موقع زمن إسرائيل
بنحاس عنبري
منذ وقت ليس ببعيد، كان هناك حدث لم يلقَ الاهتمام الذي يستحقه وهو خطبة وريث العرش الأردني الأمير حسين بن عبد الله من رجوى ابنة خالد آل سيف من السدير في قلب المملكة العربية السعودية.
منطقة السدير هي نواة العائلة المالكة السعودية، ونسب الملوك السعوديين تحدده سدير -هذه هي المنطقة التي تعتبر قلب نجد- حيث تقع العاصمة الرياض أيضًا.
والدة رجوى "عزة" يبدو أنها أميرة سعودية إلى جانب جدها، أو قريبة لأمراء سعوديين لم تُذكر أسماؤهم -وإن لم تكن من الدرجة الأولى- ولكن من أقرب المقربين إلى عبد العزيز مؤسس السلالة.
وحضر حفل الخطوبة أمراء سعوديون وأعمام العروس من جانب والدتها، ولم تظهر الأم عزة في الحفل، ولم يذكر أي شيء عن علاقتها بآل سعود.
بصرف النظر عن حقيقة أن أعمام رجوى كانوا في الحفل، لم يتم إعطاء أي شيء عن هوياتهم، وتم حذف صورهم، وهذا يعني أن ملكة الأردن القادمة ستكون سعودية، ويبدو أن دماء آل سعود تتدفق فيها، والتي تنبع من قلب المملكة السعودية.
من المحتمل أن تتطور الأسرة الهاشمية باتجاه استمرار المملكة العربية السعودية، بدلاً من الارتباط بين ضفتي الأردن الشرقية والغربية، وبالتالي، لا يزال من المبكر التهنئة.
ومن الظروف التي أقيمت فيها الحفل، فليس من المؤكد أن آل سعود سعداء بالعلاقة الأسرية الجديدة، أولاً: لم يتم استقبال ملك الأردن من قبل أي شخص من العائلة المالكة (لا الملك سلمان آل سعود نفسه، ولا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -على الرغم من أن الخطيب هو ولي العهد الموازي لمحمد بن سلمان- ويجب على الأقل أن يرحب بالحد الأدنى من المجاملة بالضيوف من الأردن.
فقط بعد الاحتفال -ربما بسبب الشكوك التي أثيرت ويمكن أن تضر بالعلاقات- نشر مكتب محمد بن سلمان تغريدة تهنئة (!) وذكر أن ولي العهد السعودي هنأ نظيره الأردني على خطوبته.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من المشاركة البارزة للملكة رانيا، إلا أن والدة العروس لم تحضر الحفل -على الرغم من حضور أعمام العروس- لم يتم الكشف عن أسمائهم، ولم تُشاهد صورهم.
يذكر أن الملك عبد الله والملكة رانيا قد زارا السعودية عدة مرات في زيارات سرية، والآن يتبين أنهما وراء الخطوبة.
لم تستطع عائلة العروس أن تبارك دون مباركة ملك المملكة العربية السعودية، وربما كانت هناك صعوبات، وفقط بعد حلها يمكن المضي قدمًا في الحفل، فما هي الصعوبات التي قد تكون أعاقت آل سعود وما زالوا لم يجدوا حلاً؟
تنبع الصعوبات من مكانة الهاشميين في مدينة مكة في الحجاز من جهة، ومن المكانة التي تسعى إليها السعودية لنفسها في القدس من جهة أخرى.
حكمت الأسرة الهاشمية مكة المكرمة لمئات السنين "الشريفيين" ثم ملوك الحجاز، حتى طردتهم الأسرة السعودية من مكة عام 1925، وكانوا في مكة حراس الأماكن المقدسة، وبعد طردهم من مكة ومكوثهم في عمان، احتفظوا باللقب عندما أعلنوا أنهم أوصياء على الأقصى، وهو لقب احترمته "إسرائيل" في اتفاقيات السلام مع الأردن كجزء من ترتيبات الوضع الراهن.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإن احتفاظ الهاشميين بلقب وصي الأماكن المقدسة يُفسر على أنه حفاظ على الطموح في العودة إلى مكة.
تركت العائلة الهاشمية العديد من العقارات في مكة، وعرضت السعودية عليهم شراء هذه الأصول مقابل أموال جيدة، لكن الهاشميين رفضوا حتى الآن.
وطالما أن الهاشميين يحتفظون بأصولهم في مكة والحجاز بشكل عام، فلا يمكن للسعوديين إزالة الشكوك حول نواياهم المستقبلية.
في الوقت نفسه -خلال مبادرة ترامب- طالب السعوديون بإنشاء "وصاية" جديدة للأقصى -والتي ستضم- إلى جانب الأردن قوى إسلامية أخرى، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
تسبب هذا الجزء من مبادرة ترامب في معارضة الأردن الشديدة للمبادرة، وتوطيدًا للعلاقة بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية.
في الجدل بين الأردن و"إسرائيل" حول ما هي منطقة الأقصى، تؤيد السعودية موقفاً مقرباً من الموقف الإسرائيلي، والذي بموجبه تعرف منطقة الأقصى بأنها هي المساجد نفسها وليس الامتداد بينها، بينما يزعم الأردن أن الامتداد الكامل هو الحرم، بما في ذلك الجدران، دون القول صراحة أن حائط البراق مدرج ضمن "الجدران".
كانت محاولة الانقلاب التي قام بها الأمير حمزة -بدعم من المملكة العربية السعودية- جزءًا من خطة ترامب، لإحضار العائلة المالكة الهاشمية إلى صيغة تتماشى مع الصيغة السعودية التي روج لها ترامب، إلى جانب أمور أخرى تتعلق بقبائل الأردن -سيتم مناقشتها بشكل منفصل-.
كانت المملكة العربية السعودية تأمل في أن تتم تسوية العلاقات مع الأردن، بانقلاب حمزة -وفق تصورها- ولا يمكن استبعاد أن تكون كل هذه الأسئلة قد أثيرت في المحادثات السرية بين الملك عبد الله والأميرة رانيا مع السعوديين.
تشير الموافقة السعودية على الخطوبة إلى احتمالية حدوث تقدم، لكن الموقف البارد من الحفل نفسه، واختفاء والدة العروس وأعمامها الأمراء، وتجاهل زيارة الملك للرياض، كلها علامات على أنه حتى لو حدث تقدم، لا يوجد اختراق.
لكن لا يزال هناك وقت طويل قبل أن تتولى ملكة سعودية العرش في عمان، وهناك متسع من الوقت لتسوية العلاقات.
عندما زوج الملك حسين ابنه عبد الله من الفلسطينية رانيا، رأى أمام عينيه تطور الأردن إلى تاج أردني فلسطيني مشترك.
تسبب هذا الاتجاه في استياء كبير بين قبائل الأردن، وكان أحد أسباب دعم العديد منهم للأمير حمزة.
الخطبة مع سيدة سعودية، والدور البارز للفلسطينية رانيا في العلاقة الجديدة من ناحية "تصحيح المسار" لن يطور الأردن في اتجاه "فلسطيني"، بل في اتجاه "سعودي"، وحول معنى هذه الأمور بالنسبة لقبائل الأردن - سيتم مناقشتها في مناسبة أخرى.