عدي التميمي يغتال منظومة الأمن الإسرائيلية

مهند شريم

الباحث في الشأن الصهيوني

بقلم/ مهند شريم



لا زالت إسرائيل تعيش على السيف منذ أن وطأ الصهاينة ثرى فلسطين؛ وقد بنت منظومتها الاقتصادية السياسية والاجتماعية على اعتبارات منظومتها الأمنية التي كانت ولا زالت تحدد استراتيجيتها بناء على عدد أعدائها الحقيقيين أو المتوهمين، ولا زال خطاب بن غوريون منذ النكبة عن ذلك الشعب الفلسطيني الذي يشبه النازيين، ويسعى لحرق الشعب اليهودي مرة أخرى، وكذلك أسطورة الشعب اليهودي الذي يشبه الفتى داوود في مواجهة الطاغية جالوت، خطاباً واقعاً ومستوعباً في كل منظومات الدولة العبرية، كل ذلك من أجل إيجاد المبرر الأخلاقي لقتل الشعب الفلسطيني وطرده واحتلال أرضه؛ ولأجل ذلك كله التزمت العقيدة العسكرية الأمنية الإسرائيلية في تحقيق هذا الهدف وشرعنته، وقد اعتمدت في ذلك على عدة مرتكزات تمكن المجاهد البطل عدي التميمي من نسفها واحدة تلو الأخرى، وذلك على النحو التالي:  

أولا- الردع وهو الفعل العدوانيّ المتراكم من قبل العدو الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني، لإيصال الشعب الفلسطيني عبر مفهوم الجدار الحديدي إلى معنى مفاده، أن مقاومة هذا الكيان لا تجدي نفعا وأن التسليم أو الاستسلام لمواجهته أمرٌ حتميٌ لا بد منه؛ ولكن هذه المرة كسره عدي التميمي وهو جيل متأخر من أجيال النكبة، حمل سلاحه وقاتل عدوه وحلمه بالعودة، وهو ما يثبت أن مسألة كي وعي الشعوب والأجيال الشابة منها، وردعهم أمر متعثرٌ وربما مستحيل.  

ثانيا- الإنذار المبكر عاشت إسرائيل ولا زالت؛ على أسطورة جهاز الشاباك الذي يعرف كل شيء ولا يتم أمر إلا بعلمه، وحتى إن تجاوز أحد ذلك فإن مصيره الحتمي أن يقع في أيديهم قبل أن يلتقط أنفاسه، لذلك سعى الجهاز لإخبار الشاب الفلسطيني خبر مفاده، لا تفكر وإلا ستجدنا بين ثنايا أفكارك، وها هو عدي يفكر ويجهز سلاحه، وينقض على الحاجز العسكري المدجج بالسلاح فيطلق النار من نقطة الصفر، وينسحب آمنا مطمئنا وكل ذلك دون أن يعلم الشاباك عنه شيئا، ولم يتمكن من إنذار جنوده مسبقا؛ ليأخذ احتياط.  

ثالثا- نقل المعركة إلى أرض العدو، تعرف إسرائيل أن خاصرتها الأمنية ضعيفة، وحزامها الأمني لا يقوى على تلقي الضربات عن قرب؛ لذلك تسعى إلى نقل المعركة إلى أرض العدو لكي يعيش هو في حالة مطاردة دائمة؛ وأن يسعى المجاهد إلى تأمين ملجأ له قبل أن يفكر في الضرب مرة أخرى؛ وهذا يفسر دخولها المتكرر إلى مخيم جنين ومحاصرتها لنابلس كي تواجه المجاهدين هناك؛ لا أن تجدهم على الشوارع الالتفافية يصطادون الجنود والمستوطنين ،ولا في قلب الجبهة الداخلية يجزرون طوقها ويرعبون ساكنيها؛ وكذلك ما قامت به الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في مخيم شعفاط وعناتا وما حولها، بقصد أن ترعب عدي وتجعله يبحث عن مخبىءٍ يحتمي فيه، ولكنه فاجئهم فقد استطاع أن ينتقل من مكان إلى آخر رغم الطوق الأمني الشديد، تمكن من التزود بالسلاح رغم الملاحقة واستطاع أن يختار هدفاً ويذهب إليه ويطلق النار من نقطة صفر ويصيبهم، فهو بكل ما فعل لم يطلق الرصاص على الحاجز الصهيوني وحسب، بل أطلق رصاصته على رأس جهاز الشاباك، وقال لهم "في الأحد عشر يوما التي مضت لم أكن مطارَداً لكم؛ بل كنت أطاردكم".

على ضوء كل ما ذكر فإن الرسالة التي حملها عدي لم تكن خاصة به؛ بل هي إلى كل فردٍ همه تحرير الأرض والإنسان والانتصار للحرائر والمرابطات في المسجد الأقصى، وليقول للشباب أن عدوكم يمكن اختراقه ويمكن لكم أن تذيقوه سوء العذاب، وهذا أمر قام به المجاهدون من قبلي وهو مفتوح للمجاهدين من بعدي بقليل تدبيرٍ وتفكير، وكثير من التوكل على الله رب العالمين، وليكن شعاركم عش مطارِداً لا مطارَداً .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023