الانقسام في فتح يهدد الاستقرار الأمني .. تحد ليس لـ"إسرائيل" فقط
معهد بحوث الأمن القومي
علي الأعور
يوحنان تسورف
ترجمة حضارات
يحتمل أن يثبت في المستقبل أن قرار أبو مازن بإلغاء انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة التي كان من المقرر إجراؤها في مايو 2021، كان نقطة تحول في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ولحمــ ـاس في الأراضي الفلسطينية المحــ ــتلة، حيث عمقت أزمة الثقة بين الجمهور والسلطة الفلسطينية، وزادت من تراجع شرعيتها، وجعلتها غير ذات صلة بالواقع، وزادت الأصوات الداعية إلى الإصلاح في صفوف فتح، أكبر المنظمات التي تتكون منها منظمة التحرير الفلسطينية.
وذلك في ظل تنامي قوة حمــ ــاس في الجامعات والنقابات والسلطات المحلية.
أثارت قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتعيينات اللاحقة التي أجراها أبو مازن في المنظمة استياءً شديداً لدى الجمهور عامة وفي فتح بشكل خاص.
من أبرزها تعيين حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية، الذي تم تفسير تعيينه أمينًا عامًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الشارع وفي صفوف فتح وفي اللجنة المركزية وفي مختلف مراكز المنظمة، كتصويت أبو مازن له كرئيس قادم.
علاوة على ذلك، تعكس الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية بوضوح أزمة القيادة في فتح، فلا سيطرة ولا قيادة في مختلف المناطق التي يتواجد فيها التنظيم، ولا طاعة لتوجيهات القيادة المركزية.
النشطاء الذين يسعون لإظهار القوة والوجود يتركز حولهم مسلحين، ويتعاونون مع المنظمات المنافسة ويتخذون القرارات بشكل مستقل.
التعاون بين مقاتلي فتح في منطقة جنين ونابلس مع حركة الجـ ــهاد الإسلامي وحركة حمــ ــاس في الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، الذي يدخل هذه المناطق بشكل متكرر حتى عملية "بزوغ الفجر" (5-7 آب)، يوضح ذلك.
يشير إطلاق النار على الدكتور ناصر الدين الشاعر، المحاضر في جامعة النجاح في نابلس، الموالي لحمــ ـاس، من قبل مسلحين يعتقد الكثير في الشارع الفلسطيني أنهم مرتبطون بفتح، إلى انتشار الأسلحة في الضفة الغربية وإضعاف قدرة السلطة الفلسطينية على بث الخوف في نفوس شعبها والحفاظ على الاستقرار الأمني.
الشاعر هو شخصية بارزة شغل منصب وزير ونائب رئيس الوزراء في حكومة إسماعيل هنية الأولى، التي تشكلت بعد انتخابات 2006.
لو كان قد قُتل، لكان الاحتكاك الداخلي بين حركتي حمـ ــاس وفتح قد ظهر بينهما، وسرعان ما انجرفت نحو "إسرائيل"، ورغم ذلك، وبعد مرور نحو شهر على إطلاق النار، لم تُنشر بعد نتائج التحقيق الذي طالب أبو مازن بإجرائه من أجل تقديم الجناة إلى العدالة.
كما أن تنافس أعضاء فتح على قوائم منفصلة في انتخابات الهيئات المحلية يدل على التنافس وانعدام الوحدة، الأمر الذي أعطى الفرصة للمتنافسين المستقلين أو المحسوبين على حمــ ــاس للفوز بها، وفقدوا قوتهم في عدد من المجالس البلدية في جميع أنحاء الضفة الغربية.
إن فوز القائمة الطلابية لحمــ ـاس في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بير زيت وفوز قائمة الأطباء الموالين لحمـ ـــاس في الانتخابات لنقابتهم يعكس تنامي التأييد الشعبي لحركة حمـ ـاس والتخلي عن فتح. كما تعكس الإضرابات الغاضبة للمحامين والقطاعات الأخرى استياءً شديداً.
والسبب هو تصرفات السلطة الفلسطينية التي تتخذ قراراتها باستقلالية ودون تشاور، وتفشي المحسوبية والفساد بين كبار مسؤوليها.
ومن الأمثلة المدوية على ذلك التعيينات المتبادلة لأبناء وبنات الوزراء في مناصب عليا في مؤسسات السلطة الفلسطينية. وقد تسبب انتشار الأمر على الشبكات العامة في قدر كبير من الإحباط والغضب لدى الجمهور، والمطالبة بالشفافية والمساواة.
كما تتزايد الأصوات التي تحذر من الفساد داخل فتح، ومؤخرا اتهم توفيق الطيراوي، الرئيس السابق للمخابرات العامة وعضو اللجنة المركزية للتنظيم، مستشار أبو مازن ورئيس مجلس القضاة عيسى أبو شرار بالفساد وأن أبو مازن يخضع لنصائح مستشاريه، الأمر الذي يفسر، حسب قوله، اتخاذ قرارات تشجع على الفساد.
يتركز الغضب في الخطاب العام على عدم المساواة في التعيينات الحكومية، وإدارة المشاريع ذات رأس المال الكبير، واقتصارها على مقربي فتح، وبالتالي يُحرم الشعب الفلسطيني من التمتع بثمار الاستثمار في هذه المشاريع.
على خلفية فقدان السيطرة يطرح السؤال: ماذا سيحدث لفتح بعد خروج أبو مازن من الساحة السياسية، وهل فقدت فتح قاعدتها الحركية ومكانتها كزعيم للحركة الوطنية؟ في حال عدم وجود بديل، ما الذي يجب على فتح فعله لتظل العمود الفقري لأي قيادة وطنية، وهل ستبقى الساحة تحت سيطرة حمــ ــاس التي تحظى بدعم شعبي؟
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الفروق الملحوظة بين قطاع غزة والضفة الغربية، السياسة التي تقودها "إسرائيل" مؤخراً تثبت نجاحها. أدى السماح لـ15 ألف عامل من قطاع غزة بالعمل في "إسرائيل" إلى تعزيز الاقتصاد في المنطقة.
هذه الخطوة، التي تضخ الأموال في قطاع غزة، تخلق فرص عمل وتبعث الأمل في نفوس الشباب، وتخلق استقرارًا أمنيًا وربما تضيف إلى الاعتبارات التي منعت حمــ ـاس من الانضمام إلى القتال بين "إسرائيل" والجـــ ــهاد الإسلامي خلال عملية " بزوغ الفجر".
في الضفة الغربية، من ناحية أخرى، على الرغم من محاولات وزير الدفاع بيني غانتس ومنسق العمليات في الضفة الغربية لمساعدة السلطة الفلسطينية من خلال التسهيلات والمبادرات الاقتصادية، لا توجد بوادر تحسن في الوضع.
والسبب هو رغبة السلطة الفلسطينية في التنمية الاقتصادية المرتبطة بعملية سياسية موازية، فضلاً عن الانقسامات العديدة في فتح، وعدم وجود قيادة مركزية قادرة على القضاء على الفساد، فضلاً عن تجاهل السكان الذين يضمون آلاف الشباب من خريجي الجامعات والعاطلين عن العمل.
مطلوب من فتح بشكل عاجل أن تجدد نفسها وتغير وجهها وتستعيد شرعيتها، أحد الخيارات هو إجراء انتخابات داخلية نزيهة دون إشراك الجيل القديم ودون استثناء أي جماعة أو قوة في صفوف التنظيم، ويجب أن تجرى الانتخابات في السر، وبدون تدخل القوى الأمنية، وبناء على نتائجها، سيتم إنشاء لجنة مركزية جديدة وسكرتارية عامة للدوائر والمخيمات والمحليات المختلفة، وينتخب نائب الرئيس أبو مازن.
كما قد تسمح هذه الانتخابات بانعقاد مؤتمر فتح الثامن الذي تم تأجيله عدة مرات في العام الماضي؛ بسبب عدم الاتفاق على جدول الأعمال وهوية المشاركين، إلا أنه من المشكوك فيه أن يكون لدى فتح القدرة على هذا النوع من التحرك عندما يكون، حسب الكثيرين، السبب الرئيسي لتفككها هو أبو مازن وطالما هو على رأسها، فإن التغيير لن يأتي.
في اليوم التالي لأبو مازن وبدون تحركات هادئة، قد تندلع احتجاجات حاشدة ضد السلطة الفلسطينية، والتي، كما في كثير من الحالات في الماضي، ستتحول إلى احتكاكات ومواجهات واسعة النطاق مع الجيش الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفة الغربية؛ مما قد يجبر "إسرائيل" على التدخل وربما حتى استعادة السيطرة على المنطقة بأكملها.
ستستغل حمــ ــاس هذا التطور من أجل تحقيق دعمها في الضفة الغربية، وتشجيع الاحتجاج، وإظهار قوتها، وربما حتى إجبار المجتمع الدولي على التحدث معها.
إن "إسرائيل" صاحبة التأثير الأكبر على ما يحدث في الساحة الفلسطينية، تدرك التداعيات بعيدة المدى لهذا السيناريو على أمنها. يجب أن تستعد في أسرع وقت ممكن لتقليل هذه النتائج السلبية قدر الإمكان، لكنها ستواجه صعوبة في التعامل مع المطلب الفلسطيني الشعبي الواسع بإجراء انتخابات عامة أو إنشاء آلية فلسطينية مشتركة بين المنظمات بقيادة حمــ ـاس و فتح لاختيار البديل.
أبو مازن الذي فاز في الانتخابات عام 2005، كان حينها مرشحاً مفضلاً لدى "إسرائيل" وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كما قبلته الأغلبية الفلسطينية كرئيس شرعي، ومن يأتي بعده يجب أن يجتاز نفس الاختبار ولن يكتسب الشرعية بدون انتخابات أو موافقة مختلف الفصائل على تعيينه، لذلك فإن فتح ملزمة بالمثول أمام الجمهور قبل اليوم التالي بعد إعادة تأهيلها لدرجة تسمح لها بالتمتع بمزيد من الشرعية مما هو عليه اليوم.
لا يتمتع حسين الشيخ، الذي وضعه أبو مازن في موقع بداية أفضل من غيره لخلافته، ولا يتمتع بدعم كامل من فتح، سواء بسبب مهاراته غير الواضحة مقارنة بمنافسيه أو بسبب الصورة الفاسدة التي التصقت به، ومن المشكوك فيه أن يفوز في الانتخابات أو يتم الاعتراف به من قبل جميع الفصائل باعتباره الشخص الذي سيقود القضية الفلسطينية.
لذلك يجب على "إسرائيل" أن تتحدث بشكل عاجل مع أبو مازن ومقربيه، وأن توضح مدى جدية ذلك عليها وعلى دول المنطقة، وهو واقع ستتخذ فيه حمـــ ـاس، التي لا تعترف بالاتفاقيات الموقعة بينها وبين السلطة الفلسطينية الأسبقية في الضفة الغربية.
وعلى "إسرائيل" أن تحاول تجنيد كل الأطراف ذات الصلة على الساحتين الإقليمية والدولية، من أجل إيجاد طريقة للحفاظ على الاستقرار في الساحة ومكانة التيار الوطني الفلسطيني، وكذلك ضمان انتقال القيادة بسهولة، مع صدمات قليلة ممكنة في اليوم التالي لأبي مازن.