بقلم المستشار/
أسامة سعد
كثيرة هي صحوات الضمير التي تأتي متأخرة، خاصة حينما توشك شمس العمر على المغيب، ومع تأهب الإنسان للرحيل قد يلتفت للوراء برهة ليمر أمام ناظريه شريط طويل عن الذكريات التي لم يعد هناك حاجة لإخفائها، فلا عقاب يخشى ولا منصب يرجى، فالحياة برمتها توشك أن تطوى سماطها وترحل، وفي هذه اللحظة بالذات تصفو النفس البشرية من كل ما علق بها من أدران الحياة ولا يبقى لها إلا إنسانيها التي لا يكدرها حقد ديني أو نعرة قومية أو نفاق مصلحي أو كذب منمق، إنه فقط صوت الضمير الذي يعبر عن فطرة الإنسان قبل أن تتنازعها عوامل الشر.
"كان أولئك القرويون هادئين ومسالمين، كانوا يستحقون أن يبقوا في أرضهم كما استمروا فيها منذ 5000 سنة".
هذه العبارة التي اختتم بها أمنون نيومان شهادته التي لخصت حقيقة الصراع الذي أنكرته الصـמـيونية حتى هذه اللحظة.
وبهذا الإنكار صاغت الصـמـيونية العالمية فلسفة وجودها على أرض فلسطين، وجعلت من خرافة أرض بلا شعب أساس بناء الكيان الغاصب.
يقول أمنون في شهادته حول هذه الفكرة الصـמـيونية "الفلسطينيون لم يخرجوا طواعية من قراهم بل نحن الذين طردناهم، كل هذا بسبب العقلية الصـמـيونية" أمنون كان عضواً في منظمة البالماخ وهو يتحدث عن تجربته الشخصية التي عاش تفاصيلها بنفسه لحظة بلحظة ولم ينقل الحديث أو يرويه عن أحد آخر، وهذا ما يجعل لشهادته أهمية عظيمة ترفعها إلى مصاف الشهادات التاريخية التي يجب أن توزن كلماتها بماء الذهب لأنها شهادة لا يمكن نفيها أو تكذيبها مهما حاولت ماكينة الدعاية الصـמـيونية أن تحجبها، أمنون يكشف زيف بطولات موهومة روجها الكيان عن جنوده وساهمت وسائل الاعلام الغربية في نشرها وذلك عندما يقول مخاطباً محدثه "لا تظن أننا خضنا معارك كبرى ضد الفلسطينيين، بالكاد كان هناك معارك، في برير كانت معركة واحدة هنا وهناك وبعض مناطق الشمال، لأنه لم يكن لديهم – يقصد العرب- أي عتاد عسكري لقد كانوا فقراء ومساكين كانون بلا سلاح، ومن يمنحهم السلاح؟" يتساءل أمنون ليس لاستنطاق محدثه، فهو يعرف الحقيقة التي يعرفها محدثه ويعرفها العالم أجمع اليوم، وهي أن الشعب الفلسطيني حرم حق الدفاع عن نفسه وعن أرضه وترك لقمة سائغة للعصابات الصهيونية المجرمة، وهذا ما ذكره عبد القادر الحسيني في حديثه للجنة العـшـكرية في الجامعة العربية حينما قوبل طلبه بتزويده بالسلاح بالمبالاة والتلكؤ، فانتفض في وجه محدثيه من القادة العرب قائلًا: "أنتم خائنون، أنتم مجرمون، سيسجّل التاريخ إنكم أضعتم فلسطين، سأحتل القسطل، وسأموت أنا وجميع إخواني الـסـجـاهـבين، وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحبّ إليّ من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملوننا بها".
إذن لقد كانت المنظمات الصـמـيونية المدربة والمسلحة بأحدث الأسلحة تقاتل قرويين عزل وصوّرَت الصـמـيونية العالمية هذه المأساة على أنها معارك كبرى خاضتها القلة من اليهود الضعفاء ضد جحافل العرب الهمج، والحقيقة أنها كانت عمليات قتل قذرة نفذتها عصابات منحطة.
شهادة أمنون ترد على وقاحة لابيد التي قابل بها تصريح أبو مازن حول خمسين هولوكوست صـמـيوني ويا ليت أبا مازن صمد ولم يتراجع.
شهادة أمنون وأمثاله يجب أن تشكل لنا نحن الفلسطينيين مرجعاً قانونياً ينبغي أن نتعامل معه بكل جدية، وعلى القيادة الرسمية الفلسطينية أن تضع هذه الشـhـادة على أجندة عمل الجمعية العامة للأمم المتحدة واعتبار هذه الشـhـادة وثيقة من وثائق الأمم المتحدة الرسمية والسعي لكل يبنى عليها قرارات ومواقف دولية، هذا إن كانت الخارجية الفلسطينية معنية بالعمل على صيانة الحق الفلسطيني والدفاع عنه في المحافل الدولية بحق، ولزاماً على الشعب الفلسطيني أن يحاسبها ويحاسب القيادة الرسمية المرتجفة أمام الغطرسة الصـמـيونية إن لم تقم بواجبها، فإذا كان الشعب الفلسطيني يقدم دمه فداءً للوطن، فلا أقل من تصمد القيادة الرسمية الفلسطينية وتثبت على موقفها أمام المجتمع الدولي في تبينها للرواية الفلسطينية في وصف المجاز الصـמـيونية بأنها خمسين هولوكوست، فلم يعد الشعب الفلسطيني يطيق سياسية النفاق الدولي وازدواجية المعايير التي تغض الطرف عما يرتكب من جرائم بحق شعبنا وفي ذات السياق تنتفض لمجرد التشبيه بين مجرم ومجرم وبين جريمة وجريمة، فالعدالة واحدة والقيم لا تتجزأ.