لماذا تخيفكم العباءة التي ألبسوها لميسي؟

هآرتس

شيرين فلاح صعب

ترجمة حضارات


عباية ميسي أجمل ما حدث في مونديال قطر، ولأول مرة منذ عقود، يظهر أحد أهم الرموز في الثقافة العربية حاضرًا وحيويًا على شاشات العالم.

قدم أمير قطر نفسه ورئيس الفيفا، غاني إنفانتينو، الفائز بكأس العالم، كابتن المنتخب الأرجنتيني واللاعب المفضل في العالم، ليونيل ميسي، بزي عربي تقليدي يسمى العباءة.

وكما هو الحال في نص معروف، لم يكن النقد من العالم الغربي و"إسرائيل" بطيئًا في الوصول لميسي الذي وافق على ارتداء العباءة، ولأمير قطر الذي تجرأ على كسر جدار الثقافة الغربية.

قال لاعب كرة القدم الإنجليزي السابق غاري لينيكر: إنه "من "العار" أن يقوم ميسي بتغطية قميصه خلال حفل توزيع الجوائز".

وسارعت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في إنكار على فعل إعطاء العباءة لميسي: "ميسي بدا للوهلة الأولى غير مقتنع لكنه ارتدى الثوب قبل أخذ الكأس وذهب للتلويح فيه مع زملائه"، كان هذا يعني أن قميصه الأرجنتيني كان محجوبًا جزئيًا عندما رفع الكأس أمام جمهور من المليارات.

وغرد الصحفي مارك أوجدن من ESPN (وحذف تغريدته): "لقد أمضى ليو ميسي حياته المهنية بأكملها متوقعًا الفوز بكأس العالم، إلى أن يتمكن من الفوز بها، سيتم تدمير جميع صوره من قبل شخص جعله يرتدي عباءة تجعله يبدو وكأنه سيحصل على قصة شعر".

وبالطبع، انضم بعض متصفحي شبكات التواصل الاجتماعي في "إسرائيل" أيضًا إلى الاحتفال بالقذف مع الخلط بين العباية والجلابية.

الدعوات ضد عباءة ميسي تعكس -مرة أخرى- جهل العالم الغربي، بما في ذلك الإسرائيليين، بمعنى خطوة القطريين؛ فالثوب الذي أعطي لميسي كان يسمى العباءة، وليس الجلابية كما ادعى الكثيرون.

العباءة هي رمز ثقافي ومكانة مهمة في الوطن العربي، ومنحها له رمزية خاصة ودلالة على الاحترام والتكريم؛ فعندما يرتدي الشيخ العباءة، فهذا يعني أنه مسؤول عن جميع أفراد الأسرة والعشيرة.

بالأمس كانت كل الأنظار على ميسي، فقد علق جميع الأرجنتينيين آمالهم عليه في تحقيق الفوز الذي طال انتظاره، خاصة بعد اختيار المنتخب الأرجنتيني لكأس العالم 2018، وكان البعض قد أثنى بالفعل على مسيرته دون أن يتمكن من تحقيق المونديال.

من الواضح أن ميسي لم يكن يعرف سبب ارتدائه العباءة، لكنه ضيف على قطر وعلى هذا النحو كان يحترم مضيفيه وأمير قطر والجمهور العربي في المدرجات.

تخيلوا لو أعطوا ميسي كأسًا كبيرًا من البيرة، أو الشمبانيا؟ هل سيهاجم العالم الغربي ميسي ويشوه سمعته؟ بالطبع لا، لكن العباءة هي أصبع في عين العالم الغربي، وإلى التفوق الذي يطمس الثقافة العربية ويمحوها مرة بعد أخرى.

رغماً عنهم، تمكن العرب من استضافة كأس العالم، وحتى تقديم الثقافة العربية من جميع النواحي (وأيضًا التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني على المسرح الأكثر مشاهدة في العالم).

لو كان إدوارد سعيد على قيد الحياة، لربما يبتسم ويقول: "لقد انتصرنا، بعد سنوات من الاستشراق والقمع والإسكات واختفاء الثقافة العربية، يعود الأمر بشكل كبير".

هناك الكثير ليقال عن قطر، حول الكحول الذي تم حظرها في المدرجات، حول منع التلويح بأعلام المثليين، حول ضحايا بناء الملاعب، حول انتهاك حقوق الإنسان، لكن من الملائم جدًا أن يتحدث العالم الغربي والإسرائيليون عن غسيل العرب القذر؛ لأنه تتيح لهم الشعور بالرضا عن أنفسهم، ونسيان عيوبهم من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي، إلى الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان.

طوال المونديال، ارتدى الزوار من خارج الدول العربية الملابس التقليدية، بل وخصصوها لألوان منتخباتهم الوطنية، وهذا لم يزعج أحداً، فلماذا يؤلم إلقاء العباءة فجأة في عيون الغرب؟

والجهل ونقص المعرفة والفهم هما -كالعادة- أصل الأمر، فقط الشيء الذي لا تعرفه يمكن الاستهانة به والتقليل من شأنه، وكان بإمكان ميسي التخلص من العباءة، وقول إنه لا يريد ارتدائها، لكن على عكس الثقافة الغربية البيضاء، التي ترى نفسها -فقط- في الوسط، وليس لديها مشكلة في إهانة "الآخر"، وضع ميسي معيارًا جديدًا آخر يجب أن يؤخذ على أنه أمر مفروغ منه_الحساسية الثقافية، وإظهار الاحترام على أرض الملعب تجاه المضيفين، فتعلموا منه الروح الرياضية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023