هآرتس
عاموس هرائيل وينيف كوبوفيتش
إن التوترات المتزايدة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية لا تتعلق فقط بزيادة عدد الهجمات وحوادث إطلاق النار في الضفة الغربية، ولكن أيضًا في الرسائل المتبادلة بين الطرفين، في الأيام الأخيرة انتقد رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الشاباك رونين بار علنًا عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الأرض.
وتشتبه المؤسسة الأمنية في أن النشاط المحدود للأجهزة في شمال الضفة الغربية وضعف التنسيق الأمني مع "إسرائيل" -في بعض الحالات- ينبع من تعليمات من أعلى.
في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نهاية سبتمبر من العام الماضي، ألقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطابًا عدوانيًا حذر فيه من قطع العلاقات مع "إسرائيل"، وسيتحدث عباس في الجمعية مرة أخرى هذا العام في 23 سبتمبر، وهناك يقظة معينة على الصعيد السياسي والأمني لما سيقوله.
غالبًا ما يستخدم عباس منصة الجمعية لمهاجمة "إسرائيل"، وأحيانًا تُترجم تصريحاته إلى أفعال في الضفة الغربية، هذا ما حدث في أيلول 2015 مباشرة بعد خطاب قوي من رئيس السلطة الفلسطينية، اندلعت موجة من عمليات إطلاق النار والطعن والدوس في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، وانحسرت بعد ستة أشهر فقط.
أثار التصعيد في الضفة الغربية قلق الولايات المتحدة ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة، وجميع هذه الدول تشارك الآن في جهود التهدئة. في الأسبوع الماضي زارت باربرا ليف مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية. في لقاءات معها، قدم رؤساء جهاز الأمن الإسرائيلي بمن فيهم رئيس الشاباك بار بيانات عن الزيادة الكبيرة في العمليات منذ مارس من هذا العام.
والتقت في رام الله بحسين الشيخ، أحد كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، ومع ماجد فرج، رئيس المخابرات العامة. عباس، الذي يشعر بالإحباط مما يراه عدم رغبة إدارة بايدن في التدخل لدفع العملية السياسية، تجنب الاجتماع مع ليف وفضل إرسال ممثليه إليها.
يُنظر إلى قرار عباس على أنه إهانة مخططة من جانبه للإدارة في واشنطن، على وجه التحديد على خلفية المساعي الأمريكية لتهدئة الأجواء وضخ المزيد من الأموال في السلطة، من الولايات المتحدة ودول الخليج. بررت قيادة السلطة تجنبه للاجتماع بازدحام جدول الأعمال لديه.
في "إسرائيل"، نلاحظ تزايد انخراط عناصر الأجهزة في معارك بالأسلحة النارية مع الجيش الإسرائيلي، بالتزامن مع دخولهم في عمليات اعتقالات في جنين ونابلس وفي مخيمات اللاجئين والقرى المجاورة لهم بإطلاق النار على الجيش الإسرائيلي.
في "إسرائيل"، يشعرون بالقلق بشكل خاص بشأن ما يحدث في نابلس، إحدى المدن الرئيسية في الضفة الغربية، والتي يوجد بالقرب منها العديد من المستوطنات، فقد ينعكس أي تدهور إضافي في الوضع في المدينة، كما أن استمرار ضعف سيطرة السلطة هناك، على الوضع الأمني في الضفة الغربية بأكملها وإلزام الجيش بالعمل بشكل أكثر شمولاً.
كبار المسؤولين في الجهاز الأمني يعترفون، بالنسبة لـ"إسرائيل"، أنه لا بديل حقيقي لنشاط أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بحسبهم هناك خياران رئيسيان: مساعدة الأجهزة على استعادة المسؤولية الأمنية في مدن شمال الضفة الغربية، أو الوقوف جانباً ومراقبة انهيار السلطة - بطريقة قد تجبر "إسرائيل" على الدخول لمليء الفراغ الذي تم إنشاؤه.
وقالوا إن التغيير إلى الأسوأ واضح بشكل أساسي في شمال الضفة الغربية وفي مناطق أخرى، من رام الله والجنوب، ما تزال السلطة تعمل بشكل معقول، بطريقة تنعكس أيضًا في العمل المنتظم لخدمات الصحة والتعليم والتشغيل وفي الأنشطة اليومية للوزارات الحكومية، كما تعمل السلطة في هذه المدن على الإنفاذ في المجال الجنائي وتعتقل المجرمين.
ضعف الأجهزة الأمنية الفلسطينية -بحسب هذا التفسير- لا ينبع فقط من سلوك الجماعات المسلحة التي تسيطر على السلطة الفلسطينية؛ ولكن أيضًا من التدهور التدريجي في أداء السلطة الفلسطينية، والذي يتأثر أيضًا بموقف "إسرائيل".
منذ نهاية الانتفاضة الثانية، حوالي الأعوام 2005-2006، لم تتصرف "إسرائيل" بحزم لتجديد العملية السياسية ولم تحرص على إعادة بسط سلطة السلطة الفلسطينية التي تضررت بشدة بعد أن شجع حكم ياسر عرفات المقاومة، واحتلال الجيش الإسرائيلي مدن الضفة الغربية، واستمرار الوضع القائم يضر في نظرة سكان الضفة حيث يتم تصوير موقع السلطة وسلطتها على أنها ضعيفة وحتى لا حول لها ولا قوة.
جرى مناقشة الادعاءات المتبادلة بين الطرفين بالتفصيل في اجتماعات أمنية مستمرة بمشاركة مسؤولين كبار في "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، وزعم الفلسطينيون في هذه المحادثات أن التوقع الإسرائيلي للأجهزة العمل ضد المسلحين في شمال الضفة الغربية، في الوقت الذي يدخل فيه الجيش الإسرائيلي المدن ومخيمات اللاجئين كل ليلة، ويعتقل مواطنين ويقوم بتبادل إطلاق النار، ليست واقعي.
وبحسبهم، في حين يتم فتح بيت عزاء كل يوم تقريبًا بسبب مقتل شبان فلسطينيين في الحوادث، لا تستطيع السلطة العمل بفعالية على الأرض، طلب مسؤولون فلسطينيون كبار من "إسرائيل" تقليص نشاط الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية والسماح لعناصرها بالعمل في الميدان في المستقبل القريب، وزعموا أن هذا كان نموذجًا للعمل تمت تجربته بالفعل بنجاح في الماضي، خلال فترات التوتر بهدف وقف انتشار المظاهرات.
ويدور نقاش داخل المؤسسة الأمنية حول ما إذا كان ينبغي استمرار عمليات الاعتقال في شمال الضفة الغربية بنفس الكثافة التي كانت تجري فيها خلال الأشهر القليلة الماضية، يعتقد بعض المسؤولين أنه لن يكون هناك مفر من عملية واسعة النطاق في منطقة جنين على وجه الخصوص، ربما حتى قبل الانتخابات في "إسرائيل" في 1 تشرين الثاني (نوفمبر)، ويعتقد آخرون أن "إسرائيل" تساهم أيضًا في زيادة حدة النيران، من خلال الإصرار على استمرار عمليات الاعتقال كل ليلة، والاستمرار في تحديد النشاط كجزء من عملية خاصة "كسر الأمواج"، التي بدأت في أعقاب سلسلة عمليات إطلاق النار في مناطق الخط الاخضر نهاية اذار.
في المشاورات على رأس القوى الأمنية، كانت هناك أيضًا توصيات للسماح مرة أخرى للأجهزة بمزيد من المجال للعمل في شمال الضفة الغربية، وتحفيزها على التحرك على أساس أن السلطة تحدد أيضًا حماس والجهاد الإسلامي كأعداء رئيسيين، سوف يسارعون للاستفادة من الفراغ الذي نشأ في الميدان للتأثير على الجماعات المسلحة إلى جانبهم وتعزيز سيطرتهم في شمال الضفة الغربية.
ويوصي بعض المسؤولين الأمنيين بتعزيز التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة وتزويدها بالتدريج بالمواعيد والمجالات لاستئناف أنشطتها. وبحسبهم، من الأفضل حصر دخول المناطق المكتظة بالسكان في المستقبل القريب للإنذارات الفورية بهجمات "القنابل الموقوتة"، وتجنب الاحتكاكات العنيفة غير الضرورية. في رأيهم، هذه هي الخطوة الأهم لتعزيز الأجهزة ونشاطها.
ناقشت "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة مؤخرًا خطوات إضافية لتحسين قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية. في الآونة الأخيرة، كان هناك تدريب عسكري لأفراد الأجهزة في الأردن، بتوجيه من الولايات المتحدة، ولا تستبعد "إسرائيل" منح تصاريح نقل أسلحة وذخائر إضافية للأجهزة، بهدف تعزيز قوتها ضد الجماعات المسلحة، كما ظهرت فكرة إنشاء قوة فلسطينية خاصة، مدربة ومجهزة بشكل أفضل، لإرسالها للتعامل مع النشطاء المسلحين من حماس والجهاد.
وتشير المؤسسة الأمنية إلى أنه على الرغم من زيادة مشاركة النشطاء المسلحين في الأحداث، إلا أن موجة العنف في الوقت الحالي لا تجتاح معظم الجمهور في الضفة الغربية. لا توجد مظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء الضفة الغربية، وعلى الرغم من أن الجمهور الفلسطيني يفقد الثقة في السلطة الفلسطينية، فإن الغالبية العظمى من سكان الضفة الغربية يمتنعون عن المشاركة في المقاومة أو حتى المظاهرات العنيفة. ويرى الكثيرون في الضفة الغربية أن الانتشار المتجدد للجماعات المسلحة يمثل تهديدًا داخليًا عميقًا للمجتمع الفلسطيني ويخشون زيادة الجريمة.