لا تغيير في سياسة السلطة الفلسطينية تجاه المقاومة

يوني بن مناحيم

موقع نيوز "1"


اتصل رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن بوزير الجيش بيني غانتس خلال رأس السنة لتهنئته بالعيد، كما ناقش الجانبان الوضع الأمني في المناطق، وحثه وزير الجيش على عودة السلطة الفلسطينية لمحاربة المقاومة؛ ولكن حتى الآن لا يوجد تغيير جوهري في سلوك السلطة فيما يتعلق بالمجموعات المسلحة في مناطق نابلس وجنين.

المطلوب (مصعب اشتيه) من حركة حماس، الذي اعتقلته قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في مدينة نابلس، بدأ إضرابًا عن الطعام في سجن أريحا وأعلن أنه ينوي الاستمرار فيه حتى إطلاق سراحه، وتوصلت السلطة الفلسطينية إلى تفاهم مع الفصائل الفلسطينية، وتحدثت الجماعات المسلحة في مدينة نابلس عن تهدئة الوضع في المدينة وموافقتها على مناقشة إمكانية الإفراج عن مصعب اشتيه؛ لكن الوضع في مدينتي نابلس وجنين ما يزال متوترًا للغاية، ويمكن استئناف العنف في أي لحظة.

ويقول مسؤولو حماس في منطقة نابلس إنه بعد ساعات قليلة من التوصل إلى التفاهمات مع السلطة الفلسطينية، شنت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية موجة واسعة من الاعتقالات في مدينة نابلس واعتقلت 20 شابًا، وبحسب مصادر في السلطة الفلسطينية، من المتوقع أن تستمر موجة الاعتقالات رغم التفاهم مع السلطة الذي تعهد بعدم اعتقال الشباب الذين شاركوا في موجة الاحتجاجات العنيفة التي اجتاحت مدينة نابلس، وذكرت الشرطة الفلسطينية أن هؤلاء شبان يشتبه في استغلالهم للعنف في المدينة للسرقة والنهب.

يقدم المسؤولون الأمنيون في السلطة الفلسطينية الاعتقالات في نابلس على أنها نجاح للسلطة الفلسطينية وبداية لطريق استعادة السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية على المدينة، إلا أن جهاز الأمن الإسرائيلي لا يعتبر هذه الخطوات بمثابة تغيير جوهري في سلوك السلطة الفلسطينية، وأشار إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن اتخذ قرارًا استراتيجيًا بالعودة لمحاربة المقاومة.

وتقول مصادر أمنية إنه من المحتمل جدًا أن يكون اعتقال المطلوب من حماس مصعب اشتيه في مدينة نابلس من قبل السلطة الفلسطينية "عرضًا" لرئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن قبل خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإظهار المجتمع الذي -على عكس مزاعم "إسرائيل"- يبذل قصارى جهده لمحاربة المقاومة.

يقول مسؤول أمني كبير: "إن شهر عطلة العيد القادم هو اختبار جاد لنوايا السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بالحرب على المقاومة"، إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن قد اتخذ بالفعل قرارًا استراتيجيًا بالعودة ومحاربة المقاومة، فيجب عليه أن يأمر بشن عمليات عدوانية للقوات وأمن السلطة الفلسطينية في مدينتي جنين ونابلس ومخيمات اللاجئين والقرى المحيطة بها، بما في ذلك اعتقال مطلوبين وجمع آلاف الأسلحة غير المشروعة.

اعتقال المطلوبين في مدينة نابلس، مصعب اشتيه ومساعده عميد طبيلة، كما كان الحال الأسبوع الماضي، لا ينذر بتغيير في سياسة السلطة الفلسطينية، لا سيما في ظل الوعد بمناقشة إطلاق سراحه مع الفصائل الفلسطينية، يجب أن يحاكم ويدخل السجن، الخوف في المؤسسة الأمنية هو أن أبو مازن سيتبنى أسلوب "الباب الدوار" لخطة ياسر عرفات، أي اعتقال المطلوبين فقط للمظهر وإطلاق سراحهم بعد أيام قليلة لإرضاء المجتمع الدولي و"إسرائيل".

وأصدرت جماعة "عرين الأسود" المسلحة في مدينة نابلس بيانًا قالت فيه إنها لن تتنازل عن مطالبتها بإطلاق سراح المطلوب مصعب اشتيه.

من جهتها، تنشر السلطة الفلسطينية روايات عن اعتقاله لتورطه في تجنيد الشباب لصالح حماس وتسليحهم، وأن اعتقاله لا علاقة له بمطالبة "إسرائيل" باعتقاله، بل لأنه طعن في حكم السلطة الفلسطينية.

ونشر مسؤولون أمنيون فلسطينيون أنباء لوسائل إعلام إسرائيلية تفيد بأن المطلوب مصعب اشتيه حصل على مبلغ مليون دولار جاء من إيران لشراء أسلحة وذخائر وتأسيس ميليشيا مسلحة في مدينة نابلس.


الوضع في نابلس وجنين متفجر للغاية، والشارع الفلسطيني مليء بالغضب والاستياء تجاه رئيس السلطة الفلسطينية.

أظهر استطلاع للرأي العام الفلسطيني نُشر نهاية الأسبوع الماضي أن 71% من الجمهور الفلسطيني غير راضٍ عن أداء رئيس السلطة أبو مازن. أدى الغضب في الشارع الفلسطيني إلى كسر خوف جيل الشباب من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ولا يخشى الشباب الفلسطيني مواجهة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالحجارة والزجاجات الحارقة وحتى بالنيران الحية، وأفادت مصادر في نابلس أن وفدًا من المدينة سيتوجه خلال الأيام المقبلة إلى سجن أريحا لزيارة المطلوب مصعب اشتيه وتقييم حالته الصحية.


خلافات في الرأي في حركة فتح

يعارض كبار المسؤولين في قيادة فتح اعتقال المطلوبين من قبل مسؤولي الأمن في السلطة الفلسطينية على أساس أن أبو مازن يمكن أن يتورط في حرب أهلية بسبب "إسرائيل"، ويخشى مقربيه، حسين الشيخ وماجد فرج، أن تنطلق العمليات من نابلس وجنين وتقوض حكم السلطة الفلسطينية، وستؤدي في نهاية المطاف إلى عملية كبرى للجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية وتقدم رئيس السلطة الفلسطينية على أنه سفينة فارغة، لذلك يعتقدون أن أبو مازن يجب أن يحافظ على موقفه من التنسيق الأمني مع "إسرائيل".

وسيتخذ رئيس السلطة الفلسطينية القرار النهائي في ظل ضغوط "إسرائيل" والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر والأردن.

يُعد الشهر المقبل، وهو موسم الأعياد في "إسرائيل"، اختبارًا مهمًا للسلطة الفلسطينية، حيث تراقب "إسرائيل" بصرامة تحركاتها على الأرض؛ لمعرفة ما إذا كانت تنوي البدء والتعامل بجدية مع المقاومة في شمال الضفة الغربية، أو ما إذا كانت الأحداث الأخيرة في نابلس واعتقال المطلوبين كانت في الحقيقة "عرضًا إعلاميًا" وحدثًا لمرة واحدة.

إن اعتقال المطلوبين في نابلس من قبل السلطة الفلسطينية هو مثال على التراخي الأمني للسلطة الفلسطينية، فقد نجحت قواتها الأمنية حتى الآن في منع اندلاع انتفاضة جديدة منذ انتخاب أبو مازن لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية عام 2005، لكن موجة العمليات مستمرة وقد تتسبب في اندلاع انتفاضة جديدة.

أدت أحداث عملية "حارس الأسوار" في قطاع غزة في أيار 2021 إلى تعميق تغلغل أفكار "المقاومة المسلحة" بين جيل الشباب في الضفة الغربية، الأمر الذي يلزم السلطة الفلسطينية بمضاعفة الجهود الأمنية لمنع العمليات.

يحتاج رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن إلى أن يقرر إلى أين يتجه ويتصرف، فالقبول لخروج العمليات من الضفة الغربية قد يؤدي إلى سقوطه من السلطة أكثر مما يعتقد، وسيصبح هدف "إسرائيل" تمامًا مثل ياسر عرفات وقد يكون في حالة موت مماثلة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023