عفواً دكتور ناصر القدوة لم ألمس جديداً لديك

أسامة سعد

مستشار قانوني

سعدت بدعوة من جمعية أساتذة الجامعات لحضور لقاء خاص مع د. ناصر القدوة لمناقشة الانتخابات والمستجدات على الساحة الفلسطينية.  

ولقد ضم اللقاء نخبة من أساتذة الجامعات والإعلاميين والكتاب، جرى اللقاء بسلاسة وبساطة وراحة وصراحة، وأقدر عالياً للدكتور ناصر صراحته في تعبيره عن آرائه التي قد نختلف معه عليها دون مجاملة لأي طرف.

بدأ الدكتور ناصر بتوصيف الحالة السياسية التي يمر بها الشعب الفلسطيني والتي نتفق جميعاً على أنها كارثية وقد عبر عن نظرته الخاصة في الحالة السياسية والإدارية في الضفة الغربية وكذلك في قطاع غزة.

ثم طرح الدكتور ناصر رؤيته للخروج من الأزمة السياسية الفلسطينية العالقة منذ حوالي خمسة عشر عاماً والتي ترتكز على أربعة محاور.

أما المحور الأول: فهو عدة مبادي حاكمة تتمثل في طبيعة النظام السياسي الديمقراطية وضرورة اللجوء للانتخابات التعددية لتولي قيادة الشعب الفلسطيني وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أساس الانتخابات وكذلك استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام على أساس الشراكة السياسية وعودة غزة للشرعية -حسب تعبيره- وإعادة بناء هيئات السلطة الفلسطينية.

ثم يعقب تلك المبادئ الحاكمة -حسب رؤيته- آلية إنتقال سياسي مفتوحة لكل من يوافق على المبادئ الحاكمة على ألا تحل هذه الآلية محل المؤسسات القائمة وأن تكون هذه الآلية لفترة محدودة وأن تكون قليلة العدد ولكن تعكس تمثيلاً سياسياً لكل الطيف الفلسطيني وأن العضوية فيها لا تنشئ حقاً.  

ثم تبع ذلك 4 مراحل عمل تبدأ بالمناقشات الأولية مروراً بتشكيل الهيئة الانتقالية ومن ثم عملها وانتهاءً بمرحلة كسر العظم -على حد تعبيره-.

وللحقيقة فإن هذه الرؤية حسب ظني عبارة عن عملية إجرائية كان يمكن لها أن تكون فاعلة لو أنها وضعت كإطار إجرائي لجوهر توافقي وطني موضوعي.  

بمعنى أن أي إطار اجرائي لا يمكن له أن يكون فاعلاً دون مضمون موضوعي يكون هو أساس تشغيل الإطار الإجرائي، ولأقرب المسألة أكثر سأضرب مثلاً "المجلس التشريعي الفلسطيني" الذي ينبغي أن يضم ممثلي الشعب الفلسطيني -لو كان فاعلاً- فإن المجلس لدى قيامه بدوره لا بد أن يحكمه إطار إجرائي يبين طريقة عرض مشاريع القوانين عليه وما هية المراحل التي يمر بها مشروع القانون قبل عرضه والقراءات التي يمر بها وطريقة التصويت حسب الأغلبية المطلوبة لكل موضوع وإنتهاءً بإصدار القانون الذي يكتسب صفة الإلزامية بعد إقراره وفق الأصول الإجرائية التي ذكرت، ولكن هذه الإجراءات تبقى أصول تحتاج إلى الموضوع الذي تفعل هذه الأصول بطرحه، فلا يمكن أن يجتمع المجلس دون أن يكون هناك مواضيع هي أساس اجتماع المجلس ثم تفعيل الأصول حتى تتحول تلك المواضيع المطروحة من أفكار ومشاريع إلى قوانين ملزمة.

ورؤية الدكتور ناصر هي بالضبط عبارة عن إجراءات وأصول للعمل دون موضوع مطروح للنقاش، ولذلك عندما توجهت له بالسؤال حول ضرورة وجود برنامج وطني متفق عليه نخاطب به العالم والإقليم وحتى العدو يكون هو قاعدة النقاش التي ستطبق عليها الرؤية الإجرائية المقدمة من طرفه -خاصة وأن السبب الرئيس في الانقسام الفلسطيني المستحكم هو تناقض البرامج السياسية بين مكونات العمل السياسي الفلسطيني ما بين برنامج المقاومة وبرنامج التسوية السياسية- وتفاجأت برد دبلوماسي بأن الفصائل كلها ليس لديها برامج سواء تلك التي تتبنى الـمقاومة أو تلك التي تتبنى التسوية السياسية -حسب رأيه- على إعتبار أن مشروع التسوية إنهار ولم يبقَّ منه إلا التنسيق الأمني وأن مشروع الـمقاومة "غير فاعل".

للحقيقة شعرت أن الرؤية المقدمة من د. ناصر لا تعدو أن تكون محاولة لتغيير القيادة المتحكمة في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير مع الإبقاء على برنامج منظمة التحرير القائم على حل الدولتين الذي لا زال د. ناصر مؤمن به، ولذلك أعتقد أن الدكتور ناصر مع كامل الاحترام لشخصه لم يقدم للشعب الفلسطيني جديداً وإنما كل المسألة هي حالة تمرد داخل في حركة فتح على طريقة إدارة أبو مازن لتفاصيل الشأن الفلسطيني وتحكمه التام في تلك التفاصيل كافة.

الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة للخروج من هذه الازمة الكارثية المستحكمة التي تسعى كثير من الأطراف لإبقاء الشعب الفلسطيني غارقاً فيها لأطول فترة ممكنة من خلال رؤية وطنية استراتيجية جامعة يتفق عليها وطنياً تكون أساساً للعمل الوطني والتداول السلمي على السلطة، ومن خلالها يتم إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، عند ذلك فقط تستطيع القول إن قطار الشعب الفلسطيني انطلق على سكة متينة تنتهي حيث طموح وآمال شعبنا.  


غزة في 28/9/2022

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023