هل يمكن إحياء السلطة الفلسطينية؟

يسرائيل هيوم

البرفسور إيال سيزر


في الوقت الذي اشتعلت فيه النيران في الضفة الغربية، بدأت المقاومة بالنهوض وترفع رأسها من جديد، والجماعات المسلحة تسيطر على كل قرية وبلدة، واختار زعيم السلطة الفلسطينية -محمود عباس- زيارة قطر لمشاهدة مباريات كأس العالم، لم يتأهل فريق السلطة الفلسطينية للنهائيات، لكن مشاهدة مباريات كرة القدم في الدوحة أفضل من دروس كرة القدم في أزقة نابلس أو جنين في محاولة لاستعادة السيطرة على الأرض التي خسرتها.

لكن يبدو للسكان الفلسطينيين أنه لا يهم مكان وجود الئيس محمود عباس، لأنه على أي حال فقد الرجل والسلطة التي يرأسها منذ فترة طويلة وأي صلة بواقع الحياة في الضفة الغربية.

بالنسبة لـ"إسرائيل"، فإن القضية الأولى على القائمة هي بالطبع القضاء على المقاومة والتعاون الأمني ​​المتعثر بين الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الفلسطينية، ولكن يجب أن نتذكر أنه على الرغم من أن المقاومة موجه ضد "إسرائيل"، فإن الفلسطينيين يدفعون الثمن على المدى الطويل.

هذا ما حدث في موجات العمليات التي عرفناها في الماضي، ابتداء من الثورة العربية عام 1936 وانتهاء بالانتفاضتين الأولى والثانية، كل هذا لم يجلب للفلسطينيين النتائج المرجوة ولم يضعف روح وقوة إرادة الإسرائيليين، بل أدى إلى إلحاق الضرر بنسيج حياة السكان المحليين وانهيار الاقتصاد وانهيار المجتمع الفلسطيني في نهاية المطاف، هذا ما حدث في الماضي، وهذا ما سيحدث الآن إذا استمرت موجة العمليات.

لكن بالنسبة للفلسطينيين، فإن انهيار السلطة الفلسطينية لا يتعلق فقط بمسألة عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولكن أيضاً بحقيقة أن السلطة الفلسطينية يُنظر إليها على أنها فاسدة ولا تهتم بشواغل واحتياجات الجمهور، تماماً مثل معظم الأنظمة العربية من حولنا والتي تكون نموذجاً للإلهام.

في واقع الفوضى العارمة، تمكنت مجموعة مسلحة من اقتحام مستشفى في جنين واختطاف شاب إسرائيلي أثناء توصيله بأجهزة إنعاش، هؤلاء بالطبع توقعوا أن يحصلوا على ثمن الجسد، لأن هكذا تعاملت "إسرائيل" مع حزب الله في الماضي ثم الفلسطينيين.

لكن يبدو أن هناك تغييراً قد حدث في الجمهور الإسرائيلي وهو يظهر الآن المرونة اللازمة للتعامل مع الإبتزاز التي كان الفلسطينيون يجنون فيها ثروة في الماضي.

تشعر "إسرائيل" بالعزاء في حقيقة أن انهيار الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية محسوس بشكل رئيسي في شمال الضفة الغربية، بالقرب من نابلس وجنين، بينما في أجزاء أخرى من الضفة الغربية، الوضع أكثر هدوءاً وكأنه لا يزال تحت السيطرة، لكن لا ينبغي لأحد تجاهل حقيقة أن الكتابة على الحائط وأن الاتجاه على الأرض واضح -السلطة الفلسطينية تتراجع.


تفتقر إلى النفوذ والحكم وتحل محلها الفوضى.  

هذه عملية مستمرة لن يكون ظهورها على الأرض بالضرورة انهياراً دراماتيكياً للسلطة الفلسطينية في مواجهة آلاف المتظاهرين الذين يقتحمون مكاتبها ومقارها، على غرار انهيار الأنظمة العربية خلال ثورات الربيع العربي قبل نحو عقد من الزمان، ومن المحتمل أن تتلاشى السلطة ببطء وفي أي وقت من الأوقات.

قرية أخرى وبلدة أخرى ستخرجان عن السيطرة، حي القصبة آخر فيها المسلحون هم أصحاب القرار والحكم، وبالتالي لن يتبقى لمحمود عباس شيئاً سوى الزيارات إلى الخارج، حيث وفقط عندما يتلقى معاملة رئيس دولة.

في غضون ذلك، تدفن "إسرائيل" رأسها في الرمال أمام مثل هذا الاحتمال وتتمنى استعادة السلطة وأجهزتها قوتها، لكن من المشكوك فيه أن يكون من الممكن ضخ الأوكسجين للسلطة وإعادتها إلى الحياة، وبالتأكيد في ظل غياب أي أفق سياسي لا تريد السلطة الترويج له ولا تستطيع ذلك.

عودة "إسرائيل" إلى أزقة المدن الفلسطينية وقبول المسؤولية المتجددة عن نسيج الحياة -بما في ذلك مجالات المجتمع والرفاهية والاقتصاد- هو سيناريو يتغلغل في أوساط صناع القرار في "إسرائيل"، وبالتأكيد في أوساط المؤسسة الأمنية.  

لكن السؤال هو ما إذا كان في واقع العمليات المتزايدة وغياب حكم السلطة الفلسطينية وأجهزتها، والأهم من ذلك -في واقع تتلاشى فيه السلطة الفلسطينية، فإن لدى "إسرائيل" بدائل أخرى، إلى جانب التعامل مع المقاومة على أساس يومي كمهمة فورية وأولى، من المناسب أن تبدي "إسرائيل" رأيها أيضاً في التحديات التي تنتظرها في الضفة الغربية على المدى البعيد.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023