كان لدى بائع الملح حمار يستعين به لحمل أكياس الملح إلى السوق، في يومٍ ما اضطرّ البائع والحمار لقطع نهرٍ صغير للوصول إلى السوق، غير أنّ الحمار تعثّر ووقع في الماء، فذاب الملح وأصبحت الأكياس خفيفة، سعد الحمار كثيراً، فاعتاد على تكرار الخدعة نفسها، حتى اكتشف البائع حيلة الحمار، فقرّر تعبئة الأكياس بالقطن، في اليوم التالي أوقع الحمار نفسه في الماء، لكن ازداد ثقل القطن أضعافاً، وواجه الحمار وقتاً في الخروج من الماء، "العبرة لن تسلم الجرّة في كلّ مرّة".
"إسرائيل" لن تكون هذه المرّة النموذج الأمثل في التماسك نحو البقاء، بل سيزداد الانقسام في جسدها المتهالك، وحكومة اليمين ستكون رأس الحربة، في صراع مع الآخر داخلياّ، ولن يستجيبوا لرسالة وقّعها "412 من قادة سابقين في منظومة الاحتلال الأمنية والعسكرية بعثت إلى نتنياهو، أعربوا فيها عن مخاوفهم من حالة فوضى وتفكك في "الجيش الإسرائيلي".
من جانب آخر، بن غفير الوزير الذي سيتمتع بصلاحيات موسعة على الشرطة، ستكون له الصولة والجولة في مسار الأحداث، أمّا سموتريتش الذي نجح في انتزاع منصب وزير المالية، ويطالب أيضاً بالإدارة المدنيّة لتخضع تحت إمرته، بدلاً من خضوعها لقيادة الجيش، فيساهم بمزيد من الشتات في منظومة السياسية، أرييه درعي عن حركة "شاس" فقد حصل على وزارتين الداخلية والصحة، وعلى استقلالية في الميزانية، ثم يطالب بمنصب القائم بأعمال رئيس الوزراء، وهناك مطالب لا تزال قائمة، ومن الممكن أن لا يرفضها نتنياهو!، وذلك للاستعانة بهم في سن القوانين والتشريعات التي قد تنجيه من أي محاسبة مقبلة في ملفات الفساد.
ليس بعيداً عن معارك مناصب السلطة، فإن معظم الليكوديين يراقبون المفاوضات الائتلافية بهدوء ويطحنون أسنانهم، لكن الذي تجرئ وانتقد نتنياهو هما دافيد بيتان وداني دانون، مطالبين تحسين الحصة المتبقية لهم، نتنياهو لديه عدد من الحقائب والمناصب داخل الكنيست، لكن لا تكفي لجميع أقطاب الليكود، والمؤشرات تفيد بأن نتنياهو سيحاول إسكات مصدر القوة في حزبه المتمثّل بِ "يسرائيل كاتس" و" دودي أمسالم"، فكما أوردت معاريف لحظة كتابة هذه السطور، ان "دودي أمسالم" سيستلم منصب وزارة العدل.
إلى زاوية أخرى من زوايا السيطرة والهيمنة، قناة كان العبرية أفادت أن: بيني غانتس في رسالة لوزير الحرب المكلف يوآف غالانت ذكر فيها: "إذا توليت المنصب حسب شروط جديدة، وصلاحيات سحبها نتنياهو منك لصالح بن غفير وسموتريتش، "ستصبح أنت مقاول في تفكيك منظومة الأمن والجيش، وستكون وزير جيش درجة ثانية"، لم يتأخر الرد الناري من عضو الكنيست من حزب "عوتسما يهوديت" تسفيكا فوجل فقال: "إذا اعتقد رئيس هيئة الأركان القادم هرتسي هليفي أننا سنعيق عمله؛ فمن حقه أن يقدم استقالته أما نحن فلن نستقيل لأننا منتخبون من قبل الشعب".
إذاً لم تطأ أقدام المتطرفين عتبات الوزارات، وإذا بهم يستخدمون تلك العربدة السياسية التي مارسوها في شوارعهم، ستنتقل وجهاً لوجه مع منظومة "الجيش والقضاء والقانون وغيرهم"، موقع والاّ العبري اورد عن بدء نتنياهو وحلفائه السيطرة على النظام القضائي والمحاكم، في محاولة تمرير مشروع قانون للكنيست، بموجبه يكون للحكومة الدور الأكبر في لجنة تعيين القضاة، ليعتبر حينها مساس مباشر بمنظومة القضاء.
أسلوب التناوب الذي يستخدمه نتنياهو قد يشكل عبئاً لا يستهان فيه، في خلق حالة عدم استقرار مستقبلي لدى الحكومة المرتقبة، فقد أشارت صحيفة "إسرائيل اليوم" وعقّبت على مسألة التناوب في وزارة المالية "لن يكون أي استقرار لدى وزارة المالية، لأن سموتريتش سيشغل منصب وزير المالية لمدة عامين، وبعدها سيتم تعيين أرييه درعي، والحقيقة تقول أن وزير لمدة عامين، لا يستطيع العمل أو إعداد خطط طويلة الأجل، أو إدارة موظفي الوزارة، والأصعب من ذلك أن الواقع الاقتصادي السيئ الذي ورثه عن سلفه، هو غير طبيعي، أما بخصوص هوية الوزير وسياسته تعتبر غير مهمة لِ نتنياهو، لأنه يعتبر نفسه المؤثّر الأكبر على الوزارة ذاتها، وينطبق الشيء نفسه على وزارة الدفاع.
مراقبين عبّروا عن قلقهم من تلك التقسيمات في الحقائب وحالة التناوب، وتوزيع السلطات والمهام، وبقولهم إن الضرر سيفوق الفائدة، وأن المزيد من أعضاء الكنيست والسياسيين، غالباً ما سيكون نهاية مسار الحكومة، خصوصاً عند لحظة تبادل الأدوار "التناوب".
أعتقد أن حكومة اليمين المتطرفة، ستملئ الكثير من الأكياس الفارغة بالرمل والقطن المبلل بالانشقاقات المتزايدة، لتتجه نحو الضياع المنتظر.