بقلم الأسير:
أحمد التلفيتي
من جديد فُتحت قضية الأسرى للتداول الداخلي الفلسطيني بين ملامة وعتاب وسؤال وجواب، وتبرير العجز تجاههم وحل إشكالياتهم، على وقع استشهاد الأسير ناصر أبو حميد بعد أيام من مهرجان انطلاقة حماس في غزة، وحضور قضية الأسرى على المنصة بشكل واسع، ومع ذلك لا تزيد حياة الأسرى إلا تضيقا وتشديدا مع ارتفاع وتيرة التهديدات بحقهم .
وكون حماس واجهة العمل المقاوم ورافعة المشروع الوطني الفلسطيني، وصاحبة الصوت الأعلى في هذه القضية خصوصا مع إنجازها صفقة وفاء الأحرار وامتلاكها حالياً أوراق تفاوض، بما سمح للبعض أن يعتبرها "أبو الولد"، سيما مع نفض الشعب الفلسطيني يديه من ممثليه الشرعيين، الذين لم يستطيعوا أن يقدموا شيئًا لا في هذا الملف ولا غيره، يضع كل ذلك على طاولة حماس معادلة لا يبدو أنها قابلة للموازنة بإمضاء كافة المعطيات، فالتقدم في أحدها -وفق الظروف الحالية- يعني بالضرورة التجاوز عن غيره، وفي هذا المقام نقاط تحلل صعوبة بل استحالة الموازنة في قضية الأسرى كما يلي:
أولا:
تعمل حركة حماس في البرنامج الوطني بخطوط متوازية وفق الظروف والإمكانات، وأسهم تمكَّنها في غزة في تطورٍ عسكريٍ وأمنيٍ كان له دور كبير في الصراع مع الاحتلال، وفرض معادلات أو كسر خطوط حمراء، كما عملت حماس على تثوير الملفات الوطنية وإبقائها حاضرة بعد تغييب متعمد فلسطينياً وعالمياً، كاللاجئين والقدس والأسرى والاستيطان وغيرها، والسمة العامة هي التقدم في أي خطوة دون أن يمس ذلك القدرة على العمل في الملفات الأخرى، وذلك يعني بالضرورة استيعاب بعض التجاوزات وعدم الردّ عليها إلا عبر الطرق السياسية الإعلامية والجماهيرية، خصوصا في القدس والاستيطان والأسرى.
ثانياً:
إن العمل في مجال الأسرى بكافة تفاصيله وأشكاله عبء ضخم لا بد أن يحمله الكل الفلسطيني، وأثبتت السنوات والتجربة أن إلقاء الملف في جعبة جهة واحدة لن يصل به إلى حل، من ناحية ميدانية فإن ثمن الأسر من أجل التبادل باهظ ومعقد، ولا يمكن وفق استراتيجية وشمول برنامج حماس أن تتحمله في كل حين، ومن ناحية رعاية ومتابعة الأسرى الفلسطينيين واحتياجاتهم وأهليهم فإنّ الحمل عظيم، لذلك فإن اكتفاء أو انكفاء الحركة من غزة أن تعيد كرَّة أسر جنود له ما يبرره، وتجربة سيف القدس ماثلة، ومع ذلك فإن الرعاية بحدها الأدنى لشؤون الأسرى ،وإشراكهم بمشاورات وقرارات الحركة بتحسين وضعهم التنظيمي، مع حماية ظهرهم ضد الاحتلال بمنع التغول الكبير عليهم والتهديد بالقوة في حال الإقدام على حماقات بحقهم، بالطبع لن يكف الاحتلال من ممارساته ولكنه لن يجرؤ على استباحة ساحة الأسرى.
ثالثاً:
تحاول حماس إشراك الفلسطينين كافة، لأن شعار "وجع الجميع" لا يبدو أنه ذو واقع مصدق بالأفعال، ونظرية " أبو الولد" لم تتمكن من حل إشكاليات كثيرة في الساحة الفلسيطنية أبرزها الأسرى، ومع الترهل التنظيمي وصفرية الجهود لدى أغلب إن لم يكن كل الفصائل، فإن تنشيط وتشجيع مبادرات ضمن الحالة الثورية في الضفة يمثل توجهاً في سياسة الحركة لتثوير هذا الملف.
رابعاً:
منحت السنوات الطويلة التي قضاها الأسرى في السجون قدرة هائلة على التحليل والتمييز بين التحريك الجدي والحقيقي لملفهم، والاستعراض الجماهيري الذي يخدم في التعبئة الثورية في ملفات أخرى ويعزز وجه وصورة الحركة، ويشغلهم أمر تحريرهم لأنه الثمن المدفوع في هذا الملف هو أعمارهم، خصوصًا أنه متزامن مع خذلان وزهد واسع، ويؤمنون بأنه بالإمكان أفضل مما كان ويكون، وأنه في الحسابات فسحة وفي الأمر فرصة لمن قرر حقًا أن يكسر قيدهم.
وعليه فإن التوازن مستحيل، فإما إقدام له أثمان باهظة، وإما انتظار يُدفع ثمنه من أعمار الأسرى، والسيناريو الذي بات منتظراً خصوصاً مع انعدام الضغط على الاحتلال من أي اتجاه أو طرف داخلي صهيوني أو خارجي فلسطيني ودولي في ملف الأسرى والتبادل، أن تُستغل فرصة حماقة متوقعة من الحكومة المتطرفة القادمة؛ لخوض مغامرة واسعة تجبر الاحتلال على دفع الأثمان المطلوبة في ملفات عدة وعلى رأسها الأسرى قبل إنهائها وكشرط لتهدئة.