السلطة الفلسطينية فقدت سيطرتها الأمنية في شمال الضفة الغربية

السلطة الفلسطينية فقدت سيطرتها الأمنية في شمال الضفة الغربية 

موقع نيوز "1"

يوني بن مناحيم

ترجمــة حضــارات


رئيس الأركان أفيف كوخافي، الذي وضع هذا الأسبوع إصبعه على إحدى النقاط الصحيحة التي أدت إلى تصاعد ظاهرة العمليات في شمال الضفة الغربية، وهي فقدان سلطة السلطة في منطقتي جنين ونابلس كان محقًا.

وأرجع رئيس الأركان ذلك إلى ضعف الأجهزة الأمن الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى عدم وجود حكم في مناطق معينة من الضفة الغربية؛ مما خلق تربة خصبة لنمو المقاومة، لكنه لم يذكر الجوانب السياسية والعملية لرئيس السلطة الفلسطينية وافتقاره إلى الحافز كقائد لمحاربة المقاومة كما تقتضي اتفاقيات أوسلو.

الوضع السياسي لرئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن ضعيف للغاية، وسكان الضفة الغربية لم يعودوا يريدونه كرئيس لهم، وتظهر استطلاعات الرأي العام الفلسطيني أن أكثر من 70٪ من سكان الضفة الغربية يريدون تقاعده الفوري من منصبه.

كان يُنظر إلى أبو مازن في الشارع الفلسطيني على أنه ناطق بلسان إسرائيل والولايات المتحدة، وديكتاتور فاسد بنى إمبراطورية اقتصادية ضخمة لابنيه، وكشخص يضطهد خصومه السياسيين بالقوة والتعذيب، انظروا إلى القتل الوحشي للناشط الحقوقي نزار بنات قُتل بقضبان حديدية على يد 14 عنصر أمن فلسطيني في منزله في الخليل؛ بسبب انتقاداته لأبي مازن.

أقامت السلطة الفلسطينية مركز استجواب في سجن أريحا أطلق عليه اسم "مسلخ" السلطة الفلسطينية، حيث يتم نقل جميع المعارضين السياسيين لأبي مازن وإخضاعهم للاستجواب تحت التعذيب.


مع اقتراب نهاية مسيرته السياسية، يركز رئيس السلطة الفلسطينية على الحفاظ على مقعده، ويتلقى الدعم الكامل من إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية المعتدلة، وهو يعلم أن قوته السياسية تنبع أيضًا من ضعفه، فهناك قلق كبير في دول المنطقة من الاستقرار في الضفة الغربية بعد رحيله، لهذا السبب يركز على الحفاظ على حكمه ومحاولة تقليص المقاومة قدر الإمكان في مناطق السلطة الفلسطينية لكي يستمر حكمه.

وتعرض مؤخرًا لانتقادات شديدة في الشارع الفلسطيني؛ لتعيينه حسين الشيخ خلفًا له في المستقبل لمنصب أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في الشارع الفلسطيني يتهم حسين الشيخ بارتكاب أعمال فساد وتحرش جنسي.

ضياع الحكم والسيطرة في الميدان  

قبل عدة أشهر هاجم مسلحون فلسطينيون مرتين متتاليتين بالأسلحة النارية مبنى المقاطعة التابع للسلطة الفلسطينية في مدينة جنين احتجاجا على التصريحات التي أدلى بها محافظ جنين أكرم الرجوب للإعلام، الذي وصف المطلوبين في جنين بأنهم "المجرمين وفوضويو الأمن".

كما خرجت مظاهرات لشبان في مخيم جنين ضد كلام محافظ المدينة، زاعمين أن الكلمات قيلت تمهيدًا لدخول الجيش الإسرائيلي إلى المدينة.

واصل المحافظ أكرم رجوب تحدي المطلوبين في المدينة في مقابلات مع وسائل الإعلام الفلسطينية، وادعى أنه منذ توليه منصبه قبل حوالي 3 سنوات لم ير أي إطلاق نار من قبل المطلوبين تجاه الجيش الإسرائيلي أو المستوطنات في المنطقة وبذلك انتقد أنشطة الجماعات المسلحة في جنين ووصفها بـالمجرمين.

هاجم القيادي في حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، الليلة الماضية، عملية السلطة الفلسطينية في مدينة جنين ضد مسلحين من تنظيمه، ورد كبير مسؤولي الجهاد الإسلامي خضر عدنان على محافظ جنين في تصريح لوسائل الإعلام: "أنت بحاجة للذهاب لطبيب العيون، لا أحد يستطيع أن يشيطن المقاومة في جنين".

قررت السلطة الفلسطينية، عملية اعتقال واسعة ومصادرة أسلحة في مدينة جنين وفي المخيم المجاور لها؛ لاستعادة السيطرة على المدينة التي فقدتها في الأشهر الأخيرة.


عندما دخلت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى مخيم جنين للاجئين، قبل أسبوع رشقوا بالحجارة وأجبروا على استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.

وبحسب مصادر رفيعة المستوى في فتح، فقد تم الاتفاق على هذه العملية لاستعادة الحكم للسلطة الفلسطينية في مدينة جنين في لقاء في رام الله بين رئيس الشاباك رونان بار ورئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قلقتين للغاية بشأن خسارة السلطة الفلسطينية للحكم في جنين، وأعطت إسرائيل أبو مازن دعمًا أمنيًا؛ لمحاولة إعادة السيطرة إليه قبل أن يتدخل الجيش الإسرائيلي ويأخذ الأمور بيديه، إن التعاون الوثيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يهدف إلى منع حركتي حماس والجهاد الإسلامي من ملئ الفراغ الأمني الذي نشأ في المنطقة.

بالنسبة لأبو مازن، كانت ذروة محاولته لتطبيق أوامر السلطة الفلسطينية في منطقة جنين خلال تشييع جنازة قيادي في حماس في المدينة.

حضر عشرات المسلحين الفلسطينيين، يرتدون زي الجناح العسكري لحركة حماس عز الدين القسام، في تشييع جنازة القيادي البارز في حماس وصفي كبها -وزير شؤون الأسرى الأسبق-، وفي الجنازة التي حضرها آلاف السكان، رفعت أعلام ضخمة لحركة حماس، كلها تحت أنوف الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية التي من المفترض أن تسيطر على مدينة جنين.

غضب رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن من الحادث الذي وزعت صوره في جميع أنحاء الضفة الغربية، وأمر رؤساء أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في منطقة جنين باعتقال مقاتلي حماس وعندما فشلوا في ذلك أقالهم من مواقعهم في خطوة غير مسبوقة .

وقالت مصادر في السلطة الفلسطينية إنهم أربعة من كبار الضباط في مدينة جنين هم: مجاهد علاونة رئيس مكافحة التجسس ومحمد عبد ربه رئيس المخابرات العامة وطالب صلاح رئيس المخابرات العسكرية وباسم رشيد رئيس الأمن الوطني.


منذ ذلك الحين ازداد الوضع الأمني سوءًا في جنين، ورائحة المنطقة تفوح بضعف أبو مازن وقلة الحافز، وكذلك قدرة رؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على التعامل مع المسلحين في المنطقة واستغلت المنظمات هذا لصالحهم.

الروابط الاجتماعية والأسرية بين المطلوبين والأجهزة الأمنية

ويشير مسؤولون فلسطينيون في شمال الضفة الغربية إلى وجود روابط اجتماعية وعائلية بين المسلحين المطلوبين والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، حيث كان فتحي حازم والد الشهيد رعد حازم الذي نفذ الهجوم في ديزنغوف هذا العام من كبار المسؤولين من جهاز الأمن الوطني للسلطة الفلسطينية، منذ الهجوم أصبح رجلاً مطلوبًا ومحرّضًا بخطابات ساخنة ضد إسرائيل.

كان جميل العموري المطلوب بشدة، والذي استشهد في جنين في يونيو 2021 على يد قوة سرية إسرائيلية، صديقًا لاثنين من ضباط الأمن التابعين للسلطة الفلسطينية جاءا لمساعدته في إطلاق النار في مواجهة مع المستعربين، وكلاهما تم اغتيالهما على يد الجيش الإسرائيلي، الشهيد إبراهيم النابلسي الذي قُتل في نابلس قبل نحو شهر هو نجل ضابط في جهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية.

يتعاطف الكثيرون في الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في جنين ونابلس مع أنشطة المطلوبين رغم تعليمات أبو مازن، كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية يأتون إلى بيوت العزاء الشهداء الذين قتلوا في جنين ونابلس لتهدئة العائلات، ورسائل العزاء لرئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن عن طريق الهاتف، وتتقاضى عائلات الشهداء رواتب شهرية من السلطة الفلسطينية.

يبذل رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن قصارى جهده لتجنب الاحتكاك غير الضروري مع سكان الضفة الغربية، في ظل غياب أفق سياسي ليس لديه حافز لإظهار العزم المفرط على محاربة المقاومة، طالما أن المقاومة في جنين ونابلس لا تهدد المقاطعة في رام الله وحكمه، وهو يعلم أن إسرائيل لا تستطيع أن تخسره حتى لو كانت غاضبة منه، حيث أن رؤساء أجهزته الأمنية يتبعونه.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023