موقع نتسيف نت
ترجمة حضارات
في مواجهة الانخفاض الكبير في احتياطياتها من العملات الصعبة، وجدت مصر حلاً من خلال تقليل إضاءة الساحات العامة في البلاد، كجزء من الإجراءات لمحاولة زيادة تصدير الطاقة المنتجة محليًا، بينما يصر الاقتصاديون على الحصول على قرض من المؤسسة الدولية، صندوق النقد أمر لا مفر منه لمحاولة التغلب على الأزمة.
وبحسب وكالة فرانس برس، فإن مصر تشهد الآن مرحلة حرجة على صعيد السياسة المالية، حيث تحاول من جهة السيطرة على ارتفاع الأسعار بعد أن بلغ معدل التضخم السنوي نحو 15٪، ومن ناحية أخرى، تسعى لتزويدها بالعملة الأجنبية هربًا من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
في الوقت نفسه، تتفاوض مصر حاليًا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لدعم الدولة، الذي وصل فيها معدل الفقر إلى حوالي 30٪ من إجمالي السكان، البالغ عددهم أكثر من 103 مليون نسمة.
في الواقع، اتخذت مصر عدة خطوات، بدأت بتخفيض قيمة الجنيه المصري في مارس الماضي بنحو 17٪ مقابل الدولار، حتى وصل سعر بيع العملة الأمريكية حينها إلى أكثر من 18 جنيهًا.
كما أقرت الحكومة بحسب بيان رسمي حديث مشروع قرار للاستفادة من استهلاك الكهرباء، بما في ذلك "تقليل إنارة الشوارع والساحات العامة"، من أجل إطلاق كميات من الغاز الطبيعي "للتصدير".
وقال رجل مصري في الثلاثينيات من عمره لفرانس برس: "أرى أنوار الشوارع تعمل خلال النهار (...) ونعاني من ارتفاع أسعار الكهرباء، لذا هم (الحكومة) بحاجة للبحث عن من يسرق الكهرباء" .
ترى المحاضرة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة والاقتصادي المصري حني غينا، أنه خلال الشهر ونصف الشهر المقبل على الحكومة المصرية، أن تتخذ "إجراءات إصلاحية صارمة ، بما في ذلك التحرير الكامل لسعر الصرف".
وبعد أن أشار إلى أن "المشكلة تكمن في السياسة (النقدية) نفسها"، قالت غينا لوكالة الأنباء الفرنسية: إن "أحد الأسباب الكلاسيكية لانكشاف بعض الدول الناشئة على الأزمات الاقتصادية، هو التثبيت الوهمي لسعر الصرف".
وأوضحت أن هذا "يشجع (المقترض الحكومي) على الاقتراض من الخارج، مما يعرض البلاد إلى ضائقة إذا طُلب منها سداد القرض".
وأضافت جينا أنه "منذ الأسبوع الماضي، كان هناك نقص خطير في الدولارات التي تقدمها البنوك للمستوردين في مختلف القطاعات"، وأن الحل يكمن في "تسريع وتيرة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي".
وسبق أن حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من الصندوق، كجزء من اتفاقية وقعت في نهاية 2016، وقرضين آخرين في 2020 بقيمة 5.4 مليار دولار لتنفيذ خطة اقتصادية، و 2.8 مليار دولار للتعامل مع وباء كوفيد -19.
وكتبت شركة الأبحاث كابيتال إيكونوميكس ومقرها لندن في التقرير، أن "مدة المحادثات مع صندوق النقد الدولي تشير إلى أن بعض المسؤولين يترددون في متابعة مطالبه، ويفضلون الاعتماد على دعم اقتصادات الخليج الغنية بالنفط".
وفي هذا السياق، قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، تعيين المصرفي المعروف حسن عبد الله، الذي كان عضوًا في أمانة صنع السياسات بالحزب الوطني، التي تم حلها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك محافظا للبنك المركزي بالوكالة خلفا لطارق عامر، الذي عين مستشارا لرئيس الجمهورية
أسباب رحيل عامر غير معروفة رسميًا، لكن بعض وسائل الإعلام المحلية أفادت بأن أحد الأسباب، هو "عدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي".
وترى غينا أن "هناك خلاف بين أعضاء الحكومة على ضرورة تنفيذ الإجراءات، لكن هناك اتفاق على الأهداف"، مشيرة إلى أن صندوق النقد الدولي قد يطلب التنفيذ العاجل في بعض القضايا مثل الإعانات والصرف، بينما تفضل الحكومة القيام بذلك بشكل تدريجي.
يرى الخبير الاقتصادي في "كابيتال إيكونوميكس" جيمس سوانستون، أننا "نحتاج على الأقل إلى العملة المصرية مرة أخرى، حتى يصل سعر الدولار إلى 25 جنيهًا بنهاية عام 2024 (...)؛ لتجنب التعرض للاختلالات الخارجية"؛ بمعنى عدم وجود العملة الأجنبية للتحويل.
وأضاف في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية، أن هذا "يتطلب من صناع القرار الالتزام بهذا التغيير".
ويتوقع سوانستون أن الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي ستمنح مصر "فترة راحة من بعض الضغوط الخارجية، وتسمح على وجه الخصوص بطمأنة المستثمرين، كما ستساهم في جذب الاستثمارات مرة أخرى".
وبحسب بيانات البنك المركزي، فإن ما يقرب من 14.6 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غادرت مصر في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، "وهو ما يعكس قلق المستثمرين من اندلاع الصراع الروسي الأوكراني"، على حد قوله.
لكن وزارة التخطيط المصرية أعلنت الأسبوع الماضي، عن تحقيق معدل نمو اقتصادي للعام المالي 2021/22 بلغ 6.6 %، بينما كان معدل النمو قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية نحو 3.3 %.
في عام 2018، أعلنت مصر تحقيق استقلالها في الإمداد الذاتي للغاز الطبيعي، خاصة بعد بدء الإنتاج من حقل زوهار الضخم، ليرتفع معدل الإنتاج إلى ما يقرب من سبعة مليارات قدم مكعب في اليوم.
لذلك؛ يبدو هذا القطاع واعدًا كجزء من الجهود المبذولة لتجاوز الأزمة.
ذكرت الحكومة في إعلانها عن خفض استهلاك الكهرباء، أن الهدف هو "الحصول على فائض إضافي يبلغ حوالي 15 % من حجم الغاز الطبيعي، الذي يتم ضخه في محطات توليد الكهرباء على مدار العام (...) لغرض التصدير الذي يكسب العملة الصعبة ".
وأكدت الحكومة المصرية على ضرورة "الحد من إنارة الشوارع والميادين العامة"، خاصة إنارة ميدان التحرير الذي تبلغ تكلفة إنارته نحو ستين مليون جنيه، (نحو أربعة ملايين دولار)، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، ارتفعت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي إلى 5.6 مليار دولار، بين أكتوبر 2021 ومارس الماضي.
ووقعت مصر في يونيو حزيران مذكرة تفاهم مع "إسرائيل" والاتحاد الأوروبي، بهدف تصدير الغاز إلى أوروبا في محاولة لإيجاد بدائل للطاقة الروسية.
في مقابل إجراءات الإصلاح الحكومية، قد يبدأ أصحاب الدخل المنخفض في الدولة في دفع الضرائب.
لذلك؛ أمر السيسي في 26 يوليو / تموز بتنفيذ حزمة من إجراءات الدعم الاجتماعي، بما في ذلك "مساعدة استثنائية لتسعة ملايين أسرة في الأشهر الستة المقبلة، بتكلفة إجمالية تبلغ نحو مليار جنيه شهريًا (حوالي 52 مليون دولار)"، بحسب ما ورد في بيان للرئاسة المصرية.
في هذا السياق، تساءل محمود الصعيدي بائع فواكه يتجول في شوارع الجيزة، كيف يمكنه أن يتعايش مع الظروف وارتفاع الأسعار في ظل قلة أرباحه؟، "أعود إلى قريتي وعائلتي في صعيد مصر بعد كل أربعين أو خمسين يومًا من العمل في الجيزة، ولم يتبق لدي سوى حوالي 600 جنيه مصري (31.3 دولارًا) من الربح (...) ماذا نفعل؟".