الصحفي روعي قيس
ترجمة حضارات
قبل ثلاثة أشهر فقط، كان مهرجان الإعلام على قدم وساق، وصل رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، في زيارة تاريخية إلى جدة في غرب المملكة، مباشرة من "إسرائيل"، زيارة كان من المفترض أن تفتح صفحة جديدة في العلاقة المتوترة بين الرياض وواشنطن، أو بشكل أدق بين إدارة بايدن وولي العهد محمد بن سلمان، الذي تحمله الإدارة الحالية مسؤولية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
مرت ثلاثة أشهر، ويبدو أنه لم تكن هناك زيارة أو بالأحرى كانت هناك زيارة، لكن لم يتغير شيء؛ فقط لإنعاش الذاكرة، مع كل الاحترام لانفتاح أجواء المملكة العربية السعودية على الطائرات الإسرائيلية والقضية الإيرانية، وصل رئيس الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية بعد تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وهي الحرب التي خلقت الصدمة في أسواق الطاقة والنفط بشكل خاص.
كانت رغبة الجانب الأمريكي هي أن السعوديين سيعوضون نقص النفط في أعقاب الحظر الغربي على روسيا، ويعوضون عن نيتهم إنتاج المزيد من براميل النفط يوميًا، لكن السعوديين أو بالأحرى بن سلمان لم يأتوا لمساعدة الصديق منذ الزيارة.
في أغسطس الماضي، أعلنت منظمة أوبك بلس، منظمة أكبر مصدري النفط في العالم (بقيادة المملكة العربية السعودية)، أنها ستزيد الإنتاج في سبتمبر بمقدار 100 ألف برميل فقط، وهي زيادة كبيرة لا يمكن أن يكون لها أي تأثير على ارتفاع أسعار الوقود، في الولايات المتحدة، الأمر الذي يقلق بشدة انتخابات التجديد النصفي للإدارة الأمريكية.
لكن الضربة أو بالأحرى الصفعة جاءت قبل أقل من أسبوعين، عندما أعلنت منظمة أوبك بلس عن خفض إنتاج براميل النفط إلى مليوني برميل يوميًا في شهري نوفمبر وديسمبر، وهو أكبر خفض منذ انتشار وباء كورونا.
خرجت الإدارة الأمريكية عن مسارها واتهمت السعوديين بالوقوف إلى جانب روسيا، وهي أيضًا عضو في منظمة أوبك، ضد الأمريكيين، على خلفية التهديدات الأمريكية بتجميد صفقات السلاح مع السعودية وإعادة تقييم العلاقات مع المملكة، التي تعتبر حليفا استراتيجيا وتاريخيا للولايات المتحدة.
لم تكن صفحة الرسالة السعودية طويلة، النفط ليس سلاحًا لنا، هذا قرار اقتصادي بحت ولا يستهدف الولايات المتحدة، فكل الاتهامات التي تفيد بأن السعودية صديقة لروسيا غير صحيحة.
في لحظة مثيرة للاهتمام نهاية الأسبوع الماضي، قررت المملكة العربية السعودية تحويل 400 مليون دولار إلى أوكرانيا كمساعدات إنسانية مباشرة، بعد مكالمة هاتفية بين ولي العهد السعودي بن سلمان، الذي أصبح في هذه الأثناء رئيس وزراء المملكة العربية السعودية مع رئيس أوكرانيا زيلينسكي.
ذكرتني الأزمة الحالية بما قاله لي المعلق السعودي أحمد الإبراهيم قبل وصول بايدن إلى المملكة: "السعودية ليست محطة وقود؛ إذا كان يعتقد أنه سيأتي فقط من أجل النفط، فعندئذ لدينا سياسة سيادية بخصوص النفط، نتمنى أن تكون هناك قضايا جيدة أكثر من أن يناقشها بايدن مع القيادة السعودية".
كما ذكرني بما أخبرتني به مصادر حول البيت الملكي السعودي في آذار (مارس) الماضي، والتي عبرت عن تشاؤم كبير حول فتح صفحة جديدة بين الرياض والإدارة الحالية في واشنطن: "الحل هو انتظار انتهاء ولاية إدارة بايدن"، فيما اتهم الحزب الديمقراطي بمحاولة تدمير العلاقات بين البلدين.
لكن الأهم من ذلك كله، أن هذا ذكرني بالمقابلة المؤثرة التي أجراها ولي العهد السعودي بن سلمان، مع المجلة الأمريكية The Atlantic، والتي أوضح خلالها أن الأوقات التي تكون فيها المملكة العربية السعودية في جيب الولايات المتحدة قد ولت: "المملكة العربية السعودية ليست دولة صغيرة، إنها من بين دول مجموعة العشرين (الصناعية)، من الدول ذات أسرع معدل نمو في العالم، وهو ما يقودنا إلى السؤال، أين هي موارد العالم؟ الجواب في المملكة العربية السعودية، إذا كنت (الولايات المتحدة) تريد أن إضاعتها، فهناك أناس آخرون في الشرق سيكونون سعداء للغاية، أناس تحاولون في نفس الوقت إيقافهم".
حتى اليوم، أعتقد أن هذه المقابلة المعنية، والتي لم تحظ باهتمام إعلامي كافٍ، حددت الطريق للمجيء ليس فقط للسعودية، بل لدول أخرى في الخليج، في ظل خيبة الأمل من السياسة الإقليمية للإدارة الأمريكية الحالية (خاصة فيما يتعلق بإيران والشركات التابعة لها)، لم يعد السعوديون وشركاؤهم يضعون كل بيضهم في سلة واشنطن، لكنهم يدرسون الخيارات في مكان آخر، مع التركيز على الشرق.
بينما يرغب كل من الولايات المتحدة والغرب في رؤية العرب بوضوح، في معسكرهم ضد روسيا عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا، فإن العرب والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص يرفضون ممارسة هذه اللعبة، بل على العكس من ذلك، فهم يحاولون أن يروا كيف يمكنهم تعزيز مكانتهم على الساحتين الإقليمية والدولية كوسطاء فعالين.
انظر إلى صفقة تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا التي رعاها بن سلمان مؤخرًا، انظروا إلى زيارة رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، في موسكو لبوتين، وهي زيارة تم التخطيط لها مسبقًا، لكنها تمت بعد يوم من هجوم روسيا المميت في كييف.
في الوقت الحالي، لا يبدو أن الأزمة بين الأمريكيين والسعوديين سوف تهدأ، في ظل نية إدارة بايدن معاقبة السعوديين على التحرك في أوبك.
كما رأينا في الماضي، الرياح لا يزال من الممكن تهدئتها ولا يزال من الممكن حل الأزمة بطريقة أو بأخرى من خلال التشدق بالكلام والشؤون الخارجية، ولكن لا نخطئ؛ هناك اتجاه هنا من المتوقع أن يذهب ويتجاوزه، لم يعد السعوديون وشركاؤهم يقفون بشكل أعمى على جانب الغرب، وهذا من المحتمل أن يؤثر علينا في المستقبل أيضًا.