المشتركة على الورق حاليًا ومفكّكة فعليًا!

فالح حبيب

محلل سياسي

مكان

الصحفي والمحلل السياسي فالح حبيب


في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع العربي حالة من الإحباط السياسي قد تدفع به للعزوف عن المشاركة السياسية الفعلية والخروج إلى صناديق الاقتراع ونسبة التصويت في الشارع كما يتضح من الاستطلاعات لا تتعدى الـ 40%، بالمناسبة هذه النسبة المُعلنة لئلا تُعمّق الأحزاب العربية حالة الإحباط والفتور العامة.

نسبة التصويت كما يتضح من خلال استطلاعات الأحزاب الداخلية تراوح بين 32% إلى 34% ما يُثقل كاهل الأحزاب العربية ويزيد من منسوب ضغطها وتوترها.  

وفي الوقت الذي بدأت الموحدة فيه تجوب البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، في داخل التجمع بدأت نقاشات عميقة واندلعت "أزمة التيارات" التي لها مطالب مختلفة:

"التيار التقليدي" الذي يظهر قبيل كل انتخابات ويطالب بمقاطعتها والكنيست نظرا لعدم الجدوى من المشاركة الفعلية بناءً على التجارب السابقة بمنطقهم.


"تيار التحدي" هذا التيار يُطالب بإعادة ترتيب الأوراق الداخلية، ترتيب البيت، وتعزيز الخطاب السياسي وخوض الانتخابات بشكل مستقل كنوع من التحدي والاثبات لأنفسهم وللمجتمع العربي وباقي الشركاء في المشتركة، وعلى وجه الخصوص الجبهة التي يتهمونها بالفوقوية، أنهم قادرون على اجتياز نسبة الحسم من خلال تشكيل أوسع تحالف وطني، وبمنطقهم عدد نوابهم في الكنيست ليس مقياس نجاح أي حزب، بل بالنسبة لهم تعزيز خطابهم السياسي وطرح برنامجهم أولى وأهم.

"التيار المعتدل" وذلك التيار الذي يرى بخوض الانتخابات بشكل مستقل ومنفرد انتحارا سياسيا والزج بالتجمع في دائرة حرج جماهيري وتحميلها مسؤولية تفكيك المشتركة، لهذا يعملون على تهدئة الخواطر وترجيح العقلانية على حساب التهور السياسي والمقامرة من وجهة نظرهم.

وبين كل هذه التيارات عالقة قيادة التجمع تحاول السير بين النقاط والتوفيق بين التيارات المختلفة وبين مطالبهم، وبين هذه التيارات عالقة تراوح مكانها الاتصالات والمفاوضات، فالتعثر داخل التجمع يُلقي بظلاله على التحركات داخل المشتركة ويُعطّل تحركاتها والوقت ليس في صالحهم تسويقيًا، الأمر الذي بدأ يُولّد استياء عارم داخل العربية للتغيير والجبهة ويزيد من منسوب التشكيك المتبادل.


فداخل التجمع هناك مَن يؤكد أن الجلسة الأولى التي كان من المتوقع أن تُعقد في مدينة الناصرة ويكون فيها مندوبا عنهم، نائب الأمين العام يوسف طاطور، ومن التغيير النائب أسامة السعدي، ومن قبل الجبهة القيادي ورئيس طاقم المفاوضات رامز جرايسي، كانت من المفروض أن تكون جلسة للحديث حول البرنامج السياسي الذي هو محط اشكال كبير وليس الخوض في مفاوضات على تقسيم المقاعد وحسم شكل المشتركة النهائية.

لهذا هم يعتقدون (التجمع) أن هناك مَن حاول خطف الجلسة وتحويلها لجلسة اجراء مفاوضات وأن هناك مَن يفرض عليهم ما لا يريدونه. وفي الجبهة والتغيير بدأت تتبلور لديهم قناعة أن التجمع يريد الذهاب منفردا، لكنه يتوخى الحذر حاليا ويحاول العثور على مخرج آمن يضمن لهم عدم تحمل مسؤولية تفكيك المشتركة أمام الرأي العام وهكذا دواليك.

"بدون الاتفاق على برنامج سياسي يمنع التوصية لن نتقدم"..

ولكي نفهم عمق الأزمة،  مصدر كبير في التجمع أكد لي أنه بدون الاتفاق أولا على برنامج سياسي مُتفق عليه يكون أبرز بنوده عدم التوصية على أي حزب صهيوني وعدم دخول "ميمعات" موازين القوى داخل الكنيست لن يتقدموا أي خطوة، بل الأكثر من ذلك هو أكد أن التجمع لم ينتدب بعد طاقم مفاوضات رسمي، لهذا في التجمع يؤكدون على ضرورة الاتفاق حول البرنامج السياسي أولا الذي هناك بالمقابل مَن بات ينظر إليه كذريعة لشق صفوف المشتركة، خاصة وأن مثلا الأمين العام عادل عامر أكد أن الجبهة غير عبثية في موضوع التوصيات ومنفتحة للحديث والتعاون مع أي شخص يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني ويعترف بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته على حد تعبيره.  


في الوقت الذي خرج فيه رئيس العربية للتغيير النائب أحمد طيبي مصرحا مهددا بشكل مبطن أن أي تغيير في مكانة التغيير داخل المشتركة سيدفع بهم لاتخاذ قرارات. ما يؤكد بالتالي أن كل هذه التصريحات الاستباقية تعكس حجم الفجوات بين الأطراف، فالمشتركة لم تمتنع، وخصوصا الجبهة والتجمع، عن اجراء مفاوضات في الاعلام، وهي تصريحات تشكل قوة دفع لإجهاض محاولات إعادة قيام المشتركة من جديد.


ولكن ما الذي يُقلقهم ويحول دون تفكيك المشتركة؟.


نسبة التصويت المنخفضة في المجتمع العربي تفرض عليهم التحلي بالواقعية والمسؤولية


جميع الأحزاب تُدرك أن هذه النقاشات التي سرعان ما ستأخذ شكل المناكفات، خروجها للإعلام والجمهور سيُعمّق حجم الإحباط في الشارع واللامبالاة وعدم الاكتراث السياسي الحزبي، ونسبة التصويت المُنخفضة لا بد أنها تفرض عليهم التحلي بالمسؤولية والواقعية السياسية، ولو كانت نسبة التصويت غير ذلك، نظرا لما أسمعه والانطباع الذي يتبلور لدي، كانوا قد فكّكوا
الشراكة منذ أمس قبل اليوم والغد.

هم يدركون أن وجود أكثر من قائمتين في الشارع العربي يعني سقوط واحدة أو اثنتين منها في ظل نسبة التصويت المنخفضة جدًا ما يُشكّل رادعًا قويًا لجميع الأطراف.

ليخرج رئيس الموحدة النائب منصور عباس من جهته بتصريح، لم يرغبوه في المشتركة، داعيا الأطراف إلى التحلي بالمسؤولية والإسراع بالخروج إلى الشارع في برنامج سياسي.  


تصريح قد يراه البعض مسؤولا وقسم قد يرون به نكاية سياسية تهدف لتسجيل نقاط سياسية ضد المشتركة ضمن الحملة الانتخابية، التي بالمناسبة طالب فيها الكف عن المناكفة وأن تكون شريفة خالية من القدح والذم، دعاية إيجابية على حساب السلبية، البعض اعتبرها دعوة مسؤولة من منطلق القوة، وآخرون يؤكدون أنها من منطلق ضعف وأن مَن كان بيته من زجاج لا يلقي الحجارة على بيوت الناس!

وبين هذا وذاك الأحزاب تعيش حرارة الانتخابات التي لا تنعكس حاليًا على الشارع، الفاتر فاتر جدا رغم انتظاره للإجابات.

المشتركة تدخل مرحلة حاسمة سيكشف لنا الوقت مخرجاتها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023