ماذا وراء رفض إسرائيل مساعدة أوكرانيا؟

منتدى التفكير الإقليمي

إليزابيث زوركوف

ترجمة حضارات


ماذا وراء رفض "إسرائيل" مساعدة أوكرانيا؟

أدى تجدد القصف الروسي لمراكز المدن في غرب أوكرانيا والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الكهربائية في البلاد، هذه المرة بمساعدة الأسلحة الإيرانية، إلى خروج القيادة الأوكرانية بدعوات أقوى من ذي قبل لـ"إسرائيل" لتزويدها بالدفاع الجوي.

هذه فرصة ممتازة لـ"إسرائيل" لإظهار موقفها إلى جانب الشعب الأوكراني الذي يدافع عن استقلاله ووجوده، ولخلق علاقات عامة إيجابية لصناعة الأسلحة الإسرائيلية، التي تتصدر عناوين الصحف كلما اكتشفت أنها تزود الأسلحة لأنظمة الظلام.

على الرغم من ذلك، تواصل "إسرائيل" رفضها لمساعدة أوكرانيا، ويبدو أن المؤسسة الأمنية هي التي تقود الرفض، وتبرره بالقول إن تدهور العلاقات مع روسيا سيضر بقدرة "إسرائيل" على تأمين مصالحها في سوريا.

يستند هذا الادعاء إلى المبالغة في تقدير القدرة الروسية على تقييد حرية "إسرائيل" في العمل في الأجواء السورية وقدرة روسيا واستعدادها للعمل ضد الوجود الإيراني في سوريا.

اليوم، تحتفظ "إسرائيل" وروسيا بآلية تنسيق تضمن إيقاف الضباط الروس المشرفين على تشغيل أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة في سوريا -S-400 و 300-S- عندما تحلق طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في سماء سوريا ومهاجمة أهداف إيرانية.

وهكذا، كان على سلاح الجو الإسرائيلي التعامل فقط مع أنظمة الدفاع الجوي السوفيتية القديمة التي يديرها الجيش السوري.

باستثناء حالة واحدة في فبراير 2018 نتجت عن خطأ من قبل الطاقم الإسرائيلي، فشلت أنظمة الدفاع هذه في جهودها المستمرة لإسقاط طائرات سلاح الجو الإسرائيلي.

أزالت روسيا من سوريا واحداً على الأقل من الأنظمة التي كانت قد وضعتها في البلاد لأن هذه البطاريات كانت ضرورية كصواريخ أرض-أرض لضرب التجمعات السكانية في أوكرانيا.

حتى إذا أعادت روسيا نشر هذا النظام بعد أن قامت "إسرائيل" بتزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة، فقد يكون من الممكن ردع روسيا عن استخدام هذه الأنظمة، إذا استمرت الحرب في أوكرانيا، يمكن لـ"إسرائيل" أن تهدد بتزويد المزيد من الأسلحة المتقدمة، أو حتى تدريب الجيش الأوكراني، كما تفعل العديد من الدول الغربية.

 حتى لو انتهت الحرب في أوكرانيا، يمكن لـ"إسرائيل" أن تهدد المصلحة الروسية الرئيسية في سوريا: استقرار نظام الأسد.

حتى الآن، ومن بين أمور أخرى، نظراً لمراعاة مصالح الروس، امتنعت "إسرائيل" عن مهاجمة أهداف مرتبطة بالجيش أو النظام السوري، باستثناء أنظمة الدفاع الجوي المنتشرة ضد الطائرات الإسرائيلية.  

لا يستطيع النظام السوري، من يحكم حالياً على الملايين الذين يعانون من الجوع الشديد ويحتقرون حكمه، لا يمكن أن يسمح لنفسه بإلحاق ضرر كبير بقدرته على القمع، والذي يقوم عليه استقراره.

حتى لو أوقفت روسيا التنسيق مع "إسرائيل" ونشّطت أنظمة دفاعها الجوي المتطورة أثناء تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق سوريا، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت هذه الأنظمة قادرة على ضرب الطائرات الإسرائيلية.

تدرب الطيارون الإسرائيليون عدة مرات على التعامل مع أنظمة S-300 الروسية وتدميرها إذا لزم الأمر.

بعد أن تمكن الجيش الأوكراني من تدمير نظامين من هذا القبيل، والذي قدمته روسيا على أنه مجد إنشاء الصناعة العسكرية المحلية، يمكن الافتراض أن روسيا لن تخاطر بمزيد من التدمير المهين.

حتى لو تم تفعيل أنظمة الدفاع الروسية بالقرب من أهداف ترغب "إسرائيل" في مهاجمتها، فإن فرص سلاح الجو الإسرائيلي في النجاح في مهامه في سوريا عالية.

يمنع نظام الدفاع الجوي اختراق الطائرات إلا إذا عملت جميع مكوناته المنتشرة في جميع أنحاء سوريا بالتنسيق.

بدون تنسيق جميع المكونات، يمكن للخصم استغلال الثغرات أو المجالات الجوية المحمية بواسطة أنظمة قديمة أو بواسطة أفراد غير مهرة لمهاجمة الأهداف المطلوبة.

لم يكن لدى سوريا مثل هذا النظام الفعال، كما يتضح من تدمير العشرات من أنظمة الدفاع الجوي من قبل "إسرائيل" في سوريا على مدى السنوات القليلة الماضية.

بالإضافة إلى ذلك، حتى اليوم تهاجم "إسرائيل" أهدافاً في سوريا دون دخول الأجواء السورية، بينما تحلق فوق لبنان أو البحر الأبيض المتوسط أو الأردن أو "إسرائيل"، مما يقلل من فرص تفعيل أنظمة الدفاع الجوي.

لقد قلل الوجود الروسي في سوريا بالفعل من نفوذ النظام السوري واعتماده على إيران، لكن اعتماد سوريا على روسيا ازداد حيث تعمل الأخيرة على تعزيز نفوذها على حساب دول أخرى، بغض النظر عن "إسرائيل".

 تتلقى روسيا امتيازات لإنتاج الفوسفات والغاز، وهو ما ترغب فيه طهران أيضاً، هذه المصالح الاقتصادية تدفع موسكو إلى إنشاء وحدات تابعة لها في الجيش السوري، مثل الطابور الخامس، لبناء علاقات مع المليشيا العليا لقوات الدفاع الوطني (المعروفة باسم "الشبيحة")، التي كانت تتقاضى في السابق رواتب من إيران، أو لتعزيز الجيش السوري الذي تربطه علاقات تاريخية مع الاتحاد السوفياتي وروسيا على حساب الميليشيات الموالية لإيران.

قدرة روسيا واستعدادها لتأمين مصالح "إسرائيل" ليست ذات أهمية، فشلت روسيا في منع قيام حزب الله اللبناني في الجولان السوري وسيطرتها الكاملة على الحدود السورية اللبنانية، لقد فشلت في حماية الثوار السابقين الذين أصبحوا تحت رعايتها من الاعتقال من قبل حزب الله أو حتى من قبل النظام السوري.

 منذ التدخل الروسي في سوريا، خرجت أجزاء كاملة من البلاد -مثل غرب قضاء دير الزور وشرق مدينة حلب وأطرافها الجنوبية والشرقية والغربية- عن السيطرة الفعلية للنظام السوري وتخضع للسيطرة الإيرانية.

لم تكشف الحرب في أوكرانيا نقاط الضعف الهيكلية للجيش الروسي فحسب، بل كشفت أيضًا عن إخفاقات أنظمة المخابرات الروسية وعملية صنع القرار في الكرملين.

 تنجح روسيا في تدمير مدن بأكملها في سوريا وأوكرانيا، مما يجعل السكان المدنيين بائسين وتسبب في فرار ملايين اللاجئين، لكنها غير قادرة على تحقيق الحل العسكري أو السياسي المنشود من وجهة نظرها.

 لا يسيطر نظام الأسد إلا على حوالي 60٪ من الأراضي السورية، ولا يوفر اقتصادها المنهار لروسيا العديد من الفرص لاستعادة استثماراتها الضخمة في الحفاظ على النظام، وفي أوكرانيا تم اجتياح الجيش الروسي وأجبر على الانسحاب من الأراضي التي ضمها بوتين بالفعل.

من المتوقع أن يزداد ضعف روسيا وعزلتها مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ومعهما العقوبات التي تتسبب بالفعل في انكماش اقتصادها.

بدأ صناع القرار في جميع أنحاء العالم يدركون أن القيادة الروسية أقل سلامة بكثير مما كانوا يعتقدون، وأن أجهزتها العسكرية والاستخباراتية تواجه صعوبة في العمل بسبب الفساد الذي يتخللها، لقد حان الوقت لأن تعترف تل أبيب بذلك وتتصرف وفقاً لذلك.

يجب أن تقف دولة "إسرائيل" على الجانب الصحيح من التاريخ فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، ويمكنها القيام بذلك دون مخاطر كبيرة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023