لماذا ينوي مواطنون عرب الامتناع عن ممارسة حق الاقتراع خلال انتخابات الكنيست القادمة؟

هآرتس

ضياء الحاج يحيى


كانت "فاطمة العاصم" ابنة تل السبع، التي تبلغ الـ42 عامًا، من أشدّ المؤمنين بالنهج الديمقراطي؛ حيث حرصت على ممارسة حقها باختيار ممثّليها في الكنيست بشكل ثابت، ولم تيأس رغم تكرار الانتخابات ووصولها إلى طريق مسدود، لكن كانت الدورة الأخيرة (القشة التي قصمت ظهر البعير)، أو بالأحرى ما حدث بعدها.

انتخبت العاصم -وكسائر سكان النقب العرب- القائمة العربية الموحدة، وصرّحت قائلة لهآرتس: "إنه وعلى الرغم من انضمام الحزب إلى الائتلاف الحكومي بفضل أصوات أبناء النقب، إلّا أنّ الدولة لم تتوقف عن ملاحقة سكان النقب".

قالت العاصم لهآرتس: "اعتدتُ التصويت دائمًا، رغم تقديم ممثلي الجمهور وعودًا فارغة لا يفونَ بها"، وأضافت قائلة: "انتخبَ الدورة الأخيرة معظم العرب مواطنو النقب القائمة العربية الموحدة، بل وكانت أصوات النقب مَن ساعدتها على اجتياز نسبة الحَسم لتنضمَ للمرة الأولى للائتلاف، ولكن ومع الأسف، لم يمنع انضمامها هذا عمليات الهدم في النقب، التهجير، الجريمة والعنصرية المستفحلة تجاهنا، أقنعونا أن باستطاعتنا التأثير من الداخل في حال انضمامنا للائتلاف، كان هذا ما فعلناهُ، لكن الواقع لم يتغير؛ لذا لن أنتخب هذه المرة، بل ولا أعتقد أنني سأفعل ذلك مستقبلًا".

تبذل الأحزاب العربية جهوداً جبارة من أجل زيادة نسبة تصويتِ الشارع العربي، ولكن من المتوقع أن تصل نسبة الاقتراع للكنسيت خلال هذه الدورة أدنى معدلاتها، فوفقًا لاستطلاع رأي أجراه معهد (ستات نت) التابع ليوسف مقالدة، وشمل 500 مُستطلع، من المتوقع أن تبلغ نسبة اقتراع المواطنين العرب هذه المرة %43.5.

يُعتبر هذا المعطى -ومقارنة بنسبة اقتراع الانتخابات التي أجريت في آذار 2021 (%44.6) مُتدنياً جداً-، بل وتعتبر نسبتهُ أقل من معدل نسبة الاقتراع التي شهدناها خلال دورات الانتخابات الثلاث السابقة، وعليه فإذا تحقق هذا السيناريو، فستشهد نسبة الاقتراع أدنى مستوياتها على الإطلاق.

تحدثت "هآرتس" مع ثمانية مواطنين عرب ينوونَ الامتناع عن ممارسة حق الاقتراع خلال انتخابات الكنيست القريبة؛ لتتعرف عن قرب على أسباب اتخاذهم هذا القرار.

شملت أسباب امتناعهم من بين عدة أخرى، خيبة أملهم من المنظومة السياسية- سواء انضم ممثلوها للائتلاف الحكومي خلال السنة ونصف الماضية أم امتنعوا عنه، اليأس من احتمال تحسين وضع المجتمع العربي من خلال النضال في الكنيست، والشعور بالعجز عن تغيير واقعهم.

يقول محمد جبارين، ابن أم الفحم، البالغ من العمر 65 عامًا، إنّه اعتاد ممارسة حقهِ بالاقتراع للكنيست، ولكنه سيمتنع هذه المرة عن القيام بذلك، حيث صرّح جبارين لهآرتس أنّه أصيب بخيبة أمل من أداء الأحزاب العربية، اليسارية والوسطية، والتي من وجهة نظره "حادت عن طريقها السياسي والنضالي وأثبتت ضعفها أمام اليمين".

وأشار جبارين -أيضًا- أنّ الأحزاب العربية المختلفة غير قادرة على تحقيق المساواة بين المواطنين اليهود والعرب، وتابع قائلاً: "لم نتمكن من التأثير أيضاً عندما نالت القائمة المشتركة 15 مقعدًا، فلم يتغير شيئ حتى خلال فترة حُكم الحكومة التي اعتبرت نفسها يسارية، وضمت لصفوفها حزبًا عربيًا".

وأضاف جبارين أنّه سيقاطع الانتخابات: "كي تدرك القيادة الإسرائيلية والعالم أجمع أنّ "إسرائيل" ديمقراطية لليهود فقط"، وتابعَ قائلاً: "نسي أعضاء الكنيست العرب أنّهم يمثلونَ -وبالإضافة لمطالبتهم بإنهاء الاحتلال وإنشاء دولة فلسطينية- شريحة سكانية ما زالت تتعرض للظلم والعنصرية، بل ونسوا أنهم يمثلون شريحة تفتقر مدنها وقراها لبنى تحتية، سَكن، فرص العمل، تعليم وخدمات رفاه اجتماعي التي يشكل غيابها سبباً رئيسياً لاستفحال العنف في مجتمع العربي".

وختم جبارين قوله: "لا يمكننا التنازل عن هذه الأمور، لكن، أخفقت الأحزاب العربية في السعي والإصرار عليها، ويتحتم على "إسرائيل" إنهاء الاحتلال، ولكن عليها أيضًا منح مواطنيها العرب كامل حقوقهم".

لن تشارك -أيضاً- هيا فَنة، ابنة الطيبة، البالغة من العمر 26 عامًا، في انتخابات الكنيست الوشيكة، رغم قيامها بذلك في السابق، وأشارت فَنة أنّها غير راضية عن أداء الأحزاب العربية، ونَوهت أنّ رفض الأحزاب الوحدة زعزع ثقة الناخبين بهم.

وصرّحت فَنة قائلة: "يجري كل حزب وراء مصلحته فقط، وعليه تفتَتت الوحدة التي كان باستطاعتها التحول لقوة مَتينة"، وتابعت فَنة قائلةً: "تحمل مقاطعة الانتخابات رسالة عدم رضا عن أداء الأحزاب العربية في الكنيست خلال السنوات الأخيرة، فيتعين على الأحزاب الاتفاق على بلورة كتلة واحدة من أجل تحقيق أهداف مشتركة تخدم المجتمع العربي برمته، الأمر الذي قد يساهم من جديد ببناء الثقة بها".


"المجتمع العربي يريد الاندماج"..


أضاف بروفسور "أمل جَمال" -الذي يعمل في قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، ويدير أيضا معهد والتر ليباخ لأبحاث العلاقات اليهودية-العربية- في هذا المضمار قائلاً: "لاقى اتحاد الأحزاب العربية من أجل زيادة تأثيرها على السياسات الحكومية في الماضي استحسان المجتمع العربي، وعليه انعكس من خلال نِسبِ التصويت المرتفعة خلال الانتخابات.

وقال جَمال: "يرغب المجتمع العربي بالاندماج بشدة، بل ويود تحسين ظروف حياته، لكنه يَعي أيضاً أن هذا التغيير لن يحدث إلا في حال استطاعت الأحزاب العربية التأثير على السياسات الحكومية، بل يَعي -أيضاً- وفي ظل التشرذمِ الحزبي أنّ قيادته تسعى وراء مصالحها الحزبية الضيقة لا وراء المصالح العامة، الأمر الذي قد يخلق خيبة أمل وتقاعساً عن الاقتراع".

تجسدُ أقوال سهام أبو عرقوب، ابنة اللد، البالغة من العمر 26 عامًا، والتي تنوي الامتناع عن الاقتراع، أقوال جَمال روحاً ومضموناً، حيث صرّحت أبو عرقوب لهآرتس قائلة: "ما أحاول قوله للأحزاب العربية من خلال مقاطعتي للانتخابات هو التالي، لن ننجح بتغيير الواقع إن لم نَتحد معًا في حزب واحد، وعليه قد تكون المقاطعة الحل الأمثل".

وأضافت قائلة: "سأفكر بالاقتراع في حال اتحدت الأحزاب العربية ضمن قائمة واحدة، لأن المجتمع العربي يعاني من أزمات عديدة بالذات في المجالات الاجتماعية، وعليه يقع على عاتق الأحزاب العربية علاج هذه الأزمات من خلال الاتحاد".

لم يمارس مصطفى زعبي، ابن الناصرة، البالغ من العمر 25 عاماً، حق الاقتراع من قبل، بل ولا ينوي فِعلَ ذلك الآن، حيث يعتقد زعبي أن نضال المواطنين العرب من أجل المساواة داخل الكنيست فائض عن الحاجة، حيث صرّح قائلا لهآرتس: "يمكننا تحصيل حقوقنا فقط من خلال الاتحاد ضمن هيئة تضم جميع أطياف المجتمع العربي يتم انتخابها ديمقراطياً، لا من خلال أحزاب تتنافس على مناصب لا على مبادئ".

وتابع زعبي قائلاً: "يجب أن تكون هذه هيئة مستقلة ينتخب المجتمع العربي قادتها بنفسه، لا كلجنة المتابعة العليا التي لا تعقد انتخابات عامة وينتخب أعضاؤها فقط رئيس اللجنة"، كما يرى زعبي أنّ تمثيل المجتمع العربي في الكنيست ضارٌ سياسيا، فهو يُصور "إسرائيل" كدولة ديمقراطية يتمتع فيها المواطنون العرب بحقوق متساوية كنظرائهم اليهود، كما ولا يثق زعبي أيضًا بالأحزاب العربية، ويعتقد أنّ أعضائها عاجزون عن تغيير الواقع.

وختم زعبي أقواله قائلاً: "علينا المطالبة بالمزيد من الميزانيات من أجل تحسين ظروف معيشة المواطنين العرب، ولكن الأهم من كل ذلك علينا الحفاظ على هويتنا الفلسطينية".

بينما اعتقد عبد الرحمن، ابن مدينة الطيبة، البالغ من العمر 26 عامًا، سابقاً، أن الاقتراع للكنيست مهم، حيث صرح لهآرتس أنه مارس حق الاقتراع خلال كل دورات الانتخابات السابقة التي أجريت منذ بلوغه الـ18 عامًا، بل واقترع بهدف رفع نسبة التصويت للأحزاب العربية، كما وانضم على مدار سنتين لكوادر الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وشارك -وقبيل الانتخابات الأخيرة- بتنظيم حملة انتخابية شبابية للقائمة المشتركة في المدينة، ولكنه ينوي مقاطعة الانتخابات هذه المرة.

يعتقد عبد الرحمن أنّ وجود الأحزاب العربية في الكنيست يعطي شرعية للاحتلال، وهو أمر يتم استغلاله من أجل المبادرة لنشاط إعلامي كاذب عالمياً، وعليه فإن بنيتهِ مقاطعة الانتخابات.

وتابع قائلاً: "لا يساهم تواجد الأحزاب العربية في الكنيست بعملية إنهاء الاحتلال، وأضاف :"لقد أخفقت الأحزاب العربية بدعمها قوانين عنصرية وتعاونها مع بعض قادة معسكر اليمين، بل وخذلت ناخبيها العرب، وعليه فإنّ المقاطعة هي القرار الصحيح".

أما جنان بصول، ابنة الـ32 عامًا، والتي تقطن في تل-أبيب، فامتنعت عن التصويت منذ نيسان 2019، وأشارت بصول أنّ دورات الانتخابات المتتالية خلال آخر ثلاث سنوات والتي انتهت كالعادة بجمود سياسي وبشعور المواطنين أنهم عاجزون عن التأثير، كانت وراء اتخاذها هذا القرار، حيث صرّحت بصول قائلة: "يملك أصحاب المصالح تأثيراً أكبر بكثير من تأثير البطاقة التي سأضعها في صندوق الاقتراع، وهذا يخلق شعورًا بالإحباط".

أضافت بصول قائلةً أن قرارها بالامتناع عن التصويت يستند إلى قناعتها التامة بعدم وجود يسار حقيقي في "إسرائيل"، وتابعت: "اعتقدتُ في السابق أنّ مناهضة الاحتلال تعادل اليسار الإسرائيلي، ولكن مع مرور الوقت، أدركتُ أنّي أخطأت".

وتابعت قائلةً: "لا يوجد يسار في "إسرائيل"، هناك أحزاب قومية تتستر بعباءة شبهِ يسارية، وعليه فمن جهة هذا اليسار لا يمثلني، لكن ومن جهة أخرى لا تمثلني الأحزاب العربية أيضاً فهي بعيدة كل البعد عن اليسارية- إنّها أحزاب قومية، ولكنها لا تُعتبر كذلك لأنها "مُستضعفة"، ولأنّها رفعت راية مناهضة الاحتلال".

كما وصرحت بصول قائلةً: "علينا الاعتراف أيضاً أن التجمع الوطني الديمقراطي هو حزب يميني، الحركة الإسلامية حركة يمينية في جوهرها، ينطبق الأمر ذاته على القائمة العربية الموحدة، وعليه تَبقت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المعرّفة كحزب يساري سياسيًا ومدنيًا، ولكنها اكتسبت -وخلال السنوات الأخيرة، بعد انضمامها للقائمة المشتركة، وبسبب واقع "إسرائيل" السائد والحاجة للرد طوال الوقت- طابعاً قومياً عربياً، حيث لا تقوم هذه القائمة باتخاذ مواقف أو بالتفوه بتصريحات تتعلق بقضايا جندرية تخص مجتمع الميم الفلسطيني، ناهيكم عن القضايا البيئية".

خلافًا لبصول، سيمتنع جهاد بدير، ابن كفر قاسم، البالغ من العمر 33 عامًا، عن التصويت لانتخابات الكنيست لأول مرة في حياته، بل وها هو يدعو جميع المواطنين العرب لمقاطعة الانتخابات، حيث صرّح بدير قائلاً لهآرتس: "لقد انتخبَ المجتمع العربي سابقاً أحزابًا تنتمي لجميع الأطياف السياسية، ولكن واقعه بقي مريرًا".

وتابع قائلا: "تهدف السيطرة اليهودية على القدس إلى تهجير سكانها العرب، يتم وبالتزامن مع ذلك تهجير سكان النقب العرب عُنوة إلى مناطق مأهولة ليستولي اليهود على أراضيهم تحت أعين جهاز الشرطة".

ويعتقد بدير كزعبي، أنّ الخيار الوحيد هو مقاطعة انتخابات الكنيست، حيث قال: "مارس -وحتى يومنا هذا- نصف أصحاب الانتخاب حقهم بالاقتراع في المجتمع العربي فقط، لذا -وإذا رغبنا بتغيير واقعنا- علينا البدء أولًا بمقاطعة الانتخابات".

وتابع قائلاً: "يعتقد العالم أجمع أنّ العرب مواطنون مساوون لنظرائهم اليهود، لكن القانون ينص على خلاف ذلك، فهذه الدولة أولًا يهودية ومن ثم "ديمقراطية"- هذا إذا كانت ديمقراطية أصلا".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023