي كما ذكرنا سابقاً تؤثر على قدرات هذه التشكلات القتالية وتضر في أصل جاهزيتها للعمليات القتالية الكبيرة وذات الأهمية.  

7. إضفاء (شرعية) قانونية على ما يقوم به هؤلاء المتطرفين : كما أن ضم هذه الشريحة من مغتصبي فلسطين المحتلة إلى مثل هذه التشكلات القتالية النظامة التي تتبع وزارة الدفاع؛ يعني إضفاء (شرعية) قانونية على ما يقومون به من أعمال عدائية ضد أبناء شعبنا؛ قد تشكل -الأعمال العدائية- حرجاً لهذا الكيان المؤقت، أو قد تكون محل متابعة قانونية لدى المحافل القانونية في هذا اليكان المؤقت أو خارجه.    

رابعاً : التوصيات:  

1. جمع المعلومات عن هذا التشكيل: إن أول ما يجب العمل عليه لمتابعة عمل هذا التشيكل محل البناء هي؛ المواكبة المعلوماتية عن كل ما يرتبط في هذا التشكيل من أشخاص وفي مختلف المقاطع القيادة، وعن طرق عمله والإجراءات التنفيذية التي يقومون بها عند تنفيذ المهام، وطرق استدعائهم، ومحال تجمعهم، ووسائل نقلهم، ونوع الشارات الميدانية التي تميزهم، ونوع أسلحتهم، وقواعد الاشتباك التي يعملون بناء عليها، وأماكن المسؤولية لكل وحدة منهم، والمستوى التنظيم القتالي لهم، ووسائل اتصالهم وتواصلهم السلكة واللاسلكية، ومنظومة القيادة والسطيرة C2 في هذ التشكيل الجديد، وكل شاردة وواردة عنهم، بحيث تُفتح ملفات المعلومات عنهم ويبدأ من الآن جمعها ومراكمتها وتحليها وتقدير ما ينبنى عليها، ليبنى على الشيء مقتضاه.  

2. الاحتكاك بالتشكيلات الناظامة المعادية على قاعدة "الاستطلاع القتالي": بحيث يتطلب العمل المنوي القيام به استعداء هذه القوات الرديفة للتعرف عليها عن قرب ومعرفة واستخلاص المعلومات الواردة سابقاً والمطلوب جمعها للتعرف أكثر على هذا تشكيل التعزيز هذا.  

3. الاحتلاك بهم والاشتباك معهم: لتحقيق مجموعة أهداف منها على سبيل المثل لا الحصر: معرفة الكفاءة القتالية لهذا التشكيل، التعرف على طرق عمله وإجراءاته الإدارية والتعبوية، التعرف على قواعد الاشتباك معه، إنزال خسائر بشرية ومادية فيه، بحيث تؤثر على الروحية القتالية له ولمنتسبيه، ولأرسال رسالة ميدانية لهم مؤداها؛ أن العمل في المناطق ليس كما يُصور لهم على أنه نزهة عابرة، أو مغامرة غير  خاسرة.  

4. استخداهمم كطعم وفخ لجر القوات النظامية إلى جغرافيات تناسبنا للاشتباك معها: بحيث تُصطنع مواجهات واحتكاكات ميدانية لا تتطلب دفع قوات قتالية نظامية إلى مكان العمل، بحيث تحضر هذه المليشيات إلى أمكان المواجهات المعدة مسبقاً، ثم ترفع وتيرة العمل وسخونة المواجة بحيث تستدعى القوات النظامية لسحب هذه التشكيلات من أماكن  المواجهة، حيث أنها -القوات النظامية- سوف تحضر إلى مكان المواجة في تشكيل أغلب  الظن أنه تشكيل إنقاظ ونجدة غير مكتمل الاستعداد القتالي، مما يوفر فرصة لتسديد ضربات له وايقاع خاسر بشرية ومادية في صفوفه.

هذه بعض الملاحظات على هذا الموقف ومضامينه وما ينبني عليه، الأمر الذي يتطلب مواكبة حثيثة وعمل جاد، يرصد التطور الميداني والهيكلي والإجرائي لهذا العدو الغاصب.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  

عبد الله أمين  

01 08 2022

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023