السلطة الفلسطينية من تمرير المعلومات إلى تدمير القدرات

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني


بقلم الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين  
05 12 2022




قراءة في الموقف والتوصيات

أولاً: الموقف:  

تناقلت وسائل إعلام مختلفة تقارير ومعلومات حول تطور توجه أجهزة السلطة الفلسطينية في تعاملها مع المقاومة في الضفة الغربية من موقف التنسيق مع العدو وتمرير المعلومات، إلى حالة أكثر تقدماً متمثلة في القيام بإجراءات عملية تنفيذية الهدف منها ضرب القدرات المادية والبشرية للمقاومة؛ حيث كشفت مصادر مطلعة عن وضع قيادات أمنية لدى السلطة الفلسطينية، اللمسات الأخيرة على خطة تنوي تنفيذها قريبا في مناطق بمحافظة جنين شمال الضفة، وأكدت تلك المصادر أن اجتماعات شارك فيها رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، ومحافظ جنين أكرم رجوب، ووزير الداخلية رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق زياد هب الريح، وقائد جهاز الأمن الوطني في جنين محمد الأعرج، ومستشارين أمنيين، بقيادة مسؤول ملف المحافظين في مكتب رئاسة السلطة اللواء إسماعيل جبر،  وأشارت المصادر عينها إلى أنه حضر الاجتماع الذي عقد في جنين، أمين سر حركة فتح في جنين عطا أبو ارميلة، الذي قدم تصوراً عن واقع المجموعات العسكرية الموجودة في جنين ومخيمها. كما أكدت مصادر الإعلام العبري أن الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، أحبطت تنفيذ خلايا مقاومة عمليات نوعية ضد أهداف إسرائيلية، بعد عثورها على عبوات ناسفة مجهزة للتفجير. 
وكشفت القناة "13" العبرية أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية عثرت على عبوات ناسفة كبيرة الحجم، في مدينتي طوباس وجنين شمال الضفة كانت مخصصة لتنفيذ عمليات تفجيرية في (إسرائيل)، ونختم بما نقلته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية " وفا " في 01 12 2022 من أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد أشاد !! بجهود الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مؤكداً ضرورة تطبيق سيادة القانون وتوفير الأمن والاستقرار لحماية أبناء شعبنا الفلسطيني ومؤسساته الوطنية كافة.  


ثانياً: التحليل:  

إن تحليل هذا الموقف وقراءة ما بين سطوره يشي بأن قراراً قد أتخذ بإجماع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية يقضي بتطوير عملها؛ ليتحول من التنسيق وتمرير المعلومات وتهيئة البيئة العملياتية لقوات الاحتلال لتنفيذ عملياتها والقيام بإجراءاتها دونما عوائق من قبل المواطنين والأهالي، ليصبح هذا الدور ـ دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية ـ  القيام بعمليات تنفيذية الهدف منها:  

1. استهداف القدرات البشرية للمقاومة:
 إن أهم ما في حلقة عمل المقاومة، وسلسلة إجراءاتها التنفيذية هو الكادر والعنصر البشري المؤهل والمدرب والذي يملك الدافعية للعمل والشجاعة للتنفيذ، لذلك فإن أقصى هدف من أهداف عمليات التنسيق الرأسي والأفقي بين أجهزة أمن السلطة هو ضرب هذا المركب المهم، والحد من قدرته على الحركة والنشاط، وهنا لن تقتصر إجراءات هذه الأجهزة على ضرب الناشطين والمحركين الفعليين على الأرض؛ وإنما ستتعدى إجراءات هذه الأجهزة لضرب من لديه القابلية الذاتية لخوض غمار المقاومة وتحمل أكلافها؛ لذلك ستنصب ـ الأجهزة الأمنية ـ شباكها لهذا النوع من الكوادر والعناصر لتصطادهم فيها، أو تصطاد بهم غيرهم.  

2. استهداف القدرات المادية للمقاومة:
 وحيث أن المقاوم لا بد له من وسائل الفعل وأدوات القتال بمختلف أصنافها وقدراتها لتكتمل حلقه فعله ـ أهداف، وسائل، طرق عمل ـ فإن هذه الأجهزة الأمنية ستعمل جاهدة للوصول إلى هذه القدرات ومصادرها الداخلية والخارجية، وطرق تهيئتها، فتضربها وتدمرها إن لم تستطيع السيطرة عليها والتحكم بها، هذا من جهة، أما من الجهة الثانية، فإن الأجهزة الأمنية ستجتهد لتحويل هذه المصادر إلى نقاط جذب ومصائد تصطاد من خلالها المقاومين أثناء تحضيرهم للعمليات أو التجهيز لتنفيذ الإجراءات.  

3. ضرب سلسلة العمل التنفيذي للمقاومة: 
إن العمل المقاوم قبل أن يخرج إلى حيز الوجود تنفيذاً على شكل ضربة هنا أو استهداف هناك؛ لابد له من مقدمات تسبقه، وإجراءات ترافقه، تبدأ هذه المقدمات بجمع المعلومات عن الهدف من حيث الشكل والمضمون، ونقاط قوته وضعفه، وطرق الوصول له والخروج منه، ثم ما يلي ذلك من إجراءات تحضيريه لضربه والانقضاض عليه، من قبيل تأمين وسائل الوصول والمغادرة إلى مكان العمليات، كل هذه الحلقات في هذه السلسلة العملية ستحرص أجهزة أمن السلطة على ضرب ما  تستطيع منها، فيكفي لوقف العمل أن يتم كسر واحدة من حلقاته، ليُسقط بين يدي المقاومين ويجمد فعلهم ويشل حركتهم.  

4. الإحباط المسبق للعمليات:
 وهنا ستعمل هذه الأجهزة على إحباط العمليات قبل خروجها إلى حيز التنفيذ والاجراء، فهي ـ السلطة ـ  بما تملك من مصادر معلومات محلية منتشرة في كل حي وحارة، ومبثوثة بين صفوف كل عشيرة وعائلة؛ قادرة على أن تستشعر الفعل قبل وقوعه، والإجراء قبل تنفيذه، وهي بهذه القدرات تستطيع أن تقوم بعمليات إحباط العمليات وإفشالها قبل تنفيذها؛ إن عبر تبليغ العدو عنها أثناء تحضيرها أو التهيؤ للقيام بها، أو من خلال الانقضاض على مركباتها البشرية والمادية أثناء التحضير والتجهيز.  

5. تلويث البيئة وردعها:
 كما ستعمل هذه الأجهزة على تلويث بيئة المقاومة وردعها وغرس الشكوك بينها وبين المقاومين، عبر إحباط الاعمال وإفشالها، أو بث روح الشك والتخوف لدى المحيط الحاضن للمقاومة، ولن تألوَ هذه الأجهزة جهداً في بث الاشاعات والدعايات المعادية والمغرضة لفض الحاضنة الشعبية عن المقاومة، كما أنها وتحت حجة (حماية) المكتسبات الوطنية والدفاع عن أمن المواطنين وأملاكهم وأرواحهم ستشن حملات الاعتقالات والمضايقات التي تستهدف المقاومة، حتى أنها لن تتوانى عن تنفيذ عمليات تخريبية توقع خسائر بشرية ومادية في بيئة المقاومة، لتستخدمها في عمليات التجييش المضاد والمعادي للمقاومة والمقاومين.  

ثالثاً: التقدير:  

أمام هذا الموقف فإننا نعتقد أن الأجهزة الأمنية ستعمل جاهدة على (خلق) الذرائع والأسباب المختلفة للاحتكاك بالمقاومين، بهدف تحييدهم عبر عمليات التصفية والاغتيالات، أو التحييد الناعم عبر الاغراء بالامتيازات والتسهيلات، وصولاً إلى المساعدة في تهيئة الظروف العملياتية للعدو للقيام بنفسه بعمليات التحييد ـ قتلاً أو اعتقالات ـ، كما أن جزءاً من جهود هذه الأجهزة سينصب على تنفيذ إجراءات من قبيل التخريب أو إزعاج البيئة، أو التصادم مع المقاومين، أوتعطيل خدمات مدنية حياتية بعلة عدم أمن المكان، أو الحرمان من الحقوق المدنية المكتسبة، وغيرها من الإجراءات  التي من شأنها أن تؤثر سلباً على علاقة المقاومين مع بيئتهم الحاضنة.  

رابعاً: التوصيات وإجراءات المواجهة:  

كان ذلك هو الموقف والتحليل ثم التقدير، أما عن التوصيات فإنها من النوع الذي يحصّن البيئة الحاضنة للمقاومة، كما يحافظ عليها من التهديدات الداخلية والخارجية، والتي من أهمها ما يأتي:  

1. تحصين البيئة الداخلية للمقاومة:
 يجب العمل على تحصين البيئة الداخلية الذاتية للمقاومة، فلا يدخل لها إلا كل مؤتمن، ولا يقترب منها إلا كل ثقة، إن أجهزة السلطة الأمنية وحلفاءها الداخليين والخارجيين سيجتهدون ويجعلون  جهدهم الرئيسي منصب على أعمال الهدف منها الوصول إلى داخل فصائل المقاومة، لتعرف ما يدور في رؤوس قادتها وعناصرها، لتسبقهم بخطوة، لذلك فإن تحصين هذه البيئة الداخلية من أوجب الواجبات، و أولى الإجراءات.

2. تحصين البيئة الحاضنة للمقاومة: 
كما يجب أن لا تُغفل البيئة الحاضنة للمقاومة، ولا يغض الطرف عن متطلباتها وهواجسها، وعلى المقاومين أن يراعوا خصوصيات هذه البيئة، وأن يعرفها قدرتها على تحمل الأكلاف، فلا يحملوها أكثر مما تطيق، وأن لا يطلبوا منها أكثر مما تستطيع أو تملك، إن رعاية هذه البيئة الحاضنة سوف يعطي مؤشراً لأهلها أن هذه المقاومة ليست مقاومة عبثية، ولا هي منبتّة عن البيئة التي تعمل فيها ولها، وإنما هي وكيل ينهض بالأعباء عنها ـ عن الحاضنة ـ وأنها لا ولن تكلفهم أكثر مما يطيقون.    

3. كسير هيبة الأجهزة الأمنية: 
ومن الأمور المهمة في هذا الصدد؛ كسر هيبة الأجهزة الأمنية، عبر عدم الخضوع لإجراءاتها أو تنفيذ توصياتها، يجب أن يصل الناس إلى مستوى من الوعي والثقة بالنفس ما يجعلهم لا يحسبون لهذه الأجهزة حساباً، ولا يقيمون لها وزناً، وفي هذه الحالة؛ سوف تخسر هذه الأجهزة أهم عنصر من عناصر قدرتها ألا وهو هيبة العامّة منها، فإن تحقق هذا غدت هذه الأجهزة ( مخصية ) القدرة، عديمة الحيلة.  

4. تفعيل البيئة العائلية للمقاومين: 
إن مجتمعنا مجتمع عوائل وعشائر، وأفخاذ وحمائل، ينهض المجموع ليسد عن الفرد، وينتصر الكل للجزء، لذلك فإن تفعيل البعد العائلي في العلاقات بين الأجهزة والمقاومين أمر مهم وحيوي، فإذا انتفضت العوائل لأبنائها وانتصرت لهم في وجه هذه الأجهزة؛ فلن تجرؤ ـ الأجهزة ـ  على القيام بما يضر بفصائل المقاومة هذه، وإن قيل أن عائلة ما قد تبرأت من ابنها الذي يخدم في الجهاز الفلاني لأنه اعتدى على مقاوم هنا، أو سلّم مقاوماً هناك؛ فإن كثيراً من منتسبي هذه الأجهزة سيراجع نفسه، وسيكف عن التعرض للمقاومة والمقاومين.  

5. ردع الأجهزة الأمنية: 
أما الإجراء الأخير والمهم فهو ردع هذه الأجهزة عن الفعل عن طريق معاقبة من فعل والقصاص منه، وهنا؛ العين بالعين، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص (وفهمكم كفاية )، فمن لم يردعه حرمٌ عائلي، أو خُلق عشائري، فآخر دوائه الكي.

ذاك هو الموقف، وهذه هي التوصيات، والعاقل من اتعظ بغيره، ولم ينم لعدوه ولو كان نملة، وقديماً قيل لفرعون: من فرعنك؟ قال: ( ما لقيتش حد يردني ).
                       والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023