"عرين الأسود" الحُجّة على الجميع

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

بقلم الأسير/ إسلام حسن حامد

24/11/2022م

مثلت مجموعات "عرين الأسود" بإنجازها الكبير في إعادة الوعي الجمعي الفلسطيني، وضبطه وتوجيهه نحو المقاومة المسلّحة تذكيرًا بروح المقاتل الفلسطيني الخالدة في وجداننا الأبدي، والسائدة على ما دونها من حاجات ورغبات تعتري الشعوب المقهورة بفعل سطوة الاستعمار وشراسته الغاشمة، لتمثل الحالة الثورية الأكثر تقدمًا وفعالية على الساحة الفلسطينية من بقية هذه التنظيمات الفلسطينية، التي غابت عن المشهد المقاوم في الضفة الفلسطينية لأسباب كثيرة؛ فمن وحي  هذه التجربة بأحلامها وآمالها، نقدم  بعض الملاحظات التي أصبحت في اعتقادي كنوع من المسلّمات الفلسطينية اللازمة لمقاومة الاستعمار.

سيبقى الشعب الفلسطيني مقاومًا بكل ما يمثله مشروع الاستيطان الصهيوني على الأرض، ومهما بلغت المعاناة في ذلك لا يمكن لأي شعب أصيل أن يقدم تنازلات للعدو الغاشم الذي يستعمره، حالة "عرين الأسود" هي شكل من أشكال تأصيل النضال والمقاومة، سطرت نموذجها المميز الذي سيتم البناء عليه كون كل جيل فلسطيني، أو مرحلة تبدع في صنع مقاومتها بأشكالها ووسائلها الخاصة، ثم إن القانون الناظم للشعوب المستعمرة هو المقاومة، وما دونها مسارات عبثية أثبت التاريخ المعاصر والقديم عدم جدواها مع سلطات الاستعمار؛ لذلك لا توجد شعوب تُهزم أو تنكسر إلا أنه قد يكون هناك قيادات تستلم، كما أن تزول تلك القيادات بإرادة الشعب حتى يخرج الشعب المقاوم أبطاله ليخوضوا طريق تحرره، فإن المشاركة في تسويات مع العدو أو وكلائه لن يؤدي إلى تحقيق أي إنجاز؛ بل سيعطي ذلك الوقت للعدو حتى يُثَبت أركانه الاستعمارية.

الوسام البارز في النظام السياسي الفلسطيني هو أجهزة أمن سلطة رام الله، الوظيفية التي أصبحت عبئًا كبيرًا على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وبحسب تعريف تلك الأجهزة لنفسها بأنها أجهزة الشعب الفلسطيني (الواقع تحت الاستعمار)، والتي تعمل على حماية الإنسان والأرض الفلسطينية، إلا أنها في حقيقة الأمر والمُشاهَد للجميع لا تستطيع فعل ذلك، فهي لا تستطيع حماية أشجار الزيتون من أن يتم اقتلاعها على يد قطعان المستوطنين؛ ولا تقدر على منع تهويد المسجد الأقصى أو الحرم الإبراهيمي؛ ولا تقوى على الوقوف أمام إرهاب اليهود؛ الذي يقتل كل يوم الطفل "محمد أبو اخضير" وعائلة "دوابشة" حرقًا بالنار،  هذا عدا عن كون تلك الأجهزة لما لها من ميزانية كبيرة، ويتم اقتطاعها من الدخل الاقتصادي الفلسطيني التي لا تستحق هذه المبالغ الكبيرة التي تُصرف عليها، تحت ظل الاستعمار الصهيوني والأولى فيها أن تذهب تلك الأموال إلى الصحة والتعليم، لنهضة الشعب الفلسطيني ليكون التساؤل: ما الحاجة إلى تلك الأجهزة الأمنية التي لا تحمي سوى المشروع الصهيوني فقط؟.

وليس ذلك بمعزل عن عملية السلام التي أتت بسلطة رام الله، التي تقوم بتنفيذ مشروع السلام الخاص بها بالنار والحديد على الشعب الفلسطيني، من خلال أجهزتها الأمنية التي تقمع الشعب وتعمل على قهره بالتوازي مع إرهاب العدو الصهيوني وبدعم منه، بل وتخطط لذلك فهي اليوم تقوم بقتله كما حصل مع شهيد الكلمة "نزار بنات"، والقائد الوطني "أحمد حلاوة"، واللذان اغتيلا على يد تلك الأجهزة الأمنية.

عقيدة السلام المزعوم تعطي فعلها بمزيد من الاستيطان والتهويد وقهر للشعب الفلسطيني، لذلك أصبح ملحًا اليوم علينا كشعب فلسطيني أن يتخلص من تلك الأجهزة الأمنية بوظيفتها القائمة على حماية العدو الصهيوني وحراسته، على حساب حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وأختم هنا أننا يجب أن نتوقف دائمًا أن المخيمات والشتات الفلسطيني مازال قائمًا ويملأ الدنيا صخبًا وألمًا، كما أن الاحتلال الصهيوني ما زال يمارس غطرسته وجبروته على الجغرافيا الفلسطينية أرضًا وشعبًا.

وعليه فإن على مقاومة الشعب الفلسطيني أن تفعل فعلتها  في تعرية الأقنعة البيضاء وكشف الوجوه السوداء، للذين تسللوا من العدو إلى صفنا، هؤلاء الذين يتحدثون بلغتنا ويتسمون بأسمائنا ليكون الواجب معرفتهم وكشفهم والحذر منهم، لتأطسر نفسها "عرين الأسود" بفعلها وتكون الصفعة القوية في وجه الغافلين الذين نكصوا على أعقابهم، وسدًا منيعًا في وجه المؤامرات التي تحيط بشعبنا، وتشكل بذاتها العلامة الفارقة في جهاد الشعب الفلسطيني.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023