القناة12

البرفسور أفرايم عنبار

لن يتم هزيمة الروس ولدى الغرب ما يخسره، لذلك يجب إنهاء الحرب في أوكرانيا.

من غير المرجح أن يؤدي الدعم الغربي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا إلى هزيمة روسيا، علاوة على ذلك، فقد أصبح عبئاً كبيراً يهدد تحقيق الأهداف الاستراتيجية المهمة الأخرى للغرب.

من الواضح أن الحرب لن تنتهي بعودة وحدة الأراضي الأوكرانية، كما طالب رئيسها، فلديمير زيلينسكي، ومن الصعب الافتراض أن شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس، المأهولة بالسكان من أصل روسي، ستعود إلى الحكم الأوكراني، ومن الصعب الافتراض أن بوتين سيكون مستعداً لنتيجة تُصوَّر على أنها هزيمة، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية والمشاكل العسكرية، فإن روسيا لن تخضع لشروط أوكرانيا.

قوة بقاء روسيا أقوى من قوة أوكرانيا، وبالتالي من المحتمل أن تستمر موسكو في حرب الاستنزاف-بينما تفرض ثمناً باهظاً من الأوكرانيين، علاوة على ذلك، فإن محاولة إذلال روسيا أمر غير حكيم، وربما غير فعال.

لذلك فإن النصر كما هو محدد في أوكرانيا لا يمكن تحقيقه، لكن في ظل الظروف الحالية لا تستطيع حتى موسكو أن تفرض على أوكرانيا رغبتها في إبقائها ضمن الظرف الأمني الروسي.

تم تحويل الاهتمام الغربي.

لكن تجدر الإشارة إلى أن الغرب قد حقق بالفعل هدفه الاستراتيجي - وهو إضعاف روسيا، لذلك على الرغم من المبادئ الأخلاقية المتأصلة في دعم النضال الشجاع لأوكرانيا، فإن استمرار الحرب يضر بالغرب ويعرض للخطر محاولة الحفاظ على السيادة ضد الدول الاستبدادية.

أعلن ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، مؤخراً عن هدف أكثر تواضعاً للغرب: إنكار انتصار روسي، لقد تحقق هذا الهدف بالفعل، وهذه الصياغة تفتح الطريق للمفاوضات على حل وسط، يجب أن يصبح تحقيقه الهدف الرئيسي للدبلوماسية الأمريكية.

تصرف الحرب في أوكرانيا الانتباه عن التحدي الاستراتيجي الرئيسي الذي يواجه الولايات المتحدة والغرب: الصين، والتحول إلى آسيا -الاستراتيجية التي دعا إليها الرؤساء الثلاثة السابقون للولايات المتحدة- يظل شعاراً فارغاً، طالما أن أوكرانيا تلتهم الاهتمام والموارد الغربية.

تنظر بكين بارتياح إلى التدخل الغربي في أوروبا الشرقية، حيث يخدم التحالف الغربي الذي يفتقر إلى التركيز الاستراتيجي المصالح الصينية: فهو يضعف موسكو ويعزز علاقاته مع بكين، توحد حرب أوكرانيا أيضاً إيران وروسيا في موقف مناهض لأمريكا.

تواجه مشكلة في مواكبة الحرب.

القتال في أوكرانيا هو مثال مدوي على حرب شديدة الشدة اعتقد العديد من الاستراتيجيين أنها ظاهرة ماتت، ومع ذلك فإن هذا يحدث أمام أعيننا ويستهلك أصولاً عسكرية كبيرة وكميات هائلة من الأسلحة باهظة الثمن.

ليس من الواضح إلى متى يمكن أن يستمر الغرب في تقديم المساعدة العسكرية للأوكرانيين، مخزونات الذخيرة الغربية آخذة في النضوب بسرعة، لا تستطيع خطوط الإنتاج الحالية توفير الذخائر المطلوبة للحرب في أوكرانيا بسرعة، لذا فإن قدرة أوكرانيا على مقاومة روسيا سوف تتضاءل، علاوة على ذلك، فإن التدخل الغربي يقلل بشكل كبير من قدرتها على القتال في أماكن أخرى.

من الاعتبارات البالغة الأهمية لإيجاد حل دبلوماسي لإنهاء الحرب خطر التصعيد النووي، يلتزم الغرب بشكل أساسي بمبدأ التدمير المتبادل المؤكد (MAD)، والذي يدعي افتراضه المركزي أن عبور العتبة النووية يؤدي إلى حرب نووية شاملة ذات طبيعة مدمرة بشكل لا يمكن تصوره.

يرى هذا التفكير استخدام الأسلحة النووية فقط في الحالات القصوى، من ناحية أخرى، في مفهوم الأمن الروسي، هناك احتمال للاستخدام التدريجي للأسلحة النووية في حرب تقليدية واسعة النطاق.  

لذلك يجب على الغرب أن يأخذ على محمل الجد التهديدات الروسية بإرغامهم على استخدام الأسلحة النووية، لا سيما عندما يأخذ الميزان العسكري التقليدي منعطفًا نحو الأسوأ.

علاوة على ذلك، فإن استمرار الحرب ضد روسيا يعني المزيد من الاستثمار في إضعاف خصم ثانوي، بينما تمتلك روسيا ترسانة نووية مثيرة للإعجاب، فإن جيشها في حالة يرثى لها.  

الناتج المحلي الإجمالي لروسيا أعلى قليلاً من الناتج المحلي للبرازيل (ليست قوة عالمية)، لكنه يقارب عُشر الناتج المحلي الإجمالي للصين.

الناتج المحلي الإجمالي لدول الناتو يساوي 45٪ من الاقتصاد العالمي، أي حوالي 18 مرة من روسيا محاولة أخرى لإضعاف روسيا ليس لها أي تأثير تقريباً على ميزان القوى الأوروبي والعالمي.

إن استمرار الحرب لا يؤدي إلا إلى زيادة الدمار الذي تلحقه روسيا بأوكرانيا، خاصة على بنيتها التحتية الاقتصادية، فكلما طال أمد الحرب، ازدادت الأموال التي سيحتاجها الغرب لإعادة بناء الدولة المدمرة عندما تنتهي الأعمال العدائية في نهاية المطاف.

كما بدأنا نشهد تصدعات صغيرة في حلف الناتو بسبب طول الحرب، وهناك خلافات حول سياسة إنتاج الأسلحة والنتائج المرجوة، والشتاء البارد سيزيد من التوترات عبر الأطلسي.

إن التردد الأمريكي المفهوم في إرسال جيشها سيصبح أكثر إثارة للتساؤل من الناحية الأخلاقية مع استمرار الحرب وتصبح ملامحها المأساوية أكثر وضوحاً.  

إن التردد الأمريكي في الدخول في حرب "عادلة" يمكن أن يقلب بأحداث غير متوقعة في ساحة المعركة.

​​​​​​​

التركيز على المخاطر بدلاً من الأرباح الضئيلة.

لكل هذه الأسباب، يجب على واشنطن أن تبذل قصارى جهدها لإيجاد صيغة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، هناك حاجة إلى الضغط على كييف لقبول حل وسط، فضلاً عن مقاومة الإجراءات العقابية ضد المعتدين الروس، يحتاج القادة الغربيون إلى التغلب على الميل للنظر في التكلفة التي ينطوي عليها الأمر والتركيز على المخاطر والمكاسب الهامشية الضئيلة التي ستتحقق إذا استمرت الحرب.

تكوين التسوية ليس واضحاً جداً، ربما كان "إضفاء الطابع الفنلندي" على أوكرانيا -وهو خيار كان يجب التفكير فيه قبل الحرب- هو الصيغة الواعدة، للأسف لا يمكن لأي بلد أن يفلت من قيود الجغرافيا السياسية.

في لفتة نبيلة ومكلفة، أعطى الغرب لأوكرانيا بعض حرية التصرف، إن المجاورة لدب عملاق مثل روسيا لها عواقب وخيمة، تجاهلت أوكرانيا واقعها الجيوسياسي، وهي تدفع ثمن هذا الخطأ.