عباس يخشى اندلاع حرب أهلية في الضفة

يوني بن مناحيم

موقع نيوز "1"


تستمر التوترات في منطقة شمال الضفة الغربية، وما زالت قوات السلطة الفلسطينية المعززة في مدينة نابلس تستعد لمنع المظاهرات.

خلال الليل خرجت مظاهرات لفلسطينيين في أماكن متفرقة بالضفة الغربية تطالب بالإفراج عن المطلوب مصعب اشتيه، الذي اعتقل أمس مع مرافقه من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وبدأ مصعب اشيه إضرابًا عن الطعام بعد نقله من نابلس إلى سجن أريحا.

في أعقاب الضغط السياسي الكبير الذي مارسته إدارة بايدن و"إسرائيل" على رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن لمحاربة المقاومة في جنين ونابلس، أمر أبو مازن أجهزته الأمنية باعتقال مطلوبين، من بينهم الشاب من حماس مصعب اشتيه في مدينة نابلس.

بعد الاعتقال في 19 سبتمبر/أيلول، اندلعت مواجهات في مدينة نابلس، واضطرت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى إدخال عربات مصفحة إلى المدينة، وعندما تفرق المتظاهرون، أطلق مسلحون النار على أفراد أمن السلطة الفلسطينية، واستشهد فراس يعيش (53 عامً) في تبادل لإطلاق النار وأصيب 3 آخرون.

ورًدا على ذلك، أطلق مسلحون النار على مبنى إدارة السلطة الفلسطينية في جنين ونشروا رسالة يهددون فيها باختطاف أفراد من السلطة الفلسطينية ردًا على ذلك، ودانت حركة حماس والفصائل الفلسطينية اعتقال المسلحين.

تحرك أبو مازن يثير قدرًا كبيرًا من الغضب في الضفة الغربية، وفي تقدير مسؤولي السلطة هناك شك كبير فيما إذا كان أبو مازن سيستمر في اعتقال المسلحين في مدينة نابلس، وهذه خطوة في تقديرهم تهدف إلى إرضاء "إسرائيل" والولايات المتحدة قبل المناقشات في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

زعمت صحيفة "العربي الجديد" في 20 سبتمبر أن اعتقال المسلحين في نابلس جاء بعد اجتماع تنسيقي بين ممثل كبير للجيش الإسرائيلي وحسين الشيخ المقرب من أبو مازن، وذلك بالمشاركة من أفراد الأمن الأمريكيين.

قال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية، إن الأيام مرت عندما حاربت السلطة الفلسطينية المقاومة دون مقابل، بحسب قوله. الوضع في الضفة الغربية صعب، سئم الجمهور الفلسطيني -وخاصة جيل الشباب- من الاحتلال الإسرائيلي والتطرف، وليس أمام رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن خيار أن يقدم له بصيص أمل على شكل "أفق سياسي".

في ظل الوضع الناتج، تُنظم مجموعات مسلحة من الشباب في الضفة الغربية وخاصة في الجزء الشمالي من الضفة الغربية، التي كانت دائمًا أكثر قومية وتطرفًا، ممن يريدون محاربة "إسرائيل".

يزعم المسؤول الفلسطيني الكبير أن "دخول الجيش الإسرائيلي إلى مراكز المدن ومخيمات اللاجئين في المنطقة (أ) يوفر لهم أهدافًا وبالتالي يتم إنشاء تصعيد أمني"، ولا ينوي رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن إرسال أفراد أمن السلطة الفلسطينية لمحاربة الجماعات المسلحة في شمال الضفة الغربية وتقييدها، الأمر الذي قد يجر الضفة الغربية بأكملها إلى حرب أهلية.

مع اقتراب نهاية عهده، لا يريد أبو مازن أن يسجل التاريخ الفلسطيني كشخص تعاون مع "إسرائيل" وقدم لها خدمات أمنية، بما في ذلك الصراع المسلح مع شعبه.

"أبو مازن ليس أنطوان لحد والقوات الأمنية للسلطة الفلسطينية ليست من قوات سوريا الديمقراطية"، كما يقول عضو بارز في حركة فتح.

على عكس ما يقوله، فإن الواقع على الأرض مختلف بعض الشيء، فقد سئم أبو مازن من شعبه لفترة طويلة، فهو يعتبر من قبلهم ديكتاتورًا قاسيًا يقمع بالقوة كل ظواهر معارضة حكمه، بما في ذلك حرية التعبير، وأيضًا زعيم فاسد منشغل بالبقاء الشخصي.

يحاول رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن ابتزاز "إسرائيل" والولايات المتحدة، ويرى أن موجة العمليات الجديدة التي اندلعت بشكل مستقل في المنطقة هي رافعة ضغط على "إسرائيل" فيما يتعلق بخلق "أفق سياسي" واستئناف المفاوضات حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

بالإضافة إلى ذلك، يطالب "إسرائيل"بإلغاء "قانون المصادرة" الخاص بأموال الضرائب التي تحولها "إسرائيل" إلى السلطة الفلسطينية، التي تدفع بعضها للأسرى وعائلاتهم، كما أوضح لـ"إسرائيل" أنه يجب عليها أن توقف تمامًا دخول الجيش الإسرائيلي إلى مراكز المدن ومخيمات اللاجئين في المنطقة (أ) وتحترم سيادة السلطة الفلسطينية.

أبو مازن الذي وصل إلى نهاية مسيرته السياسية، لا يهتم بتهدئة الوضع طالما أن المسلحين لا يهددون المقاطعة في رام الله، فهو يشعر بالأمان على عرشه، ويحظى بدعم أمريكي وأوروبي والدول العربية المعتدلة، وهذا هو الوقت المناسب بالنسبة له لحصر "إسرائيل" في تنازلات كبيرة عندما يوضع سيف العمليات على رقبتها.

من المتوقع أن تزداد العمليات في الضفة الغربية خلال الفترة المقبلة لثلاثة أسباب رئيسية:

* أعياد تشرين واقتحام اليهود للمسجد الاقصى.

* اقتراب موعد انتخابات الكنيست.

* ضعف نظام الحكم الإسرائيلي: الشعور الفلسطيني أن "إسرائيل" مرتبكة وخاسرة، فوجئت بقوة الموجة الجديدة من العمليات في الضفة الغربية وتخشى التعامل معها، وبالتالي فهي تتوجه إلى إدارة بايدن والدول الأوروبية ومصر والأردن لإقناع رئيس السلطة بمحاربة المقاومة بدلاً من اتخاذ قرار بشأن عملية عسكرية كبيرة في شمال الضفة الغربية.

إن التردد الإسرائيلي في اتخاذ القرارات يعد ضعفًا لدى الفلسطينيين ويشجع على تصاعد العمليات ومحاولة نقله من شمال الضفة الغربية إلى وسطها وجنوبها أيضًا.


العودة إلى "اتفاقية المطلوبين"

نحن في موجة جديدة من العمليات ولسنا في خضم انتفاضة جديدة ، كما أن موجة العمليات تهدد حكم أبو مازن، وبالتالي فإن إيقافها فقط يمكن أن ينقذ السلطة الفلسطينية من الانهيار، إذا كانت السلطة الفلسطينية لا تريدها أو تستطيع إيقافها يتوجب على الجيش الإسرائيلي أن يقوم بالعمل بنفسه لحماية حياة المستوطنين في مناطق الضفة الغربية ومنع المقاومة والعمليات من الوصول إلى المدن الرئيسية في "إسرائيل".

في شمال الضفة الغربية يوجد مئات المسلحين وآلاف الأسلحة غير القانونية وكميات هائلة من الذخيرة، فنحن نتحدث عن عدة مجموعات مسلحة مستقلة انتشرت في جنين ونابلس، مثل "كتائب شهداء الأقصى" و "كتيبة جنين" و "عرين الأسود".

أعضاء هذه المجموعات هم من الشباب الذين لم يشهدوا الانتفاضة الثانية وتأثروا بشكل كبير بما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم ينتمون رسميًا إلى بعض الفصائل الفلسطينية، مثل تنظيم الجهاد الإسلامي، من أجل الحصول على أموال لتمويل الأنشطة وشراء الأسلحة والذخيرة.

في جنين يقولون إن انتمائهم التنظيمي هو لأغراض معنوية فقط وأنهم يتخذون القرارات بشكل مستقل، وما يوحدهم هو الانتماء الجغرافي لنفس المنطقة، وبالتالي فإن جميع الأعضاء يقاتلون معًا في نفس المنطقة التي ينتمون إليها، وتعمل في مراكز مدينتي جنين ونابلس وفي مخيمات اللاجئين والبلدات والقرى المحيطة بها.

يمكن للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية -من وجهة نظر أمنية- مواجهة هذه الجماعات المسلحة وتفكيكها؛ ولكن هذا قرار سياسي لرئيس السلطة أبو مازن الذي يرفض القيام بذلك دون مقابل سياسي مناسب من "إسرائيل" والولايات المتحدة، يمكن أن يقدمه لشعبه على أنه إنجاز.

ومن المقترحات التي تجري مناقشتها في المؤسسة الأمنية ممارسة ضغوط دولية على أبو مازن حتى يعرض على مئات المطلوبين في نابلس وجنين العودة إلى اتفاق "المطلوبين"، الأمر الذي يمنع إراقة الدماء.

في تموز 2007، تم التوصل إلى اتفاق بين "الشاباك" الإسرائيلي بموافقة القيادة السياسية والسلطة الفلسطينية على تجميد الإجراءات الإسرائيلية المضادة ضد حوالي 170 مطلوبًا من منظمة فتح في الضفة الغربية وكان الشرط أن يتخلوا عن المقاومة ويسلموا أسلحتهم للسلطة، وأن يكونوا في فترة تجريبية لمدة 3 أشهر ، بعضهم التحق بأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.

كل المطلوبين الذين وافقوا في ذلك الوقت على الترتيب الجديد واجتازوا فترة الاختبار بنجاح حصلوا على حصانة من الشاباك من الاعتقال أو الإغتيال. لاحقًا، تم توسيع الاتفاقية لتشمل 200 مطلوبًا آخرين، ولا يزال الاتفاق ناجحًا و الأمر الذي أدى إلى إخراج الشباب الفلسطينيين من دائرة المقاومة ضد "إسرائيل" دون إراقة دماء.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023