بقلم/ أ.د إبراهيم أبراش
ما بين السادس عشر والثامن عشر في مثل هذا الشهر من عام 1982، قامت مجموعات مسلحة مشكلة من حزب الكتائب الماروني وجيش لبنان الجنوبي، باقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا تحت حماية الجيش الإسرائيلي، ولمدة ثلاثة أيام واصلت هذه الجماعات ارتكاب مجازر وخصوصاً بالسلاح الأبيض، ضد قاطني المخيمين وغالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ وكانت الحصيلة ما يفوق 2000 شهيداً؛ بالإضافة إلى الجرحى واغتصاب النساء بوحشية.
وللتاريخ وحتى يعرف الشعب الفلسطيني حقائق لا تريد منظمة التحرير الحديث عنها صراحة؛ لحساسيات سياسية نتفهمها ولكن يجب على الشعب الفلسطيني أن يعرف الحقيقة كاملة:
1- مع أنه تم توجيه اتهامات لأرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بالمسؤولية عن المجزرة وتم رفع دعاوى دولية ضده، إلا أنه في الواقع كان القتلة جميعهم من حزب الكتائب وجيش لبنان الجنوبي، آنذاك ذكرت مصادر رسمية في منظمة التحرير بأن القائدين في حزب الكتائب إيلي حبيقة وسمير جعجع، هم من خطط للمجزرة بتنسيق مع جيش الاحتلال الاسرائيلي، وكانا على رأس المنفذين لها، والأول قُتل في تصفية حسابات داخلية مع السوريين، بينما الثاني وبعد سنوات من السجن لأسباب لبنانية داخلية؛ عاد ليقود حزب القوات اللبنانية، ولأن المنظمة آنذاك كانت في موقف ضعيف فقد تجنبت تحميل المسؤولية رسمياً لحزب الكتائب، الذي كان متحالفاً مع الجيش السوري.
2- مخيمي صبرا وشاتيلا تعرضا لمجزرتين، الأولى التي تطرقنا لها والثانية تمت في 20 مايو 1985، خلال ما تم تسميتها "حرب المخيمات"، واستمرت لأكثر من شهر وكانت على يد ميليشيات حركة أمل واللواء السادس من الجيش اللبناني، وبدعم من الجيش السوري، وتبع ذلك حصار شديد للمخيمين أضطر فيها السكان لأكل الكلاب والقطط، وتهديم 90% من المنازل وحوالي 3100 بين قتيل وجريح.
3- كانت المجزرتان تحت حجة وذريعة أن الفلسطينيين سبباً في الحرب الأهلية والإخلال بالتوازنات الطائفية؛ وفي تعريض لبنان لعدوان إسرائيل، وفيما كانت تعرفه لبنان من فوضى إلخ، ولكن بعد أربعين عاماً من إخراج قوات منظمة التحرير من لبنان، والتحييد الكامل لمخيمات لبنان عن الأوضاع الداخلية، فإن ما يشهده لبنان من استمرار الحرب الأهلية المعلنة والمستترة وحالة الفوضى والانهيار، يؤكد أن التواجد الفلسطيني في لبنان لم يكن سبباً في الحرب الأهلية؛ كما أنهم ليسوا مسؤولين عنها؛ وأن ما تعرضوا له في لبنان كان جزءاً مكملاً للحرب الإسرائيلية ضد منظمة التحرير والشعب الفلسطيني.
4- لم تكن صبرا وشاتيلا المجزرة الوحيدة؛ فقد سبقها في لبنان مجزرة تل الزعتر، وخارج لبنان تعرض الفلسطينيون لمجازر وإهانات وسوء معاملة في عديد الدول العربية، كما جرى في الكويت بعد تحريرها بتهمة تأييد صدام حسين؛ ونفس الأمر جرى لهم في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وما زالوا يتعرضون للمعاناة وسوء المعاملة على الحدود والمعابر والمطارات، كما هو الحال على معبر رفح.
5- يبدو أنه كلما زاد النظام السياسي الفلسطيني، منظمة تحرير وسلطة ضعفا، وكلما استمر الانقسام وتعمق زاد تطاول أنظمة، وحتى أشخاص على الشعب الفلسطيني وعلى تاريخه وعدالة قضيته، مع أن اعترافات المنصفين في الدول العربية تقول، بأن الفلسطينيين في البلدان التي يقيمون فيها هم الأكثر احتراما لشعوب تلك البلدان والتزاما بقوانينها، والأكثر إخلاصا وجدية في أعمالهم.