في الآونة الأخيرة زادت وتيرة الاجتماعات الأمنية بين مسؤولي أجهزة أمن رام الله ونظرائهم في قيادة الجيش الصهيوني ومندوبي جهاز الشاباك، من أجل التنسيق المباشر وعلى المستويات العليا من الخطوات المشتركة بين الفريقين لإعادة سيطرة أجهزة أمن السلطة على شمال الضفة الفلسطينية، التقييم الحاصل اليوم للمجتمعين يختلف بشكل جذري عن قبل، فالمادة الأساسية التي كانت تفرض نفسها دائماً ويتم استخدامها كالمرجعية لسياسات الفقر والإذلال من قبل أجهزة أمن رام الله على الشعب الفلسطيني لم تعد موجودة، ولا يمكن استخدامها أكثر على الوضع الجديد القائم في الضفة، وكلمة السر في ذلك هي "حركة حماس"، فمن يقود ضفة المواجهة في الميدان جيل جديد من المقاومين.
البداية كانت بعد أحداث الانقسام الفلسطيني في عام 2007، حيث استخدمت قيادة منظومة رام الله أحداث الانقسام في عامل مركزي في الحرب الشعواء ضد حركة حماس وعناصرها هي موجة مفتوحة من الملاحقة للمقاومة المسلحة لكافة أطيافها باعتبارها أساساً مهماً في الإطار النضالي لفصائل المقاومة على رأسها حركة حماس، والتي تمثل رأس مالها الاعتباري والرمزي، وبهذه الموجة المفتوحة أنهت أجهزة أمن رام الله أي إمكانية لأن يكون هناك جسم فلسطيني مقاوم وبشكل فاعل للاستعمار الصهيوني، هذا الاستعمار الذي شعر لأول مرة منذ قيامه أن احتلاله لشعب فلسطين لن يكون مكلفاً مادياً وبشرياً وأن مهمة السيطرة على الشعب الفلسطيني التي فشل فيها مراراً قد أوكلت إلى من هم أولادها، الجماعة الوظيفية التي تم صناعتها في عدة مراحل وهي أجهزة أمن رام الله، التابعة لمنظومة المستنفعين من بقايا القيادات الهرمة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي تعمل وتأتمر بتعليمات منسق المناطق الحاكم الفعلي لسلطة رام الله والمتمركز في مغتصبة "بيت إيل" الاستعمارية والذي اعترف بهذه الحقيقة من قبل أن يرحل "صائب عريقات".
وعليه تم الاستعمار الصهيوني في التوسع الاستيطاني وعمليات التهويد المستمرة للأرض الفلسطينية وتغيير الحقائق التاريخية في القدس وسائر المواقع الدينية والرموز الإسلامية والمسيحية في عموم البلاد، لصالح محاولات التسوية والإلغاء والمحو الرمزي الذي تقوم به المؤسسة الرسمية وجمعيات الاستيطان المتطرفة، ومع ذلك كانت المفاجأة للجميع أن حركة حماس استطاعت أن تتكيف وتتحول إلى صانعة الوعي المقاوم لتدخل إلى بيوت الشعب الفلسطيني بكافة ألوانه وأطيافه من خلال صمودها العظيم أمام آلة القتل الصهيونية وانتصارها الغير مسبوق بالاشتراك مع باقي الفصائل المقاومة في قطاع غزة، خلال معركة سيف القدس البطولية، التي غيرت الكثير في المفاهيم والأوضاع العسكرية، كما أنها أورثت أرقاماً صعبة في جدار الوعي الفلسطيني الصلب، المقاوم والرافض لكل ما يمثله الكيان الصهيوني، الانتصار السابق شكل انتكاسة كبيرة للمشروع الصهيوني ومعه مشروع سلطة رام الله الاستسلامي؛ ليكون الإرباك الحاصل من هذه الانتكاسة مصدر قلق وازعاج عميق للمجتمعين بشكل دائم في مراكز التنسيق الأمني، وإن كان العدو الأول للكيان الصهيوني وجماعته الوظيفية سلطة رام الله وبحسب سلم الأولويات هو حركة حماس فإنها قد أصبحت اليوم تمثل حالة من الوعي وإدراك الضرورة المقاومة في عقل الشعب الفلسطيني لتتغلغل فيه بأدبياتها وقواعدها الدورية المقاومة، ويتبنى ذلك العناصر الشابة في حركة فتح التي غيرت المعادلة في الضفة الفلسطينية، ذلك كيف يمكن إجهاض المجموعات الشبابية المسلحة على غرار "عرين الأسود" والمُشكل الأساسي لها عناصر ثورية من "حركة فتح" وفصائل أخرى؟
السؤال المطروح بقوة من قبل قيادة سلطة رام الله وشركائهم من ضباط الجيش الصهيوني والشاباك في "بيت إيل" لتكون الإجابة مزيداً من الفعل وردات الفعل التي يقوم بها المقاومين الجدد على مساحات الضفة الفلسطينية من استهداف لقوات الجيش الصهيوني ومستوطنيه؛ لذلك فإن المشهد الذي قد يكون الأكثر تعقيداً هو تمرد طبقة واسعة من شباب حركة فتح على الوضع الراهن الذي أنشأته سلطة رام الله بعد أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007 وتبديل معايير الطاعة التي كانت تقدم للسلطة إلى حمل السلاح ومقاومة الاحتلال الصهيوني، وفي بعض الحالات مقاومة أجهزة أمن رام الله ذاتها ومنعها من أي تواجد لها داخل المخيمات والبلدات الفلسطينية التي تمارس المقاومة على الدوام ودون توقف؛ لتمنع بذلك أجهزة أمن السلطة إلى أن تفرض معادلاتها على تلك التجمعات المقاومة وتتحصن اجتماعياً ووطنياً في طريق التحرير الذي بدأ ينتج ذاته من جديد بأساطيره ورموزه المقاومة التي يتفاخر بها الشعب الفلسطيني، كـ"إبراهيم النابلسي" و"عدي التميمي" وأقمار أخرى، ومن ثم أهم الشخصيات الرمزية الحاضرة اليوم في عقل هؤلاء الشباب و"فتحي حازم" والد الشهيدين و الضابط السابق في أجهزة أمن رام الله، الذي انقلب وتحول إلى الجهة الأخرى منها؛ ليصبح والد المقاومين وشيخ ثوار فلسطين، محرّضاً على الصمود والوحدة بين المسلحين في كافة أماكن تواجدهم لتكون شخصية فتحي حازم الصورة الأكثر ثورية وفدائية حيث حلت بدل الشخصيات المهزومة وارثة التاريخ المليء بالإخفاقات والهزائم حكام مقاطعة رام الله، كما أن الموجه الإضافي لهؤلاء الشباب هو تنازل أجهزة أمن رام الله عن الكفاح المسلح، لا بل محاربته وممارسة اللامبالاة بحق الشعب الفلسطيني أمام كل ما يتعرض له من ممارسات قمعية من قبل الاحتلال الاستعماري الصهيوني، ليكون أحد مطالبهم هو تعيين قيادة غريبة تحل محل القيادة العجوز والقمعية؛ كي تدافع عنهم أمام الجيش الصهيوني ومستوطنيه، لكن الجميع يعلم أنه لم يحصل ذلك فهذه القيادة تم إيجادها ووضعها على عين ويد الاستعمار من أجل أن تبقى؛ لذلك هي محمية من قبله بكافة السبل والوسائل.
وعليه سيكون الحل كما تم ذكره سابقًا، في مقال لنا بعنوان "هكذا يتم تقييمنا" حيث قدمت فيه قراءة استشرافية لضابط سابق في وحدة الاستخبارات الصهيونية والتي توقعت خروج الظواهر العسكرية المحلية المقاومة في شمال الضفة الفلسطينية، والأخطر أنها تتوقع أن تقوم مجموعات فتح المسلحة في جنين تحديداً باقتحام المقاطعة برام الله لإنهاء القيادة المتنفذة العجوز والمترهلة وطنيّاً وتنصيب قيادة جديدة؛ لتحفظ ذلك ما بقي من شرعيتها بالشارع الفلسطيني فلا يمكن الرهان على حصان ميت، ومن منطلق غطرسة القوة التي ورثتها أجهزة أمن رام الله من الاستعمار الصهيوني، قد عقدت عدة لقاءات أمنية على أعلى المستويات وبالتنسيق مع الجانبين الأمريكي والصهيوني، تم اتخاذ خلالها قرارات عملية لإنهاء المجموعات المحلية المسلحة في شمال الضفة الفلسطينية، وتوفير كافة الموارد والإمكانيات المادية والاستخباراتية من كافة الأطراف لإنجاح عملية إنهاء الظواهر المسلحة للمخيمات والمدن الفلسطينية، سيكون ذلك قراراً ببدء العد تنازلي بالاتجاه العكسي الذي سيؤدي إلى إنهاء منظومة سلطة رام الله بشكلها الحالي على الأقل في هذه المرحلة.
03/12/2022م