في ظلال الشعب الذي لا يكسر

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

في ظلال الشعب الذي لا يكسر 
بقلم ناصر ناصر 
قليلة هي الاقلام التي تكتب في اسرائيل حول جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة ، و أقل منها - حجما و تأثيرا –من يضع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية كجزء من منظومة هذا الاحتلال ، و لقد لفت نظري بهذا الصدد مقالة للكاتب اليهودي ديمتري شومسكي في ( هآرتس 26-9-2018 ) بعنوان هذا الشعب لن تنجحوا في كسره ، والذي كتبه من وحي حادثة إنكار الجيش الاسرائيلي المسؤولية عن مقتل الشهيد محمود زغلول الريماوي ( 24 ) عاما أثناء اعتقاله و ضربه أمام بيته في قرية بيت ريما – رام الله قبل أيام ، فتذكر الكاتب حادثة شبيهة وقعت مع أحد أجداده على يد ما أسماه ( سنوات الارهاب الستاليني في الاتحاد السوفييتي ) .
على الرغم من إقرار الكاتب بالفروق بين الحالتين ( الاسرائيلية و السوفياتية ) ، إلا انه يرى ان المشترك بينهما هو ( الاعتماد على أجهزة تعاون و تنسيق بين السلطة و رعاياها أو ما أسماه بمؤسسة الوشاية ) ، و هذا ما يذكرنا نحن الفلسطينيين بتسميات مثل ( الوزة ) أو ( رفع التقارير) أو ( الكل يتجسس على الكل ) . 
لقد أشار الكاتب الى حقيقة تحول مؤسسة الوشاية الى ( أداة حيوية لنظام الرعب الستاليني يراها بعض المواطنين الروس طريقة سهلة للتقدم المهني و لتحقيق أهداف مختلفة كوشاية ضد " المسؤول في العمل أو المعلم " أو ضد زميل متفوق أو منافس أو للسيطرة على أملاك الجار ... أو لتصفية حسابات ..) ، و هذا ما يلمسه أيضا الفلسطيني في الضفة الغربية هذه الايام و إن بمستويات مختلفة . 
من اللافت للانتباه تقسيم الكاتب ديمتري شومسكي عملاء الاحتلال الاسرائيلي الى نوعين : العلنيين و هم ( التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية ، و التي هي رهينة بيد الاحتلال ) ، و بهذا أشار الكاتب الى ما لا يستطيع الكثير من الفلسطينيين من المغلوب على أمرهم الحديث عنه ، أو ما استطاع البعض التحذير منه ، و لكن أضعف إدعائهم شبهة الانحياز و الانتماء الى خصوم السلطة السياسيين ، أما النوع الثاني من العملاء وفق شومسكي ( النوع السري : وهم عملاء الشاباك في أوساط الفلسطينيين و معظمهم يتم استغلال ضائقتهم ) ،و لا يعني هذا تبريرا لهم ، بل زيادة في تجريم من استغلهم و هو الاحتلال .
هاجم الكاتب بشدة التبرير الاسرائيلي الرسمي و المعلن لبناء و رعاية و تشجيع العملاء السريين منهم و العلنيين ، وهو مبرر محاربة الارهاب مع ان جزءا منه مخصصا ( لحماية مشروع الاستيطان غير القانوني ) ، و حاول إبراز المبرر غير المعلن و الذي اعتبره ( صفة جينية لكل سلطة احتلال ، و هو كسر معنويات السكان المضطهدين ) ، مؤكدا ان الشعب الفلسطيني لن ينكسر ، و بأنه وجد طريقة ناجعة و غير عنيفة لمحاربة الاحتلال ، متمنيا ان ينجح ذلك في إنقاذ الشعب اليهودي في اسرائيل من العار القومي الذي لحقه بسبب اضطهاد و استعباد شعب آخر هو الفلسطيني . 
الى أي مدى يؤثر هذا الرأي في اسرائيل المحتلة ؟ قليلا و لكن هاما ، وقد يكون تأثيره أكبر في أوساط الشعب الفلسطيني المستضعف ، فهو يكشف و يوضح بعض الحقائق من زاوية قد لا يراها الفلسطيني ، و بذا فقد يمنح بعض الفلسطينيين الشعور بانهم ليسوا وحدهم في الميدان ، وقد يؤثر في بعض المتعاونين مع الاحتلال ويثيروا فيهم التساؤل : لماذا و الى أين ؟ و في كل الاحوال الشعب الفلسطيني سيقاوم بكل أنواع المقاومة المشروعة ، و لن ينهزم او ينكسر .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023