بقلم الأسير:
أحمد التلفيتي
تصاعدت التحليلات والاستقراءات من المشهد الفلسطيني بعد فوز التيار الديني المتطرف في الكيان الصهيوني بنسبة مقاعد كبيرة مكنت من سيطرة اليمين على الكنيست، وتوجهت المتابعات لأخبار تشكيل الحكومة الصهيونية المقبلة مع حضور ثقيل وواسع للمتطرفين فيها، لاسيما الوزارات الحساسة كالأمن الداخلي والدفاع، ومع مشروعية الاهتمام الكبير للمراقبين بتطورات المشهد الصهيوني وانعكاساته على الوضع الفلسطيني، برزت تخوفات من مهاجمة الاحتلال المتوقعة في ظل هكذا حكومة تقابلها طمأنة واستبعاد بحكم عوامل كثيرة، يستعرض هذا المقال بعض مبررات التخوفات أو التطمينات كالتالي:
أولاً دواعي التصعيد المحتمل:
1- الخلفية الأيدلوجية المتطرفة بالنسبة لتيار الصهيونية المتدينة كإيتيمار بن غفير وسموتريتش، والتاريخ الحافل بالإرهاب ورعاية نشطائه مادياً ومعنوياً، والوصول المتدرج للسلطة بعد منع قضائي سابق؛ بسبب لوائح التنظيم الإرهابية الداعية لطرد العرب ومحوهم وغيرها، واعتبار التصعيد عقائدياً وليس مصلحياً وخصوصاً في الملفات الأكثر حساسية: الأقصى والمسرى والترانسفير والاستيطان.
2- حصولهم في هذه الانتخابات على فرصة تاريخية ذهبية تشكلت في حجم المقاعد التي حصلوا عليها وتشتت منافسة اليسار والوسط وحاجة نتنياهو الشديدة لهم مع ارتفاع التوتر الأمني والوعي في الضفة والداخل، فهي فرصة قد لا تتكرر ليطبقوا برنامجهم ويحققوا أهدافهم ويثبتوا جدارتهم بالمناصب الأولى بالدولة.
3- وجود عدد من المجالات التي تمكنهم من المفاضلة في الاستهداف بحيث تتفاوت نسب المخاطرة في تلقي ردات الفعل، فلسطينياً: الأقصى والأسرى وغزة والاستيطان وبؤر التوتر كجنين ونابلس، صهيونياً: الميزانيات والقوانين والقضاء والحريات، في الداخل: الجليل والنقب والمدن المختلطة.
ثانياً كوابح أي تصعيد محتمل:
1- عدم الرغبة في المغامرة والمقامرة سيما مع وجود طموح للتمكن أكثر في قيادة الكيان، لأن أي تورط في ملف كبير سيظهر قادة المتطرفين أنهم أغرار ومتهورون، ويسهل شن دعاية مضادة تضر بموقعهم الانتخابي، ويمكن استخدام صيغة (مُنِعتُ) للتراجع عن أي تهديد والنزول عن شجرة الوعيد، وقد استخدم سابقاً من قبل متشددين.
2- الصعوبات المتوقعة في إدارة الوزارات واتخاذ القرارات والآليات تنفيذها وعلاقتها بالدوائر الأخرى.
3- قدرة نتنياهو الفائقة -بحكم الخبرة- على احتواء أو حرق الشخصيات النافعة، وخاصة التيار المتطرف للتوافق معه لعدم وجود شخصية تجمع اليمين غيره حالياً على الأقل.
4- توفر جبهات أقل مخاطرة من أخرى، مثل الداخل (الجليل والنقب والاستيطان والملفات الصهيونية الداخلية كالقضاء والميزانيات والحريات) وهي ملفات يمكن الإنجاز فيها.
5- توقع خلافات داخل المتطرفين في ترتيب الأوليات والتعامل مع العمل السياسي وضرورات التوافق، وبروز نجوم منافسين من داخل التيار، فضلاً عن خلاف جدي قد نبش بين أطراف اليمين العلمانيين والمتدينين بنسب تطرفهم كافة.
6- الموقف الأمريكي المعارض حالياً لأي قلاقل غير محسوبة في المنطقة خصوصاً مع استمرار حرب روسيا وأوكرانيا وازدياد التوتر في بحر الصين، ومحاولة إذكاء التظاهرات في إيران لتشتد عنفاً وتأثيراً.
إجمالاً فالمقاومة في غزة هي ضابط التوجيهات الصهيونية في الملفات الصهيونية، بالطبع إلى جانب تطور الوضع الملتهب بالضفة وإمكانية هبة أخرى بالداخل، كما أن ثورة يسار الصهيوني إن مُسَّ بالقضاء والحريات كفيلة بتعقيد مهمة المتطرفين في الحكومة، وعليه: لا ينبغي التهوين من شأن قادة الاحتلال الجدد فهم من الخطورة بمكان، لكن دون هوس تخوف فالطريق أمامهم وعرة لتحقيق ما يريدون، ويبقى الاستعداد واليقظة بقراءة واقعية سلاح كل فطين.