معهد القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة
ترجمة حضارات
هدفت عملية "مطلع الفجر" إلى التوضيح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية والمحور الإيراني، بأن "إسرائيل" لن توافق على تغيير قواعد اللعبة في غزة، هنا أيضًا، كما حدث في "الحزام الأسود" عام 2019، تنازلت "إسرائيل" لحماس عن مسؤوليتها وقررت التعامل مع المشكلة بنفسها، وهذه الاستراتيجية فقط تزيد من توريطنا.
تهدف عملية "مطلع الفجر" إلى توضيح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، ومن خلالها للقوى الأخرى في المحور الإيراني مثل حماس وحزب الله، أن "إسرائيل" لن تتسامح مع محاولات فرض قواعد جديدة للعبة، من شأنها أن يضر بقدرتها على حماية أمنها ومصالحها الحيوية.
حاول الجهاد الإسلامي تغيير قواعد اللعبة في غزة، بحيث تشمل أيضًا إمكانية تأثير المنظمة على حرية "إسرائيل" في العمل في محاربة "الإرهاب" في الضفة، وهددت بتنفيذ هجوم من غزة إذا لم تمتنع "إسرائيل" عن اعتقال كبار مسؤوليها هناك، بل إنها استعدت عمليًا لتنفيذ الهجوم. باءت جهود "إسرائيل" لإقناع المنظمة بالتخلي عن مطلبها وعزمها على تنفيذ الهجوم، مع تقييد حركة سكانها بالقرب من غزة بالفشل.
لم يكن أمام "إسرائيل" خيار سوى مهاجمة كبار مسؤولي التنظيم الذين يقفون وراء الهجوم المخطط له، والنشطاء الذين كان من المفترض أن ينفذوه.
ورداً على رد الفعل المتوقع للجهاد، من خلال إطلاق صواريخ مكثف على "إسرائيل"، ردت "إسرائيل" بسلسلة من الهجمات على أهداف البنية التحتية للتنظيم.
الآن، يعتمد استمرار العملية على حركة الجهاد الإسلامي، طالما استمرت في إطلاق الصواريخ لتحقيق خسائر في الأرواح، سيتعين على "إسرائيل" منع إلحاق الأذى بمواطنيها والاستمرار في تدفيع التنظيم ثمن باهظ.
يجب أن نتذكر أن القواعد السارية تجاه غزة، والمعروفة باسم "تسوية" والتي تهدف لضمان فترات الهدوء الطويلة قدر الإمكان، ملائمة تمامًا للفلسطينيين، طالما أنهم لا يخلون بالهدوء ولا ينفذون هجمات واسعة النطاق من غزة ضد "إسرائيل".
ووفقًا لهذه القواعد، تمتنع "إسرائيل" عن التصرف بشكل استباقي ضد البنية التحتية للتنظيمات في غزة، ولا حتى ردًا على الهجمات التي يتم تنفيذها من الضفة أو من لبنان.
تعمل "إسرائيل" على تحسين نوعية الحياة في قطاع غزة، ولا تفرض عقوبات اقتصادية طويلة الأمد، وترد على انتهاكات محددة للهدوء من قبل الفلسطينيين بطريقة مركزة، وتمتنع عن الأعمال البرية في قطاع غزة، ولا تستهدف قادة المنظمات، و لا ترد على التحريض المستمر على الكراهية و"الإرهاب" أو بناء قوة المنظمات، وتركز على أن يكون استخدام القوة وفق قوانين الحرب والقانون الإنساني الدولي.
توفر هذه القواعد لحماس ضمانة بأن حكمها في قطاع غزة غير مهدد، وأن بإمكانها والتنظيمات الأخرى في غزة الاستمرار في بناء القوة دون عوائق تقريبًا من جولة إلى أخرى، تحاول "إسرائيل" بهذه الطريقة ضمان ردع حماس، لكن لديها القدرة على السيطرة على التنظيمات الأخرى في القطاع.
في ظل هذه الخلفية بالتحديد، من الواضح أن إسرائيل نفسها في الجولة الحالية تنتهك قاعدة أخرى والتي تعتبر بموجبها حماس السيد في قطاع غزة، وبالتالي فهي مسؤولة عن ممارسة القوة من غزة من قبل جميع الأطراف.
هذه المرة، كما حدث في عملية "الحزام الأسود" (اغتيال بهاء أبو العطا عام 2019)، تنازلت "إسرائيل" عن مسؤوليتها لصالح حماس وقررت التعامل مع المشكلة بمفردها، و هذا، من مفهوم أن حماس، الموجودة في اعتبارات متشابكة ومتضاربة، لن تحل المشكلة بالنسبة لنا.
الميزة هي أن هناك فرصة ألا تنضم حماس إلى القتال، لكن العيب هو أننا نقبل واقعا يعفي حماس من المسؤولية وقد يلزمنا بمواجهة المنظمات الصغيرة المتنوعة في غزة بشكل متكرر.
على أي حال، من الواضح أنه إذا قررت حماس في النهاية الانضمام إلى القتال، فسنجد أنفسنا في واقع أكثر تعقيدًا.
تبدو تهديدات الجهاد الإسلامي وكأنها صدى لتهديدات نصرالله، بخصوص منصة غاز "القرش" وتهديدات إيران في السياق النووي، وهي تعكس شعوراً في المحور الإيراني بأن "إسرائيل" تضعف، بسبب ضعف حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة، وبسبب الأزمة السياسية، ونظراً لما تفسره هذه الأطراف على أنه تآكل لدرجة فقدان روح القتال الإسرائيلي.
جدير بالذكر أن الأمين العام للجهاد، زياد النخالة، تواجد في طهران، بل إنه التقى قائد الحرس الثوري الإيراني. في هذا السياق، فإن رسالة "مطلع الفجر" تتجاوز السياق الغزي.
الأحداث تزيد من حدة الحاجة إلى إعادة التفكير في الاستراتيجية تجاه غزة. هل من الضروري تحديد أهداف أخرى، مثل إزالة التهديد من غزة، وإذا كان من الممكن إحداث تغيير جوهري في الواقع الإشكالي دون استعادة السيطرة على القطاع.
عشية الانتخابات ليس الوقت المناسب لمثل هذا التفكير، ولكن في نهاية المواجهة السياسية ربما يتعين علينا العودة إلى الأمر، وليس فقط فيما يتعلق بالاستراتيجية ضد حماس والجهاد في غزة، ولكن أيضًا ضد إيران وحزب الله اللذين يستغلان الاستراتيجية الحالية لمواصلة بناء القوة والتطور، هذا، على الرغم من مساعي "إسرائيل" لضرب أسلحتهم، بالرغم من أن قدراتهم الاستراتيجية أخطر بكثير من إمكانيات الجهاد الإسلامي.