هآرتس
ياسمين ليفي
في نهاية الأسبوع بدا أن "هآرتس" قد حشدت لـ "مهرجان نتنياهو"، حيث نُشرت مقالات مستفيضة وطويلة في الصحيفة عن شخصية ونظرة العالم لشخص يرى نفسه على أنه نسخة متفوقة من ونستون تشرشل ومارجريت تاتشر والملك ديفيد، بينما رسم كل من توم سيغيف وأنشيل بيبر، كلٌّ على حدة، صورة متعمقة ومضللة لزعيم المعارضة، قام بنيامين نتنياهو في حد ذاته بصياغة عمود دعائي متناقض وشخصي للقراء تفاخر فيه بـ "إنجازاته" في وقت لاحق، وكأنه تقاعد من السياسة وبدأ البحث عن نفسه، وكان هدفه الحقيقي الترويج لكتابه الجديد "بيبي".
من السخف بعض الشيء تجاهل نتنياهو في العامين الماضيين والالتقاء فجأة لمناقشة متعمقة لشخصية "رجل الدولة العظيم ومنقذ الشعب اليهودي" التي يحاول نتنياهو تسويقها دون انقطاع، وكأنه نسي أننا نعيش جميعاً هنا ونعرف جيداً من هو وماذا يفعل.
في وقت حساس، قبل أسبوعين من الانتخابات الخامسة، لم يكن هناك حقاً أي مبرر لابتلاع حبة الحنين الانتقائية لنتنياهو، عندما كان نموذج مختلف تماماً لرجل يطفو في الفضاء العام لفترة طويلة_ رجل أكثر خطورة لليأس والقلق أكثر من أي وقت مضى.
مع كل الاحترام للتحديات الوطنية التي وصفها نتنياهو في مقالته "مثلث السلام الحديدي"، فإن المثلث الذي يوجهه منذ سنوات هو مثلث بنيامين -سارة -يائير (مثلث العائلة السام) طبعاً لم يكتب عنه.
على الرغم من أن ذكاء نتنياهو وخطابه المثير للإعجاب لا يمكن تجاهله، ولكن في اختبار النتيجة، فإن نقاط ضعفه وشخصيته الخاضعة أمام زوجته وابنه الأكبر -وفقاً لشهادات منشورة لا تعد ولا تحصى- هي التي توجه عمليات صنع القرار لديه إلى النقطة التي يصبح فيها خطراً على البلاد.
قبل أيام قليلة فقط، في "استوديو الجمعة"، كشف أمنون أبراموفيتش أن نتنياهو نسق مع عضو الكنيست إيتامار بن غفير أنه إذا حصل على 61 مقعداً، فإنه سيتصل به هو وشريكه، عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، ولن يشكلوا حكومة بدونهم.
يحتمل أن "نتنياهو العجوز" يفضل حكومة ليست يمينية متطرفة، ولكن في ضوء اعتباراته الحالية المتعلقة بمحاكمته، لن يتردد في التضحية بعلاقات "إسرائيل" وصداقاتها من أجل صديقه المفضل بن غفير.
لهذا السبب حذر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، روبرت مينينديز، وهو صديق حقيقي لـ"إسرائيل"، مؤخرًا فقط: "إذا ضم نتنياهو عناصر يمينية متطرفة في حكومة مستقبلية، فسيكون لذلك عواقب سلبية على العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل".
كانت قضية أييليت شاكيد توضح -أيضاً- لفترة طويلة أن نتنياهو يتصرف من أماكن مظلمة وعاطفية وشخصية وليس من المنطق السليم، والأكثر من ذلك_ إلى أي مدى لا تكون قراراته بالضرورة قراراته.
رئيس البيت اليهودي يتوسل لأن يصل إلى 61، لكن رينا تمكنت من القول إنه في نفس الاجتماع التنسيقي مع بن غفير، أطلقت سارة النار بقوة على رئيس عوتسما يهوديت: "يجب عليك ألا تساعد شاكيد فهي غير موثوقة".
منذ تقديم لائحة الاتهام ضد نتنياهو في ملف الآلاف، تجاوز رئيس الوزراء السابق كل الحدود الأخلاقية والمعنوية، فيمكنه الحديث -حتى يوم غد- عن "السلطة السياسية"، لكن إرثه ينحصر في ذلك الإطار المخزي من عوالم المافيا الصقلية حيث يقف خلف منصة في المحكمة المركزية في القدس محاطًا بأغبياء يتم استخدامهم.
ولفهم المدى الذي سيقطعه المتهم لتحقيق أهدافه، يكفي أن نتذكر الطريقة التي يُزعم أنه متورط بها في القضية المقززة التي سجل فيها الحاخام هابورا (الذي تحدث معه نتنياهو) مستشار بيني غانتس في ذلك الوقت، يسرائيل بكر، مستهزأة برئيس حزب أزرق أبيض في ذلك الوقت ورئيس معسكر الدولة اليوم.
من المهم الخوض في هذا لأنها لحظة ضعف لا يمكن تصورها توضح كيف يعمل نتنياهو في الساحة السياسية، وبالمناسبة، لم يكن لدى غانتس الوقت الكافي للتعافي من جراحة الظهر عندما سمع -لأول مرة- أن نتنياهو استبعده من المفاوضات التي وافق فيها على بيع طائرة F-35 للإمارات العربية المتحدة، موشيه (بوجي) يعالون الذي تم استبعاد من قرار التصريح للمستشار الألماني ببيع غواصات لمصر، وهذا بالطبع ليس سوى جزء ضئيل.
"نتنياهو الجديد" معني بشكل رئيسي بالسياسة القذرة، فاعتباراته الشخصية هي التي ترشده ولا تتماشى دائمًا مع المصلحة الوطنية، فقد تحدث نتنياهو في مقاله في صحيفة "هآرتس" عن التهديد الإيراني لكنه "نسي" أن يشرح لماذا جعل اليسار تهديداً وعدواً فقط لأنه لا يؤيده.
لقد دمر هو وأتباعه لمدة 12 عامًا الثقة في مؤسسات الدولة، وقاموا بتقسيم الخطاب العنيف وحلّه وإضفاء الشرعية عليه، وقد امتد العنف نفسه بالفعل إلى المظاهرات التي تجري على الجسور وفي أماكن أخرى في جميع أنحاء البلاد.
نتنياهو هو الذي سحق التضامن المدني في "إسرائيل"، والدولة التي تفتقر إلى التماسك الداخلي هي دولة ضعيفة.
يتحدث عن "آلة شريرة" من الخارج، ولكن الآلة السامة التي يجب القلق بشأنها هي تلك التي بناها بيديه ويديرها بلا توقف.