اجعلوا غزة مشكلة إقليمية

إسرائيل هيوم

دورون متساء

ترجمة حضارات 



هذا يكرر نفسه بشكل دوري: بعد حماسة الضربة الأولى يأتي الواقع، وتتحول "الأيام الستة" القصيرة والأنيقة إلى حرب استنزاف متعبة، ليس لها هالة ساطعة ولا هدف حقيقي، إن شعارات "سوف نريهم" أو "سنعيد الردع" تبدو جيدة، لكنها جوفاء إلى حد ما.

حتى في الجولة الحالية يتضح مرة أخرى أن "إسرائيل"، هي الطرف الذي لديه الكثير ليخسره في المدى بين الهدوء والإجازات والمال وبالطبع الحياة نفسها، هذا هو الحال دائما، الأغنياء سيخسرون أكثر بكثير من الفقراء ومن يملك أقل.

إذا كان الأمر كذلك، فهذا حدث قتالي آخر يكرر أنماط "الجولات" السابقة، وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد نقاش تقريبًا في السياق الأوسع حول البدائل الاستراتيجية، التي تمتلكها "إسرائيل" تجاه القطاع.

هناك إحراج واضح يقوم على حقيقة أن نظام الجولات هو الأقل سوءاً في الواقع ، والبديل الآخر هو إسقاط حكم حماس واحتلال قطاع غزة بالكامل، الأمر الذي قد يؤدي بـ"إسرائيل" إلى إعادة السيطرة على الفلسطينيين.

ومع ذلك، في الوسط بين الخيارين الاستراتيجيين، تكمن الطريقة الثالثة التي لا تعتمد على فكرة "إدارة" الصراع (جولات)، ولا على فكرة "حل" المشكلة (الاحتلال) ، بل على أساس محاولة لـ "ترتيب" واسع يسعى إلى تغيير المناخ الاجتماعي والاقتصادي في قطاع غزة، من خلال رفع تدريجي ومحكم لـ "الحصار" الإسرائيلي عن القطاع، مما سيؤدي إلى تنمية اقتصادية ورفع مستوى معيشة السكان الفلسطينيين.

يتطلب مثل هذا التغيير من "إسرائيل" إعادة تعريف قطاع غزة ليس فقط كمشكلة إسرائيلية؛ ولكن كمسألة إقليمية من أجل تعبئة موارد رأس المال المالي والسياسي للعالم العربي، من أجل خلق واقع منظم جديد في القطاع.

إذا أثيرت أفكار في السنوات الماضية حول إمكانية "تدويل" القطاع، فمن المناسب في الوقت الحاضر التفكير في مسار "الأقلمة" للقطاع لسببين رئيسيين، كلاهما يتعلق بظهور نظام جديد في الشرق الأوسط، وفي قلبه "اتفاقيات إبراهيم".

السبب الأول هو حقيقة أن الواقع غير المستقر في القطاع، الذي تحركه عناصر أيديولوجية، يضر بمصالح الشراكة في النظام الإقليمي الجديد القائم على فكرة الاستقرار والازدهار الاقتصادي.

والثاني أنه يمكن الاستفادة من فوائد "اتفاقيات إبراهيم" في مسار إعادة إعمار قطاع غزة، وتنميته من خلال جمع الأموال من الخليج.

"إسرائيل" تمسك بيدها ماسة إستراتيجية على شكل "اتفاقيات إبراهيم" وعمليات التطبيع في الشرق الأوسط، لكنها ماسة تخدم بشكل أساسي أغراض "إسرائيل" فيما يتعلق بإيران.

لا يتم التفكير كثيرًا في كيفية تحويل الواقع الجديد في الشرق الأوسط، إلى رافعة للتعامل أيضًا مع عدم الاستقرار المزمن الذي يميز الساحة الفلسطينية في جزئها، بما في ذلك في قطاع غزة، في ظل الظروف الحالية للحرب وعدم القدرة على التوصل إلى حل سياسي.

هذا النموذج، الذي يجمع بين حركة اقتصادية ونفوذ عربي خارجي، ليس غريبًا تمامًا على "إسرائيل"، وقد تم الاعتراف به في السنوات الأخيرة على خلفية تدخل قطر فيما يجري في قطاع غزة، ودفع رواتب الموظفين الفلسطينيين هناك.

الانطباع هو أن هذا هو المكان والوقت لتوسيع النموذج القطري وإتقانه، من خلال تطوير مفهوم جديد من شأنه أن يدخل القطاع في "الشرق الأوسط الجديد"، من خلال تحرك استراتيجي متعدد المناطق من "الترتيب" الاقتصادي، الذي ينطوي على تعبئة ضخمة للموارد في نفس الوقت الذي يتم فيه تحرير حلقة "الحصار"، التي تفرضها "إسرائيل" على القطاع.

رغم أن هذا الواقع لن يغير مظهر التنظيمات في قطاع غزة، كما أنه لن يغير بشكل جذري الواقع السياسي في قطاع غزة، لكن لديها إمكانية واضحة لإحداث تغير مناخي اجتماعي اقتصادي تدريجيًا، بطريقة تقلل من رغبة حماس والمنظمات الفلسطينية لزعزعة الاستقرار، وربما ستجبرهم أيضًا على إعادة تعريف مفهومهم للمقاومة تجاه "إسرائيل" من المقاومة العنيفة والمسلحة، إلى المقاومة على أساس فكرة الوقوف بحزم وتحويل القطاع إلى شبه دولة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023