غياب حمـــاس عن المواجهة هدف لتكسب قوة في غزة والضفة الغربية

غياب حمـــاس عن المواجهة هدف لتكسب قوة في غزة والضفة الغربية 

هآرتس

عاموس هرائيل

ترجمــة حضــارات



الرضا عن الإنجازات والتفاؤل بالاستمرار والتسامح مع سلوك حمــ ـاس في قطاع غزة والقلق المتزايد بشأن ما يحدث في الضفة الغربية. الجيش الإسرائيلي راض تماما عن نفسه: بشكل عام، هي ردود الأركان العامة للجيش الإسرائيلي على عملية "بزوغ الفجر"، التي انتهت في بداية الأسبوع في قطاع غزة بعد أقل من ثلاثة أيام.


في الجيش، يشيرون بشكل أساسي إلى المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي قدمها الشاباك وشعبة الاستخبارات حول نوايا الجــ ـهاد الإسلامي لتنفيذ هجمات وموقع كبار مسؤوليها، والاستعداد السريع لشن ضربة مفاجئة (والتي تم إطلاقها أخيرًا لمدة ثلاثة أيام بعد بدء التصعيد) ونجاح المنظومات الدفاعية في منع الجــ ـــهاد من جني وتحصيل من "إسرائيل" ثمن الهجمات المضادة، بالقصف الصاروخي إلى إطلاق طائرات مسيرة.


خلافا للادعاءات السابقة التي خرجت من الجيش في بداية العملية، فإنهم يقولون الآن أنه حتى الأسبوع الماضي، كانت التوترات في القطاع مشتعلة على نار صغيرة. 

كان معروفاً أن حركة الجهــ ـاد في غزة كانت تقوم بالتحضير لهجمات، لكن التحذيرات لم تقفز على الفور إلا بعد اعتقال الشيخ بسام السعدي، مسؤول التنظيم البارز في جنين في 1 آب.


حدث هذا خلافًا للتقديرات الاستخبارية المبكرة، وبالتالي لم يكن هناك تنسيق مبكر وثيق بما فيه الكفاية بين القيادة المركزية، التي نفذت الاعتقال، والقيادة الجنوبية التي تحملت وطأة النتائج. 

ويفترض في "إسرائيل" أن الأمين العام للمنظمة، زياد النخالة، الذي كان في طهران في ذلك الوقت، قرر الاستعداد للانتقام.


وربما كان هناك جانب عاطفي هنا، عندما أخذ النخالة على محمل الجد مقاطع الفيديو التي يظهر فيها السعدي يُجر على الأرض بواسطة حرس الحدود أثناء اعتقاله، عندما تظهر الصورة أيضًا كلبًا مهاجمًا (ليس الكلب الأخير الذي سيتم ذكره هنا اليوم).


وزُعم أنه كان رد فعل، مثل رد فعل الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، عندما أمر باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني منذ أكثر من عامين، بعد أن أهانه الإيرانيون عندما أطلقت المليشيات صواريخ على قاعدة أمريكية في العراق رغم تهديداته.


الأسبوع الماضي، بعد يوم ونصف من محاولات التهدئة الفاشلة من خلال الوسطاء المصريين، اتضح للجيش أنه لن يكون من الممكن تفكيك هذا اللغم دون تفجيره. 

في حين أن الآلاف من سكان قطاع غزة عالقون في منازلهم، وبتوجيه من الجيش الإسرائيلي، أوصى الجيش على المستوى السياسي بضربة استباقية يتم استهداف فيها كبار أعضاء الجــ ــهاد وعدة وحدات مسلحة من التنظيم.


ووقع الهجوم بعد ظهر يوم الجمعة، هجمات إضافية ناجحة، وسلسلة من الإخفاقات للجــ ـهاد، والتي لم تتسبب بأضرار كبيرة رغم إطلاق 1200 صاروخ وقذيفة هاون من القطاع، أقنعت التنظيم بالموافقة على وقف إطلاق النار في وقت متأخر من مساء الأحد، 7 من الشهر.


وترى هيئة الأركان العامة أن الأضرار التي لحقت بالجــ ــهاد تزيد من الأضرار التي لحقت بحركة حــــ ــماس التي ما زالت في نظره مترددة للغاية في مواجهة منذ انتهاء عملية "حارس الأسوار" السابقة في أيار من العام الماضي.

 الأمل هو أن فشل الجـ ــهاد والثمن الذي تكبدته وقتل اثنين من كبار قادته في غزة -اللذين كانا تابعين للنخالة ونائبه أكرم عجوري، اللذين لا يعيشان في القطاع- سيساعد على ضمان الهدوء لفترة.


وذلك أيضًا على خلفية تقرير الأمس عن تدهور الحالة الصحية للأسير خليل عواودة المعتقل إداريًا في "إسرائيل" والمضرب عن الطعام، وطالبت منظمته بالإفراج عنه خلال العملية واكتسبت أخيرًا وعدًا مصريًا بضمان سلامته.


سيجد الجـــ ـهاد صعوبة في البدء بحركة هجومية أخرى بدون حمـــــاس، بعد أن اتضحت قدرتها المحدودة نسبيًا. 

وبحسب هذا التوجه، تفضل حمــ ــاس تعزيز المزيد من الإجراءات الاقتصادية لتهدئة الأوضاع في قطاع غزة، ولا تبحث حاليًا عن مواجهة عنيفة. 

وقال مصدر أمني لصحيفة "هآرتس": "نعلم أننا قلنا أن حمـ ـــاس هي صاحبة السيادة وهي المسؤولة".


"لكن السؤال هو ماذا تريد أن تفعل الآن: أن تكون ذكيا أم أن تكون على صواب؟" 

وهذا هو سبب تبني القيادة السياسية لتوصية الجيش الإسرائيلي بإزالة جميع المحظورات المفروضة في قطاع غزة على الفور مع اشتداد حدة المشهد (عبور البضائع، العمال الذين يغادرون قطاع غزة للعمل في "إسرائيل").


من ناحية أخرى، في هذا السياق، فإن النقد الذي وجهه د. مايكل ميلشتاين، العضو البارز سابقًا في شعبة الاستخبارات وآلية تنسيق العمليات في الضفة الغربية، مثير للاهتمام.

 في مقال نُشر هذا الأسبوع على موقع جامعة رايخمان، كتب ميلشتاين أن العملية الأخيرة كشفت "فجوة استراتيجية حادة تتعلق بالسياسة التي تواصل "إسرائيل" الترويج لها في قطاع غزة".

وبحسبه، فإن التسهيلات الاقتصادية ودخول العمال من قطاع غزة استندت إلى ثلاثة افتراضات أساسية صاغتها "إسرائيل": حمــ ــاس هي السيادة الوحيدة في قطاع غزة، وتحسين الوضع المدني سيقلل من خطر التصعيد؛ بسبب خشية حــ ــماس من خسارة ما اكتسبته بالفعل، وأي خرق أمني خطير سيقابل برد قوي من الجيش الإسرائيلي، والذي سيكون موجهاً أولاً وقبل كل شيء إلى حمــ ـــاس.


من الناحية العملية، كان سلوك "إسرائيل" في العملية، في رأيه، مخالفًا للاستراتيجية التي حددتها هي نفسها. 

لقد تركت حمـــ ــاس في موقع المراقب، رغم أن المنظمة لم تف بالتزامها بموجب وقف إطلاق النار في نهاية "حارس الاسوار"، لمنع التصعيد من القطاع ولم تمنع الجــ ـــهاد من العمل و كانت "إسرائيل" هي التي اضطرت للتدخل لوقفه.


على عكس كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي، يعتقد ميلشتاين أن سياسة حمــ ـاس لم تكن نتيجة إكراه، بل هي خيار. 

وفي رأيه، قدرت حمــ ــاس أن "إسرائيل" لن تضر بها، وأنها ستعيد التسهيلات فورا بعد انتهاء الحرب -وهكذا حدث- ويحذر من أنه في الجانب الفلسطيني "يتم إنشاء سرد لقصة مفتوحة، أي حملة غير مكتملة". 

حمــ ــاس لا ترى نفسها مسؤولة عن كل ما يحدث في قطاع غزة، في حين أن الجـــ ـــهاد والفصائل الأصغر لا تشعر أن حـــ ـماس تضع أمامها ضوءًا أحمر يحظر أي عمل ضد "إسرائيل".


سؤال آخر يتعلق بما يحدث في الضفة الغربية، حتى في الأسبوع الماضي، كان تضاؤل سيطرة السلطة الفلسطينية على المنطقة واضحا. المنظمات المسلحة تعمل في مخيمات اللاجئين وفي مراكز المدن، ولا تزعجها الأجهزة الأمنية للرئيس محمود عباس، وتواجه الجيش الإسرائيلي عند قيامه بعمليات اعتقال. 

إذا نظر الجمهور الفلسطيني إلى حمـــ ــاس على أنها المستفيد الأكبر من الجولة الأخيرة في غزة، فإن موقفها سيتعزز على حساب السلطة الفلسطينية وليس فقط على حساب الجــ ــهاد.


تعترف هيئة الأركان بأن الوضع في الضفة الغربية غير مشجع، لكن هناك من يدعي أن منحدر التيار الضعيف للسلطة الفلسطينية معتدل وليس حاد. 

ويرى الجيش، كغيره من الأجهزة الأمنية، أن السبيل للتعويض عن ذلك هو من خلال المبادرات الاقتصادية والمدنية للسلطة الفلسطينية، على أمل تعزيز موقعها في الضفة الغربية بشكل طفيف.

 إن استئناف العملية السياسية، التي هي في حالة جمود عميق، ليس لسوء الحظ شيء يمكن الحديث عنه الآن، حتى عندما تتولى الحكومة المركزية توجيه الأمور.



آخر البالغين المسؤولين؟


لا تزال الكلمات تُقال بحذر نسبي، لكن هيئة الأركان تأمل في أن النجاحات التي تحققت في غزة ضد الجــ ـهاد سيكون لها صدى أيضًا لدى خصم "إسرائيل" الرئيسي في المنطقة، حـ ــزب الله في لبنان. 

ووفقًا لهذا التحليل، فإن حــ ـزب الله (وحركة حمــ ـاس أيضًا) ) سجل أمامهم اكتشاف المبادرة الهجومية الإسرائيلية، حتى اتخاذ خطوات غير متوقعة، مثل الضربة المفاجئة الضخمة في بداية الحملة.

يدرك أعداء "إسرائيل" كيف استخدمت مزاياها في دورة القتال القصيرة: استخبارات عملياتية دقيقة، وقدرة هجوم جراحية، وتحسين دفاع صاروخي. 

كل هذا من المفترض أن يساعد في تحصين ذلك المورد المراوغ والقابل للتلف والردع الإسرائيلي - وربما منعهم من تسخين قطاعات أخرى.


هذا الأمل موجه بشكل أساسي نحو لبنان وتهديدات حــ ــزب الله بفرض تنازلات لـ"إسرائيل" فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية. 

قام الوسيط الأمريكي في هذا الشأن، عاموس هوشستين، بزيارة بيروت واتل ابيب الأسبوع الماضي، وتزعم المؤسسة الأمنية أن "98٪ من الخلاف" تم حله على أي حال حتى قبل زيارته.


في غضون ذلك، اتضح أن التأخير في استعدادات الشركة الأمريكية سيؤدي على الأرجح إلى بدء عمليات التنقيب عن الغاز الإسرائيلية في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بدلاً من أيلول (سبتمبر).


تهديدات الأمين العام لحــ ــزب الله، حسن نصـ ـــرالله، بمهاجمة الحفارة الإسرائيلية "شارك"، يُرجح أن ينظر إليها الجيش على أنها محاولة أخيرة من قبل التنظيم الشيعي لتخصيص النجاح، تمهيدًا لتشكيل اتفاق نهائي محتمل على مسار اتفاق نهائي على الحدود البحرية.

 لا يزال الجيش الإسرائيلي ينظر إلى نصــ ـرالله على أنه رجل أصيب بحروق بالغة في حرب لبنان الثانية ويعرف كيف يتوخى الحذر منذ ذلك الحين، وربما يكون آخر الأشخاص المسؤولين في المنطقة.

لكن ليس هذا هو الانطباع الذي ينبثق عن خطابات الأمين العام الأخيرة، الذي ظهر أمام عناصره (وإن كان في دائرة تلفزيونية مغلقة)، في التجمعات التي كانت تنعقد كل ليلة خلال احتفالات الشيعة بعيد "عاشوراء" انتهى هذا الأسبوع.

وصعد نصـ ــر الله اللهجة في خطاباته المسائية ووجه تهديدات بإيذاء بضرب منصة القرش حتى لو كان ذلك سيجعل الأطراف على شفا الحرب. هذا الأسبوع، في خطوة غير عادية لم نشهدها منذ تلك الحرب في عام 2006، نشر قادة ومقاتلو حــ ـزب الله خطاب دعم لقائدهم، تعهدوا فيه لنصـ ـر الله بأنهم مطيعون لأوامره وجاهزون لأية مهمة.


يقول الدكتور شمعون شابيرا، من مركز القدس للشؤون العامة والدولة، أن الرسالة التي وجهها نصــ ـر الله وعناصره والمساعد المقرب للأمين العام جريدة "الأخبار" اللبنانية إبراهيم الأمين، واحدة وواضحة. ووفقا لإعلاناتهم، فإن زيارة هوشستين هي الفرصة الأخيرة لحل النزاع سلميا.


حسب رأيهم، "إسرائيل" على وشك الاستسلام، لكنها تحاول التملص من النهاية وتأجل. 

وإذا رفضت التوقيع على اتفاقية مواتية للبنان، فان قوات حـــ ـزب الله مستعدة لأي سيناريو. 

"شابيرا يقول إن نصـــ ــرالله" مشبع بروح قتالية بعد عاشوراء، لم أر شيئًا كهذا منذ وقت طويل "، لقد أولى اهتمامًا خاصًا لما كتبه الأمين مؤخرًا.


وبحسب الصحافي اللبناني، "ليس هناك ما يقال، فإما أن "إسرائيل" والولايات المتحدة ستغتنمان الفرصة بكلتا يديهما وتقدمان إجابة لا لبس فيها لمطالب لبنان، أو أن "إسرائيل" ترتب لنفسها حرباً". 

يقول شابيرا إن حـــ ــزب الله "لا يتصرف كمنظمة رادعة، بل يكثف استفزازاته، ويقف جانبًا".


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023