كم هو جيد لإيمانويل ماكرون أن يقام المونديال في قطر؟

منتدى الفكر الإقليمي

رينا بسيست


في الأشهر الأخيرة، انضم عدد غير قليل من الشخصيات العامة في فرنسا إلى الدعوات لمقاطعة كأس العالم في قطر، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يكن بالتأكيد أحدهم -على العكس تماماً- في الأيام الأخيرة ضاعف ماكرون من تصريحاته الداعمة للإمارة.

قبل ثلاثة أيام من افتتاح المونديال، أعرب ماكرون عن معارضته "لتسييس الرياضة" قائلاً: "أنا ضد مقاطعة كأس العالم، مثل هذه الأسئلة -حول الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان- يجب طرحها مسبقاً، حين منح البلد حق تنظيم الألعاب أو المسابقات ".

وقدر ماكرون أن قطر تمر بعملية تغيير طويلة، وأن فرصة الفوز بكأس العالم تدفعها لمواصلة تنفيذ الإصلاحات، وبعد أسبوع من انطلاق المونديال -قبيل مباراة فرنسا والدنمارك- عاد ماكرون وأعرب عن معارضته لمقاطعة قطر.

وكتب ماكرون على تويتر: "في عالم يواجه سلسلة من الأزمات، يجب أن نحافظ على روح الرياضة، التي يجب أن تظل مساحة للجمع بين الناس حول القيم العالمية، ويشهد العالم العربي على التغييرات الملموسة التي قامت بها قطر، وقطر انطلقت في هذا الطريق، وعليها أن تواصل السير فيه، ويمكنها الاعتماد على دعمنا".

يعلق المشجعون الفرنسيون آمالاً كبيرة على فريقهم، وهو ما يفسر جزئياً تأكيد ماكرون فيما يتعلق بمباريات كأس العالم في الدوحة-قطر مع كأس العالم الآن، باريس مع الألعاب الأولمبية في عامين -المدن الشقيقة- لدى المرء ما يتعلمه من الآخر والعكس صحيح.

لكن تصميم قصر الإليزيه نابع من سياسة أوسع بكثير، ومنذ وصوله إلى السلطة قبل أكثر من خمس سنوات، يواصل ماكرون نهج أسلافه -في محاولة لتعميق علاقات فرنسا مع قطر.

منحت كأس العالم في الدوحة الرئيس الفرنسي فرصة أخرى للتعبير -على الساحة الدولية- عن التزامه بتوسيع العلاقات بين البلدين.

الانتقاد الفرنسي لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي ليس جديداً، وتطالب المنظمات الفرنسية بشكل منهجي بأن يثير الرئيس مثل هذه القضايا في كل مرة يسافر فيها إلى دولة عربية (أو دولة أخرى).

غالباً ما يثير ماكرون نفسه هذه القضايا في اجتماعاته مع القادة، لكنه في الوقت نفسه يرفض اشتراط التعاون الاستراتيجي أو الاقتصادي مع الدول "المشبوهة" في هذا النوع من الإصلاحات.

ماكرون -على سبيل المثال- لا يخجل من انتقادات منظمات حقوق الإنسان، عندما التقى في باريس بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ديسمبر قبل عامين، وزعم ماكرون حينها أن "فرنسا لن تربط تعاونها الأمني مع مصر على حقوق الإنسان، لأن مثل هذه السياسة ستضعف القاهرة في محاربة "الإرهاب".

 ثم أوضح أن "اتباع سياسة المطالبة بالحوار أجدى من سياسة المقاطعة التي تقلل من فاعلية أحد شركائنا في مكافحة "الإرهاب" ومن أجل الاستقرار الإقليمي".  

في فرنسا في عهد ماكرون، غالباً ما يتم استخدام مصطلح "المطالبة بالحوار"، والذي يسمح للحكومة بالمشي على الحبلين -حقوق الإنسان والمصالح الوطنية- في نفس الوقت، لكن خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في يوليو/تموز الماضي، لم يكلف قصر الإليزيه عناء استخدام اللغة المغسولة.

رد مكتب ماكرون على المنتقدين بجفاف بأنه "في إطار حوار علاقات الثقة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، تناول رئيس الجمهورية قضية حقوق الإنسان هناك"، حتى أن الرئيس الفرنسي ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث استضاف بن سلمان في عشاء رسمي فخم في قصر الإليزيه.

تقيم فرنسا وقطر علاقات دبلوماسية منذ خمسة عقود، تشهد تقلبات، بينما تحافظ الولايات المتحدة على حوار بشكل أساسي مع المملكة العربية السعودية، الشقيقة الكبرى، أقامت فرنسا تحالفًا استراتيجيًا مع الشقيقة الأصغر -الإمارات العربية المتحدة.

لا تصل العلاقات مع قطر إلى نطاق العلاقات مع الإمارات، ولكن هنا أيضاً، تستثمر فرنسا في عدد من المجالات، كما هو الحال مع الإمارات، تبذل باريس جهوداً خاصة لبيع الطائرات المقاتلة –رافائيل- وغيرها من المعدات العسكرية باهظة الثمن إلى قطر، لكن التعاون الثنائي يحدث أيضاً في الصناعات المدنية، وبالطبع في مجال الثقافة.

الزيارات المتبادلة لرؤساء الدول تشهد على العلاقات الوثيقة بين باريس والدوحة. كان الأمير حامد بن خليفة ال ثاني أول حاكم يصل باريس بعد فوز نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية لعام 2007.

 قام الرئيس فرانسوا هولاند بزيارة الدوحة مرتين خلال فترة عمله، ووقع هناك اتفاقية للتعاون في مجال الدفاع المدني. كما تمكن ماكرون بالفعل من زيارته مرتين: الأولى في عام 2017، ثم تم توقيع عقود مع شركات فرنسية تبلغ قيمتها حوالي 14 مليار دولار في عام 2021.

للمقارنة، زار ماكرون "إسرائيل" كرئيس مرة واحدة فقط، وحتى ذلك الحين بعد ضغوط شديدة وبعد عدة تأجيلات.

استثمرت قطر بشكل كبير في فرنسا في العقد الماضي، سواء في الشركات المحلية أو في الأصول -على سبيل المثال- في عام 2012 اشترت قطر 2٪ من شركة الإعلانات الفرنسية الكبيرة Vivendi، ويتم استثمار Hectors في الفنادق الفاخرة وفي الشركات الفرنسية الناشئة، وبالطبع من المستحيل عدم ذكر شراء فندق Paris Saint-Germain.

ضخ الملاك الجدد لباريس سان جيرمان مبالغ ضخمة من المال في النادي، لكن شرائه، وكذلك الاستثمارات في فنادق من الدرجة الأولى، تسبب في قدر كبير من القلق في فرنسا، نحن لا نتحدث عن الأصول الاستراتيجية مثل الموانئ البحرية –الصين- أو البنوك، ولكن عن الأصول الثقافية التي على الأقل إلى حد ما  ترتكز الثقافة والهوية الفرنسية.

يجب إضافة بُعد آخر لهذا الانزعاج -وهو دعم قطر للإسلام في أوروبا، قبل ثلاث سنوات، نشر صحفيان فرنسيان كبيران -جورج مالفيرنو وكريستيان تشيسنو- تحقيقاً معمقاً أجروه في ست دول أوروبية، حول سلوك الصندوق الخيري القطري، الذي يمول بناء المساجد ومراكز دراسة القرآن.

وحذر الصحفيان من استراتيجية وضعتها قطر تدعي أنها تهدف إلى توسيع نفوذها في خدمة الإسلام السياسي، استراتيجية كان ماكرون -على ما يبدو- يفضلها حينها ولا يزال يفضل تجاهلها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023