القناة الـ 12
محمد مجادلة
المجتمع العربي يعيد حساب مساره: العامان الماضيان حسمتا الجمهور العربي في "إسرائيل" بين موقفين متطرفين، بين أحداث أيار/مايو 2021 في عملية "حارس الأسوار" وصعود جيل شاب له هويته الوطنية لا تقل أهمية عن جنسيته الإسرائيلية، واندماج حزب عربي، لأول مرة، في الائتلاف -مع الاعتراف بدولة "إسرائيل" كدولة يهودية.
في كلتا الحالتين، أثر المواطنون العرب على الأجندة العامة بشكل غير مسبوق، وفي نفس الوقت خضعوا لتغييرات هائلة في موقفهم من الدولة والأغلبية اليهودية فيها.
منذ العام الماضي، كان النهجان موجودان في وقت واحد، يتنافسان مع بعضهما البعض، وإلى حد ما كان كلا الجانبين ينتظران ويراهنان على أن النهج الآخر سوف يفشل ويختفي.
والخط الذي يطمح لدمج العرب في المجتمع الإسرائيلي أطلق على نفسه اسم "التوجه الجديد" بقيادة منصور عباس، والخط المعارض المسمى "التيار الوطني" وقف عكس ذلك، وللأخير أكثر من زعيم، بدءاً من أيمن عودة وأحمد الطيبي وانتهاءً بالحركات السياسية الأخرى غير الممثلة في الكنيست.
الآن، بعد انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، يمكن القول بوضوح إنه لم يختفِ التياران فحسب، بل ازداد قوة وأكدا الاختلافات الموجودة في المجتمع العربي في الواقع الجديد، وأعيد فتح اللعبة بقواعد مختلفة عن ذي قبل.
القائمة التي كانت في الائتلاف تعود للجلوس مع منافسيها حداش وتعال في المعارضة، أو بعبارة أخرى، عاد التمثيل السياسي للمجتمع العربي إلى مكانته السابقة، والبعض يقول " مكانها الطبيعي في دولة "إسرائيل"، لكن هذا لا يعني أن المقاربتين ستجتمعان وتتخلى عن الصراع القائم بينهما، ولكن العكس.
ستعتبر الحكومة اليمينية الجديدة "الكاملة" نقطة تحول في حياة المواطنين العرب، ولن يوافق جيل الشباب، الذي يؤثر إلى حد كبير على الخطاب السياسي العربي، على تنازلات الآباء والأجداد: لا يوجد نصف حل في الصراع القائم بين المطلب العربي بالمواطنة الإسرائيلية الكاملة من جهة، والرغبة في الاعتراف بالهوية القومية للأقلية العربية بشكل كامل من جهة أخرى.
من الممكن بالفعل الإشارة إلى الأزمة الأولى التي تكمن على باب المقاربتين -وهذا ليس سوى وزير الأمن القومي المعين، والشخصية الأكثر تشويهاً في المجتمع العربي اليوم، إيتمار بن غفير، من سيحصل على الملف الأكثر أهمية للحياة اليومية للمجتمع العربي سيواجه على الفور نهجين: من سيقاطعه ويدعو الآخرين لمقاطعته بأي ثمن، ومن سيسعى لقبول الوضع القائم والتعاون مع الوزير الذي له التأثير الأكبر على حياتهم.
حداش وتعال، لجنة المراقبة العليا للجمهور العربي، لجنة رؤساء السلطات العربية والعديد من الهيئات الأخرى في المجتمع العربي أوضحت حتى قبل أن يتولى بن غفير منصبه، أنهم لا ينوون أن يكونوا على اتصال مباشر او غير مباشر معه -وحتى إيجاد طرق أخرى للتعامل مع القضايا ذات الصلة بالمجتمع العربي، وبالنسبة لهم، أولئك الذين يدعون أو طالبوا في الماضي بترحيل العرب ليسوا مهتمين حقًا بضمان حياة آمنة لهم.
وقالت قيادة لجنة المراقبة "إذا أرسلنا حتى الآن رسائل إلى وزير الأمن الداخلي، فمن اليوم ستكون" رسائلنا "مظاهرات على الطرق الرئيسية والطرق الرئيسية في البلاد"، وفي بيئة بن غفير يقولون بالفعل: لن نجري حوارا مع حزب يقاطعنا، إن عدم قدرة القيادة العربية على التأثير في سياسة الشرطة ستكون له عواقب وخيمة على المستوى العام العربي. سيتم إغلاق حتى الفتحة الصغيرة لإطلاق الغضب.
وفي الوقت نفسه، فإن حزب راعام -التي لم تعرب حتى هذه اللحظة عن نفسها علناً فيما يتعلق بسياستها تجاه الحكومة المعينة- ستعمل في اتجاه مختلف وستحاول أن تجند معها بعض رؤساء السلطات من المجتمع العربي الذين سيتحدثون مع بن غفير –نعم- المحادثات وحتى التعاون الكامل، هذا ليس بالشيء الهين: هذا تغيير في موقف جزء مهم من مجتمع يتوقع أن يقود المقاطعة. لا شك أن هذا سيخدم بن غفير ويساعده بشكل أساسي على تحييد الاتهامات الموجهة إليه.
بالنسبة له سيكون هذا انتصاراً آخر، بعد تحقيق انتصار اليمين على يسار الوسط، سينتصر على العرب -الذين لا يستطيعون البقاء غير مبالين به أو يتجاهلون وجوده.
هذا مجرد مثال واحد على الجدل الذي سيصبح أكثر سخونة في المجتمع العربي في ظل حكومة نتنياهو السادسة، لكنه ليس مجرد نقاش عربي داخلي، سيكون لهذا النقاش نتائج مباشرة على المجتمع الإسرائيلي ككل، تفشي الجريمة والعنف واتساع الفجوات في التوظيف والتعليم والتصعيد الأمني ، خاصة في القدس -كل هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة الشعور بالغضب والإحباط الذي يزداد قوة بين الشباب العربي في البلاد، الذين يتم سحبهم الى احداث مايو 2021 معهم.
في ظل قيادة عربية منقسمة بين نهجين متعارضين، لا يمكن للمرء إلا أن يتوقع انفجاراً، هذا ليس سيناريو خيالياً، فهذه سيناريوهات مقلقة سمعناها مؤخراً بين المسؤولين الذين يعرفون المجتمع العربي بعمق من داخل مؤسسات الدولة ومن داخل المجتمع العربي نفسه.
يقول البعض أنه إذا نظرنا إلى الوراء، فإن الفكرة التي دفعت "راعام" إلى الدخول في ائتلاف في "إسرائيل" من أجل تحسين أوضاع المجتمع العربي قد يتم تصويرها على أنها تسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه للجمهور العربي، وهو ما يفوق المنفعة، ذلك المجتمع الذي عاش لسنوات في التهميش والإهمال، وحتى التعود على هذا الوضع، سيجد صعوبة كبيرة اليوم في قبول وضعه السابق والعودة إليه دون تلقي إجابات مرضية للمطالب التي اتخذت هذه الخطوة من أجلها.