القناة الـ 12
اللواء (احتياط) تامر هيمان
مدير معهد دراسات الأمن القومي INSS
الرئيس السابق لجهاز الأمن القومي.
أثارت اتفاقية الحدود البحرية مع لبنان خطابًا إعلاميًا واسعًا، وهي جزء من الحملة الانتخابية لجميع الأطراف المعنية وأثارت جدلًا عامًا مؤيّدًا وضدًا.
أبعاد التحليل:
الجانب الأمني المحدود: أي جانب حماية حدود الدولة، جانب ميزان الردع ضد حزب الله.
الجانب الجغرافي الاستراتيجي: هو في ضوء التغيرات العالمية الهامة في الساحة العالمية.
الجانب الأمني: المصلحة الدفاعية وأمن الشمال
• المياه السيادية: هذا شريط بعمق 12 ميلاً بحرياً (حوالي 20 كم)، ولا يوجد خط حدودي متفق عليه مع لبنان، وبعد الانسحاب في عام 2000، اعتمد الأمن المستمر للبحرية على خط العوامات التي تحددها "إسرائيل" بشكل تعسفي، ويقع هذا الخط على عمق حوالي 5 كم ضروري لحماية رأس الناقورة والجبال من تسلل المقاومين/الغواصين.
الخلاصة والتقييم:
على ما يبدو لم يتم التوصل إلى حل وسط إسرائيلي في هذا القسم وتم تحقيق الاحتياجات الأمنية المشتركة للبحرية بالكامل، فعلى الرغم من أن هذه مسألة تكتيكية، وأن الرد على تهديد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ليس هو الحل الحالي، إلا أنه من الجيد عدم التوصل إلى حل وسط، فإن وجود السفن البحرية ورؤيتها على خط العوامات أمر مهم، هذا مهم للشعور بالأمن لسكان الساحل الشمالي، وهو مهم كرادع ضد حزب الله.
• وماذا عن الـ 15 كيلومتراً وراء خط العوامات؟ هنا بحسب ما هو واضح في الاتفاق، تنازلت "إسرائيل" وانسحبت إلى الخط 23 (الخط الذي قدمه لبنان).
تحليل وتقييم:
التهديدات لـ"إسرائيل"، في العمق من الأراضي لا يتم التعامل معها من خلال وجود مادي على خط الحدود، في عمق البحر، يعتمد الدفاع على الكشف عن التهديد على مسافة كبيرة من حدود "إسرائيل"، ولا تحتاج قدرات "إسرائيل" الحربية الكهرومغناطيسية والحركية هذا الجزء من الأراضي لغرض الدفاع، كما يمكن تقديره بدرجة عالية من الثقة أنه لم يتضرر شيء في القدرة الدفاعية بسبب التنازل المذكور أعلاه.
• المياه الاقتصادية: ليس لدى "إسرائيل" اتفاقية مائية اقتصادية مع لبنان
مثل هذه الاتفاقية هي في الواقع اتفاقية اقتصادية ثنائية، كما وقعتها الحكومة الإسرائيلية مع قبرص في الماضي، (أفترض أن القارئ لا يتذكر، وهو محق في ذلك، عندما تم التوقيع عليه -يتم توقيع اتفاقيات التجارة الدولية بشكل متكرر وقلة قليلة من الأشخاص على دراية بمحتواها- وهذا يهم أصحاب المصلحة الاقتصاديين بشكل أساسي، السياق الأمني في هذه الحالة قبلنا خلق الاهتمام الإعلامي)، بحسب الاتفاق الظاهر، تخلت "إسرائيل" وتبنت الخط اللبناني 23.
التحليل والتقدير: لا معنى لهذا الامتياز من وجهة نظر حماية المياه الاقتصادية، حيث ستحمي البحرية منصة القرش بنفس المستوى من الفعالية سواء على الخط 23 أو أي خط شمالي آخر.
الجانب الاستراتيجي: ميزان الردع ضد حزب الله
يمكن تفسير التنازل الإسرائيلي على أنه قابل للانهيار في وجه تهديد نصرالله، والمعنى تآكل آخر في ميزان الردع المتبادل ضد التنظيم، وقد يؤدي هذا التآكل إلى تقوية شعور نصر الله بالثقة المفرطة وغير المبررة بالنفس، فهذا الوضع أقل استقرارًا، وقد يؤدي في المستقبل إلى سوء إدارة نصر الله للمخاطر بطريقة تقوض الأمن على الحدود الشمالية.
ويقدم نصرالله الاتفاق على انه إنجاز للبنانيين بفضل سلاح المقاومة، هذه إجابة رابحة على منتقديه الجدد، الذين تساءلوا عن ضرورة الاستمرار في امتلاك السلاح، وتساءلوا عن سبب كون منظمة شيعية إيرانية مسلحة هي القوة الرئيسية في لبنان المحطم.
لا ينبغي أن نستنتج أن هذا التآكل سيشجع نصرالله على الهجوم، إنه لا يزال مدركًا للميزة المطلقة للجيش الإسرائيلي، ومن المرجح أنه لا يزال يحمل في ذاكرته العنصر غير المتوقع لرد "إسرائيل" كما تجلى في حرب لبنان الثانية.
التغيير الرئيسي الذي حدث منذ ذلك الحين هو الخطاب الإسرائيلي في أيام المعركة، فهذا التصور يشجعه على إدراك أن ليس كل صراع مع "إسرائيل" يعني حرب لبنان الثالثة؛ لذلك فإن التقدير الرائد هو أن حرباً واسعة من شأنها أن تجلب كارثة على لبنان هي ضد المصلحة اللبنانية والإيرانية تماماً في هذا الوقت، لكن نصرالله قد يجرؤ على المجازفة بمواجهة محدودة مع "إسرائيل"_صراع من المرجح جدًا أن يتصاعد إلى حملة شاملة بسبب ديناميكيات التصعيد.
قضية أخرى ذات أهمية إستراتيجية هي العلاقة السياسية مع لبنان، فالاتفاق هو في الواقع اعتراف لبنان بدولة "إسرائيل"، على الرغم من أن هذا ليس تطبيعًا، إلا أنه بلا شك خطوة في الاتجاه الصحيح.
الجانب الجغرافي الاستراتيجي - استقرار الشرق الأوسط في عصر النضال من أجل نظام عالمي جديد
وفقًا للاتفاقية، ستستفيد "إسرائيل" ولبنان من خلال استخلاص الغاز من المياه الاقتصادية، حيث يحتاج لبنان إلى الغاز أكثر بكثير من "إسرائيل"، وربما يكون هذا هو العنصر الوحيد الذي يمكن أن يخفف قليلاً من وضعه الاقتصادي السيئ.
اليوم، للغاز أهمية جغرافية استراتيجية. تلقينا دليلاً على ذلك بقرار روسيا وقف تصدير الغاز إلى أوروبا، فهذه الاضطرابات العالمية تؤدي إلى تقويض الأمن في العولمة.
تستعيد الدول القومية السيطرة على حدودها في مواجهة موجات الهجرة، حيث عادت البلدان إلى الاستثمار في قدرات الإنتاج المحلية من الموارد الأساسية للاقتصاد الوطني، ولذا ننتقل إلى اقتصاد عالمي أكثر لامركزية وبالتالي يتحقق استقرار الاقتصاد العالمي على حساب الكفاءة الاقتصادية للعولمة.
في ضوء ذلك، فإن القدرة على الإنتاج الذاتي للغاز في لبنان ستزيد من استقلاليته، وفوق كل شيء، سيمنع إيران من رعاية اقتصاد الطاقة اللبناني وبالتالي إكمال سيطرتها الفعلية على البلاد.
بشكل عام، هذه اتفاقية جيدة وهامة، فالاتفاق يحسن الوضع الاقتصادي "لإسرائيل" ولا يضر بحماية الحدود الشمالية، ومن وجهة نظر استراتيجية واسعة، تبرز أهميتها على خلفية الواقع العالمي للنضال من أجل نظام عالمي جديد، فلقد قدمت "إسرائيل" تنازلات، لكن أمام الولايات المتحدة، كما يشكل في هذا الوقت، من التسوية والحل لأزمة الطاقة في لبنان حكمة سياسية ضرورية في ظل السياق العالمي المضطرب.
وملاحظة تحذيرية في النهاية: الاتفاق يعزز مكانة حزب الله في لبنان ويعزز ثقته بنفسه، وجدير بالذكر أن هذه الظاهرة ليست جديدة، وتتأثر أيضًا بسياسة "إسرائيل" في استخدام القوة في لبنان (تجنب العمل العلني)، وبدعم إيران للتنظيم.
الدعم الذي يقوي حزب الله نسبيًا مقارنة بالفئات الأخرى التي تزداد ضعفاً في لبنان المتضارب والهش والمنهار، وإن استمرار هذا الوضع على المدى الطويل يزيد من التحدي في الحفاظ على الأمن والاستقرار على الحدود الشمالية.