قمة الجزائر القمة رقم 44 للعرب.. فهل من جديد؟
بقلم المستشار/ أسامة سعد
منذ القمة العربية الأولى المنعقدة في الأول من مايو عام 1946م بدعوة من الملك فاروق، تواترت القمم العربية ليصل عددها حتى قمة الجزائر المزمع عقدها في 1 و2 نوفمبر الحالي إلى أربعة وأربعين قمة، أزعم أن المواطن العربي لم يلمس منها أي فائدة تذكر، الجامعة العربية كمنظمة لها أهداف وضعت في ميثاقها الذي أعلن في عام 1946م، ونصت عليه المادة الثانية من ميثاقها، وهي أهداف بجملتها تعبر عن مدى حرص الزعماء العرب ألا تكون للجامعة العربية قيمة، فقد نصت المادة الثانية على أن الغرض من الجامعة توثيق الصلات المشتركة بين الدول وتنسيق خططها السياسية والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها، والتعاون في الشؤون الاقتصادية والمالية والمواصلات والثقافة والجنسية والشؤون الاجتماعية والصحية.
وقد حرص معدو الميثاق أن تنص المادة المذكورة على أن يكون هذا التعاون وفقًا للنظم الخاصة بكل دولة وأحوالها، الأمر الذي يعكس الهواجس الخفية لكل دولة عربية من الدول الأخرى، فتمت صياغة الميثاق بحيث يفرغ هذا التعاون من مضمونه، لأنه في النهاية لن يكون إلا وفقًا لأحوال كل دولة ونظمها، فإذا كان هذا التعاون في أي من المجالات سالفة الذكر يتعارض مع نظم الدولة وأحوالها، فإنه بالتأكيد لن يجد سبيله للتطبيق.
الأمر الأكثر غرابة في ميثاق الجامعة أن المادة السادسة من ميثاق الجامعة، التي تحدثت عن أكثر الأمور أهمية، وهي قضية الاعتداء على أي دولة عربية، نجد أن صياغتها جاءت بشكل يفهم منه محاولة التنصل من الوقوف صفًّا واحدًا في وجه أي اعتداء على أي من الدول الأعضاء، وذلك حينما نصت المادة على أن القرار يكون في هذه الحالة -حالة الاعتداء- بالإجماع؛ أي لو أن دولة عربية واحدة رفضت هذا القرار فسيسقط، وعليه لن يكون هناك دفاع عربي مشترك، إذ إن الإجماع في هذه الحالة غالبًا ما يكون متعذرًا إن لم يكن مستحيلًا.
وجاءت المادة السابعة من الميثاق لتؤكد مدى ضعف الميثاق، ولتنص على أن الإجماع على قرارات الجامعة يكون ملزمًا لجميع الدول المشتركة في الجامعة، "والإجماع في القضايا ذات الأهمية متعذر غالبًا كما ذكرنا"، أما القرارات التي يجيز الميثاق أن تؤخذ بالأكثرية فإنها تكون ملزمة فقط للدول التي قبلت بها، بمعنى أنه إذا تعذر الإجماع فلا قرار ملزم لأعضاء الجامعة، وإذا كان القرار من القرارات التي يمكن أن تؤخذ بالأغلبية فإنه أيضًا لا يكون ملزمًا لأعضاء الجامعة العربية كافة، وإنما فقط ملزم لمن وافق عليها، هذه النصوص بهذه الصياغات لا يمكن بحال من الأحوال أن تؤدي إلى موقف عربي قوي وحازم في قضايا الأمة العربية الخطيرة كالاعتداء على سيادة أو أراضي الدول العربية، والنيل من حريتها واستقلالها.
قمة الجزائر سميت بقمة لم الشمل، أما الرئاسة الفلسطينية فاعتبرتها قمة فلسطين والوحدة العربية، ولا أظنها تقدم شيئًا لفلسطين أو تتقدم خطوة واحدة باتجاه الوحدة العربية، وذلك أمر ليس مستغربًا، لأن ميثاق الجامعة صيغ بطريقة تحول دون تحقيقها أيَّ هدف من أهدافها على بساطتها، فكيف يمكن لهذه الجامعة أن تحقق ما هو أكبر وأعظم من أهدافها المتواضعة؟
منذ ستة وسبعين عامًا والجامعة العربية تنعقد، وما زالت فلسطين تحت الاحتلال، وما زالت الوحدة العربية أبعد ما تكون عن الواقع ومازالت ليبيا وسوريا واليمن ترزح تحت حرب أهلية طاحنة، وفي ذات الوقت نجد اتحادات قامت بعد الجامعة العربية بوقت بعيد، لكنها حققت إنجازات تكاد تشبه المعجزة، فالاتحاد الأوروبي الذي تأسس في عام 1991م بناءً على معاهدة ماستريخت، حقق الوحدة الأوروبية واقعًا ملموسًا من خلال السوق الأوروبية المشتركة والعملة الأوروبية الموحدة، وإلغاء تأشيرات الدخول بين الدول الأعضاء لمواطني الاتحاد، وكثير من الخطوات التي عادت بالفائدة الكبيرة على مواطني دول الاتحاد الذي يضم الآن نحو 27 دولة، هذا الاتحاد الذي يعمل الآن موحدًا للدفاع عن أوروبا ضد ما اعتبروه الغزو الروسي لأوكرانيا رغم أنها ليست عضوًا في الاتحاد الأوربي، فقدم لها كل أنواع الدعم بدءًا من الدعم السياسي ومرورًا بالدعم الاقتصادي وانتهاءً بالدعم العـшـكري الهائل، الأمر الذي أعجز القوة العظمى الثانية على مستوى العالم في حين حرمت فلسطين من الدعم ولو بحده الأدنى الذي يمكنها من دحر الاحتلال بل وصل الأمر في بعض الدول العربية لاعتبار الـمـقـاومة الفلسطينية إرهاب.
أداء الاتحاد الأوروبي يجبرنا على المقارنة بينه وبين أداء الجامعة العربية، ويجبرنا أيضًا على التساؤل: ما الذي يمنع الجامعة العربية من العمل بنفس وتيرة عمل الاتحاد الأوربي؟ أم أن التبعية "المريحة" التي فرضت على الزعماء العرب جعلتهم عاجزين عن اتخاذ قرارات لمصلحة شعوبهم؟ أم أنهم استمرؤوا.