يسرائيل هيوم
تامير موراغ
بعيدًا عن حدود التغطية الإعلامية، وربما أيضًا خارج بؤرة اهتمام صانعي السياسة، الذين ينشغلون عن حق بإيران، فإن التهديد النووي يتطور بالقرب من حدود "إسرائيل".
سلسلة من كبار المسؤولين السابقين في مؤسسة الجيش وأجهزة المخابرات التي تحدثت لـ"يسرائيل هيوم" من عواقب تحالف سياسي غير عادي بدرجة التقارب التي يعبر عنها بين السعودية وباكستان.
وبحسب المسؤولين، في حال حدوث اختراق نووي إيراني، يتعين على "إسرائيل" الاستعداد لسيناريو تقوم فيه باكستان بنقل الرؤوس الحربية النووية إلى السعودية، أو تزويدها بالمعرفة والوسائل اللازمة لإنشاء قدرتها النووية الخاصة في غضون فترة قصيرة من الوقت.
من المفهوم أن القدرة النووية السعودية لا تهدد "إسرائيل" بنفس الطريقة التي تهدد بها قدرة مماثلة لإيران، لكن السيناريو الذي تصبح فيه السعودية قوة نووية يحمل عدة مخاطر كبيرة، أولها: ينشأ من حقيقة أنها دولة غير ديمقراطية -دولة بها عناصر ذات رؤى إسلامية للعالم- وعلى هذا النحو قد تتغير الحكومة فيها فجأة وتصبح معادية لـ"إسرائيل" - كما حدث في الماضي في دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك إيران.
بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك ما يضمن أن مصالح الحكومة الحالية في الرياض ستظل متوافقة إلى الأبد مع مصالح "إسرائيل".
وينبع الخطر الثالث: من الافتراض العملي بأن التسلح النووي السعودي سيزيد من تحفيز دول أخرى في المنطقة، مثل مصر والإمارات العربية المتحدة وتركيا، للحصول على قدرة مماثلة خاصة بها، وسيصبح الشرق الأوسط بأكمله برميل بارودٍ نووي.
ما هو مخفي أكثر من ما هو علني
نشر الدكتور "يوئال غوزانسكي" الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب والمسؤول السابق عن قضية إيران والخليج العربي في مجلس الأمن القومي، مقالاً في عام 2019 بعنوان "العلاقات السعودية والباكستانية - ما هو مخفي أكثر من ما هو علني".
هذه هي المقالة الأكاديمية الوحيدة المكتوبة بالعبرية في السنوات الأخيرة حول العلاقة بين البلدين، وهذه الحقيقة تشير إلى عدم الاهتمام الكافي بالقضية في "إسرائيل".
يوضح غوزانسكي في المقال أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان طويلة الأمد وقريبة للغاية، لدرجة أنها وصفها سابقًا تركي الفيصل -الذي شغل منصب رئيس المخابرات السعودية- بأنها "من أقرب العلاقات القائمة بين دولتين في العالم ".
أساس هذا التحالف الاستراتيجي هو نوع من صفقة المقايضة: تجد المملكة العربية السعودية في باكستان -ثاني أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان في العالم، حيث يوجد حوالي 215 مليون مسلم منهم حوالي 85٪ من السنة- ثقلًا موازنًا لتأثير إيران الشيعية.
في المقابل، تتمتع باكستان الفقيرة بمساعدة اقتصادية ضخمة واستثمارات سعودية بمليارات الدولارات، كما أنها تكتسب دورًا مركزيًا في حماية الأماكن المقدسة للإسلام والنفوذ السياسي في الخليج العربي.
إن تطوير "القنبلة الإسلامية" بتمويل سعودي، ولكن على أرض باكستان تحديداً، يسمح للسعوديين بالإفلات من الضغط الدولي الذي ينطوي عليه الترويج لبرنامج نووي عسكري، ويتيح للباكستانيين كسب الردع ضد خصمهم العظيم الهند.
اتصال معقد وعميق
قال الدكتور جوزانسكي: "العلاقة الوثيقة بين المملكة العربية السعودية وباكستان هي قضية استراتيجية مهمة للغاية، وهي للأسف غير معروفة جيدًا في "إسرائيل"، فلقد استثمرت المملكة العربية السعودية قدرًا كبيرًا من المال في باكستان وتحديداً في برنامجها النووي، وبالطبع تريد الحصول على نوع من المكافأة، ومن ناحية أخرى، تعتبر باكستان نفسها حامية للمملكة العربية السعودية على أنها الوصي على الأماكن المقدسة للإسلام، وعلى مر السنين كانت هناك تصريحات عامة أوضحت فيها ذلك وتعهدت بالوقوف إلى جانبها في مواجهة التهديدات الخارجية".
يمضي غوزانسكي في وصف العلاقات غير العادية بين البلدين: "يعمل العديد من الباكستانيين ويعيشون في المملكة العربية السعودية، وقد استثمرت العائلة المالكة السعودية أموالًا وجهودًا كبيرة في الترويج للدين في باكستان وبناء المساجد والمدارس الدينية في البلاد".
يتدرب جيشا البلدين معًا وهناك تقليد غير رسمي يتم فيه دعوة كبار أعضاء الجيش الباكستاني الذين يخلعون زيهم الرسمي -بما في ذلك رؤساء الأركان- إلى المملكة العربية السعودية حيث يتلقون مناصب مرموقة ويعيشون حياة ترف.
هذه علاقة معقدة للغاية شهدت بعض الصعود والهبوط -بشكل أساسي على خلفية خيبة الأمل السعودية من المساعدة الباكستانية المحدودة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن- لكن خلاصة القول هي أنها لا تزال عميقة للغاية حتى اليوم".
ويقدر جوزانسكي أنه "على هذه الخلفية، وفي سيناريو اختراق إيراني لقنبلة ما، فإن وضع أسلحة نووية باكستانية على الأراضي السعودية أو نقل رؤوس حربية نووية من باكستان إلى السعودية هي سيناريوهات معقولة".
"هذه ليست الخيارات الوحيدة، لكن على دولة "إسرائيل" الاستعداد لها وأخذها في الاعتبار، أنا منزعج للغاية لأنني أقول لنفسي: نحن ننظر فقط إلى إيران وعلى طول الطريق نفتقد أشياء مهمة".
وعلى الرغم من التقارب السياسي، يجب أن يكون مفهوماً أن مصالح السعودية ليست كلها متوافقة مع مصالحنا، وبالتالي فإن الانشغال النووي السعودي، الذي يخفي معظمه عن الأنظار، يجب أن يكون مصدر قلق كبير لـ"إسرائيل ".
يؤكد العميد (متقاعد) البروفيسور يعقوب ناجل، الذي شغل منصب القائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي، كلام جوزانسكي فيما يتعلق بالتدخل السعودي العميق في البرنامج النووي الباكستاني وعواقب هذا التدخل: "على مر السنين، استثمرت المملكة العربية السعودية ميزانيات كبيرة في البرنامج النووي الباكستاني وربما لم تفعل ذلك من أجل الجنة.
يمكن وصف هذا الموقف المعقد بطريقة متطرفة قليلاً، من أجل تبسيطه وفهمه، فبشكل عام، ما يمكن أن يفعله السعوديون، إذا أرادوا، هو رفع الهاتف إلى الباكستانيين وإخبارهم: 'تذكروا مساعدتنا الاقتصادية السخية وفهم أننا إذا احتجنا إلى مساعدة نووية في المستقبل، فسنحصل عليها منكم؟ لذا حان وقت السداد".
ومع ذلك، يقول ناجل إنه على الرغم من أن هذا الخيار متاح على الأرجح للسعوديين، فليس من المؤكد أنهم سيرغبون في استخدامه وأن يصبحوا دولة نووية -على الرغم من كل الآثار الدولية التي ينطوي عليها الأمر- وقد يفضلون استخدام الباكستانيين للوصول إلى أو الاقتراب من حالة "حالة العتبة".
"في ضوء حالة المباحثات بين القوى العظمى وإيران حول العودة إلى الاتفاق النووي السيئ، والذي سيضع إيران بلا شك في مرتبة الدولة الأولى ويسمح لها فيما بعد بالحصول على القنبلة، فإن سباق تسلح نووي واسع هو من المتوقع أن ينشأ في الشرق الأوسط، وفي مثل هذا الوضع ستكون السعودية من أوائل الدول التي تشعر بالتهديد من إيران، وفي هذه الحالة لن تريد أن تتخلف عن الركب ".
وبحسب ناجل، فإن مجموعة الخيارات المتاحة للسعوديين في مواجهة باكستان تبدو واسعة جدًا. فقد يفضلون تلقي المعرفة التكنولوجية منهم، وقد يرغبون في الحصول على معدات تخصيب اليورانيوم منهم، على غرار أجهزة الطرد المركزي التي كان والد البرنامج النووي الباكستاني نقل عبد القادر خان إلى إيران في ذلك الوقت، لكن من الممكن أيضًا أن يطلبوا من باكستان قنبلة نووية كاملة.
ويحذر ناجل في النهاية، كل هذا يتوقف على إرادة السعوديين -وربما سيكون من الصعب على الباكستانيين رفضهم- "وينبغي أن نتذكر أيضا أن باكستان هي واحدة من الدول القليلة في العالم التي لم توقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومن الممكن أن تكون حقيقة أنها لا تخفي القدرات النووية والتي لم تتعهد بعدم نشرها ستسهل عليها الانصياع للسعوديين حتى لو لم يتم ذلك علناً".
ويوضح ناجل أنه "في السعودية هناك الكثير من الإحباط تجاه الولايات المتحدة، التي تضغط على الرياض لعدم المضي قدمًا في برنامج نووي عسكري مستقل، بينما تروج إيران، التي تخرق بشكل متكرر التزاماتها الدولية بشأن هذا الموضوع، لبرنامجها بموجب رعاية الاتفاقيات النووية وتبني دورة وقود مستقلة تعتمد على تخصيب اليورانيوم ".
الدومينو الإقليمية
وقال العميد أمير أفيفي -الذي شغل منصب رئيس مكتب رئيس الأركان وهو حالياً رئيس حركة "الأمن"- لـ"إسرائيل اليوم" إن "المعلومات المتعلقة بالاتفاق بين السعودية وباكستان بشأن توريد قنابل نووية، لا تستند إلى تقديرات فقط، ولن أخوض في التفاصيل أبعد من ذلك".
من المهم أن نفهم شيئًا واحدًا: بمجرد أن تصبح إيران دولة نووية، سيبدأ سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط بأكمله، ومن المحتمل أن تكون المملكة العربية السعودية هي الأولى، بسبب العلاقة مع باكستان، ولكن سيتم إنشاء دومينو إقليمي من شأنه أن يؤدي إلى التسلح النووي، أو على الأقل جهود الطاقة النووية من قبل مصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة وربما دول أخرى أيضًا.
هذه دول تقيم علاقات سلمية مع "إسرائيل"، لكن علاقاتنا معها لم تكن دائمًا طبيعية، وفي كل منها كانت الأنظمة مستقرة على مر السنين، ونحن نعيش في المنطقة الأكثر تفجراً في العالم، وإذا أصبحت نووية سيكون لها عواقب بعيدة المدى".
يعتقد اللواء يعقوب عميدرور -الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمة- أنه حتى لو تلقت المملكة العربية السعودية مساعدات من باكستان، فإنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة لعقود الآن بين أجهزة المخابرات في الغرب، ولكن من المهم ملاحظة ذلك لا أعرف أي دليل على أن باكستان ستزود المملكة العربية السعودية بالأسلحة النووية.
علاوة على ذلك، وبغض النظر عن التساؤلات حول ما إذا كان هناك اتفاق من هذا القبيل وما إذا كانت المملكة العربية السعودية مهتمة بتنفيذه، فمن المهم أن نفهم أن القنبلة نفسها ليست القصة الكاملة".
وبحسب عميدرور، "إذا كان هناك اتفاق بين الرياض وإسلام آباد، فهو لا يشير إلى الصواريخ التي يمكن أن تحمل أسلحة نووية، وإنما يشير فقط إلى القنابل نفسها".
وعلى الرغم من أن السعودية قد اشترت صواريخ من الصين يمكنها أن تناسب ذلك، فإن التحدي المتمثل في أن تركيب رأس نووي على صاروخ ليس بالأمر السهل، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان السعوديون سيكونون قادرين على تركيب رأس حربي باكستاني على صاروخ صيني.
يتطلب التعامل مع سلاح نووي أقصى درجات الحذر ولن يكون من السهل إنشاء اتصال بين صاروخ ورأس حربي غير متطابقين مع بعضهما البعض، فهذه مخاطرة كبيرة، كما أن السعوديين غير متأكدين من أنهم سيرغبون في مواجهتها.
على أي حال، هذا ليس مشروعًا يمكن تحقيقه في وقت قصير، حتى لو تحققت الشائعات ووصلت الأسلحة النووية إلى السعودية من باكستان".
"الباقة الكاملة"
على عكس عميدرور، يعتقد العميد يوسي كوبرفاسر -الرئيس السابق لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات والباحث الأول في مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة- أن التفاهمات بين المملكة العربية السعودية وباكستان لا تقتصر على مجال رؤوس نووية، وأن الباكستانيين قد يزودون السعوديين بـ "الحزمة الكاملة"_الرؤوس الحربية مثبتة على صواريخ باليستية وجاهزة للتفعيل الفوري.
ومع ذلك، يؤكد كوبرفاسر -أيضًا- أن هذا هو أحد السيناريوهات المحتملة من بين عدة سيناريوهات، وأن هناك فجوة استخباراتية فيما يتعلق بتفاصيل التفاهمات بين المملكة العربية السعودية وباكستان.
وبحسبه، فإن "افتراض العمل هو أن السعوديين يحملون بشكل أو بآخر التزام باكستان بمساعدتهم في المجال النووي، لكن ليس من الممكن أن نعرف على وجه اليقين كيف سيظهر هذا الالتزام. لقد ساعدت المملكة العربية السعودية بشكل كبير مبالغ لتمويل المشروع النووي الباكستاني ومن الواضح أنها لم تفعل ذلك دون اعتبار، لكننا لم نتعرض لتفاصيل الاتفاق النووي بين الدول.
"من المهم أن نتذكر أن الباكستانيين يعتمدون بشكل كبير على السعوديين اقتصاديًا من ناحية، لكن من ناحية أخرى قد يعرضهم توزيع الأسلحة النووية لعقوبات دولية.
ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن تقترب إيران من عندما تصل إلى القنبلة، ستزداد مطالب السعوديين وفي نفس الوقت سيكون من الأسهل على الباكستانيين الامتثال لها.
خلاصة القول، في مواجهة إيران نووية، سيزداد احتمال السيناريو الذي ستطلبه المملكة العربية السعودية وتتلقى من باكستان قنابل ذرية جاهزة، وربما حتى مجموعة كاملة من الصواريخ الباليستية التي توجد عليها رؤوس حربية نووية بالفعل "مجمعة".