زمان يسرائيل
يوني بن مناحيم
ترجمة حضارات
تخشى المنظومة الأمنية الإسرائيلية من التصعيد في الضفة الغربية واحتمال اندلاع انتفاضة شعبية مسلحة بحلول نهاية العام.
قوة السلطة الفلسطينية على الأرض تضعف، ومعركة الخلافة على رأس السلطة الفلسطينية تتصاعد، وعلى المستوى السياسي أن يتخذ قرارا بشأن عملية عسكرية كبيرة في شمال الضفة للحد من انتشار عمليات المقاومة.
في نهاية الأسبوع الماضي تلقينا مثالاً آخر على تنامي المقاومة في الضفة الغربية، هاجم مقاوم من مخيم الدهيشة للاجئين جنديًا إسرائيليًا بسكين على حاجز في منطقة كريات أربع وأصابه بجروح متوسطة، وقتله جندي من الجيش.
الإدارة الأمريكية قلقة للغاية من التصعيد في الضفة الغربية، وأرسلت إلى "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية باربرا ليف، نائبة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.
والتقت بكبار المسؤولين في إسرائيل والسلطة الفلسطينية وأكدت على الحاجة إلى الحد من العنف في المناطق وتقديم تسهيلات إضافية للسلطة الفلسطينية.
أوضح مسؤولون أمنيون إسرائيليون لباربرا ليف أن الحرب على "الإرهاب" ستستمر بكامل قوتها.
تشعر المنظومة الأمنية الإسرائيلية بقلق بالغ إزاء التطورات الأمنية الأخيرة في الضفة الغربية والاستخدام المتزايد للأسلحة النارية لشن هجمات ضد الجنود والمدنيين الإسرائيليين.
وبحسب معطيات الجيش الإسرائيلي، اتسم العام الماضي بعدد قياسي من عمليات إطلاق النار، فمنذ بداية العام كان هناك 60 عملية إطلاق نار حتى شهر آب/ أغسطس، وأحبطت قوات الأمن 220 عملية إطلاق نار أخرى.
وشهد العام الماضي 50 هجوما بالرصاص و في العام 2020 48 هجوما و في 2019 61.
اعتقل الجيش الإسرائيلي والشاباك أكثر من 1200 مطلوب في الضفة الغربية خلال الأشهر الأربعة الماضية.
والظاهرة التي تقلق الجيش الإسرائيلي هي زيادة إلقاء الزجاجات الحارقة، فمنذ بداية العام وحتى اليوم تم إلقاء أكثر من ألف زجاجة حارقة على قوات الجيش الإسرائيلي والمدنيين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
منذ بداية العام وحتى اليوم استشهد أكثر من 70 فلسطينيًا في اشتباكات مع قوات الأمن.
على الرغم من موجة عمليات إطلاق النار في المدن الرئيسية في إسرائيل، امتنع الجيش الإسرائيلي، بأمر من المستوى السياسي، عن القيام بعملية عسكرية كبيرة في شمال الضفة على غرار عملية "السور الواقي 2"، من أجل تفكيك البنية التحتية للمقاومة والتي تعد مئات من المسلحين وآلاف الأسلحة غير المشروعة وكميات كبيرة من الذخيرة.
من ناحية أخرى، زاد الجيش من نشاط الوحدات الخاصة وعملية "كاسر الأمواج" لإحباط نشاط الأفراد الذين ينوون تنفيذ هجمات ضد إسرائيليين.
اتضح أن هذا النشاط لا يكفي لوقف المقاومة. تقترب أعياد تشرين، ولدى المؤسسة الأمنية معلومات استخبارية حول نوايا المنظمات زيادة أنشطتها، وبوتيرة الأحداث، يبدو أنه لا مفر، وأن الجيش الإسرائيلي سيضطر قريباً إلى شن عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية للقضاء على ظاهرة المسلحين.
على هذه الخلفية يمكن أن نفهم أن تراجع مصلحة السجون "الشاباص" أمام الأسرى نهاية الأسبوع الماضي كان قراراً من أعلى المستويات السياسية؛ لتجنب سكب الوقود في الوقت الحالي على الصراع المشتعل بالفعل في مختلف أماكن في الضفة الغربية.
ألغت إدارة السجون كافة الإجراءات الجديدة التي اتخذتها في السجون بخصوص حركة الأسرى، وبالمقابل وافقت لجنة طوارئ الأسرى على إلغاء الإضراب عن الطعام الذي كان قرابة 1200 أسير أمني على وشك البدء فيه، كمرحلة أولى.
خطوة أخرى في ذات السياق هي قرار إسرائيل الإفراج عن الناشط في حركة الجهاد الإسلامي خليل العوادة الذي أضرب عن الطعام لأكثر من 170 يومًا.
تحاول "إسرائيل" تقليص الاحتكاك من أجل منع اندلاع موجة "إرهابية" في الضفة الغربية ستنتشر أيضًا إلى القدس الشرقية.
وقد استعدت المنظمات بقيادة حماس بالفعل لتقديم دعم خارجي لإضراب الأسرى الأمنيين، وأعلن زعيم حماس إسماعيل هنية أن موضوع الأسرى على رأس أولويات حركته.
تصعيد ميداني:
وشهدت الأيام الأخيرة زيادة في عمليات إطلاق النار ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وازدياد المواجهات مع قوات الجيش الإسرائيلي أينما دخلوا للاعتقالات.
قد يؤدي هذا التصعيد إلى اندلاع انتفاضة شعبية مسلحة جديدة بحلول نهاية العام، الأمر الذي يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
تقود مدينتا جنين ونابلس شمالي الضفة هذا الاتجاه، لكنهما انضمتا مؤخرًا إلى أماكن أخرى مثل بلدة طوباس وقرية روجيب وبلدة سلواد.
إن "إسرائيل" في سباق مع الزمن لمنع المقاومين الأفراد في الميدان من أن يصبحوا خلايا مسلحة قوية من ذوي الخبرة في الهجمات.
اليوم من الصعب على قوات الجيش القيام باعتقالات في أماكن مختلفة في الضفة الغربية وتقابل مواجهات مع شبان فلسطينيين يستخدمون الأسلحة النارية وزجاجات المولوتوف والحجارة، وهذه الظاهرة لم تكن موجودة قبل عامين، مستوى شجاعة الفلسطينيين ازداد، وتآكل الردع الإسرائيلي.
أصبحت المواجهات بين قوات الجيش وسكان الضفة الغربية أمراً يومياً في أماكن معينة، مثل شمال الضفة، وبدأت هذه الظاهرة بعملية "حارس الأسوار" في أيار 2021 وهي تكتسب زخماً أيضاً بعد المواجهة العسكرية الأخيرة بين الجيش والجهاد الإسلامي في قطاع غزة (عملية "مطلع الفجر").
ضعف قوة السلطة
كما أن تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية متجذر في إضعاف سلطة السلطة الفلسطينية، التي تخلت عن سيطرتها مسبقًا في مناطق معينة، مثل منطقة جنين، من أجل عدم الدخول في مواجهات مسلحة مع العناصر المسلحة للجهاد الإسلامي في هذه المنطقة.
طالما أنهم لا يهددون الحكومة المركزية للسلطة الفلسطينية في رام الله ولا يتحدون بشكل مباشر قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ويركزون على المواجهات مع الجيش الإسرائيلي، فإن توجيه رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن هو عدم مواجهتهم.
فقدت السلطة الفلسطينية سيطرتها على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية منذ فترة طويلة وظهرت فيها مجموعات مسلحة مستقلة، بعضها كان مدعومًا من محمد دحلان.
أصبحت منطقة الخليل أيضًا منطقة مستقلة بسبب النزاعات العشائرية وتواجه السلطة الفلسطينية صعوبة في فرض النظام والأمن هناك.
وهذا يخدم استراتيجية أبو مازن؛ لإظهار أن "الانتفاضة الشعبية" ضد الاحتلال الإسرائيلي آخذة في الازدياد وأن "إسرائيل" يجب أن تنسحب بأسرع ما يمكن من جميع الأراضي حتى خطوط 67.
معركة الخلافة على رأس السلطة الفلسطينية لها نتائج مهمة على ما يحدث على الأرض، فكل من كبار أعضاء حركة فتح، الذي يعتبر نفسه خليفة لأبو مازن، قام بتسليح ميليشيات على الأرض، إنهم يستعدون لاحتمال مواجهة عسكرية مع مليشيات حسين الشيخ الذي فرضه أبو مازن على قيادة منظمة التحرير في منصب أمين عام اللجنة التنفيذية للمنظمة من أجل تأهيله لمنصب الخليفة.
يعتمد حسين الشيخ على قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، الخاضعة لقيادة المقرب منه ماجد فرج، لكن من المشكوك فيه أن يكونوا تحت تصرفه يوم الأمر.
من المشكوك فيه ما إذا كانت التسهيلات الاقتصادية التي تقدمها "إسرائيل" للسلطة الفلسطينية بالتنسيق مع إدارة بايدن يمكن أن تؤدي إلى الهدوء.
يتوجه رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن إلى مصر هذا الأسبوع للحصول على دعم الرئيس السيسي في مبادرته القديمة الجديدة لإقناع الأمم المتحدة بمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، اليوم تتمتع بوضع دولة مراقبة.
هذه هي الورقة السياسية الوحيدة التي يملكها أبو مازن في ظل غياب أفق سياسي، تعارض "إسرائيل" والولايات المتحدة بشدة هذه الخطوة، وقد حذرت الإدارة أبو مازن من أنها ستستخدم حق النقض (الفيتو) عندما تصل القضية إلى مجلس الأمن.
تحاول المنظمات استغلال حالة عدم الاستقرار السياسي في "إسرائيل"؛ بسبب الحملة الانتخابية لتقويض الاستقرار الأمني من خلال زيادة التحريض على الشبكات الاجتماعية والهجمات.
هناك عشرات الآلاف من الأسلحة غير القانونية في الضفة الغربية، وإذا لم توقف "إسرائيل" الفوضى الأمنية في شمال الضفة في الوقت المناسب، فقد تنتقل تدريجياً وتنتشر إلى مناطق أخرى. لا تكفي العمليات الحالية للجيش في شمال الضفة لوقف "الإرهاب"، فهناك المئات من المسلحين المطلوبين في المنطقة، وتقوم إيران وحزب الله بصب الأموال على تنظيم الجهاد الإسلامي في الشمال من أجل إقامة بؤرة أمامية هناك للتحضير للاستيلاء على المزيد من المناطق.
وفي هذا السياق، كان اعتقال الشيخ بسام السعدي، القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في جنين، خطوة مهمة لوقف هذه الظاهرة، لكنها لا تكفي لوقف النشاط المعادي للجهاد الإسلامي.
خلاصة القول، إن الوضع الأمني في الضفة الغربية على وشك التصعيد والنشاط المكثف للجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية مطلوب لوقف انتشار المقاومة إلى مناطق أخرى، والقرار بشأن ذلك بيد القيادة السياسية.