توتر العلاقات بين قطر والهند

منتدى التفكير الإقليمي

إلعاد بن دافيد

ترجمة حضارات


تعتبر استضافة مباريات المونديال في قطر سابقة عالمية، فهي المرة الأولى التي تقام فيها المونديال برعاية دولة إسلامية.

هذه هي أول بطولة كأس العالم التي تلى فيها، في حفل الافتتاح، سورة من القرآن أمام الملايين من الناس، أول من حظر بيع الكحول وهو مرسوم نال رضى العديد من النساء في كأس العالم، اللائي شعرن بأمان أكبر.

قطر مثل السعودية، لها علاقة واضحة بالإسلام السلفي، وتعرف بأنها دولة تمنح منبراً ورعاية للتيارات الإسلامية، كما في حالة ترسيخ مكانة الشيخ يوسف القرضاوي المعروف، عاش في قطر منذ عام 1977 وأصبح أحد رموزها الإسلامية، أو في دعمها المعلن لمنظمة حماس الإسلامية كجزء من الصراع مع "إسرائيل".

في الآونة الأخيرة، في ظل كأس العالم في البلاد، نشأت علاقة مفاجئة أدت إلى توترات بين قطر والحكومة الهندية.

نشأ هذا التوتر من المنشورات المختلفة على شبكة التواصل الاجتماعي حول مشاركة الدكتور ذاكر نايك، وهو داعية إسلامي هندي مثير للجدل وشعبية للغاية، في مونديال قطر بهدف الدعوة الإسلامية في فعاليات المونديال.

أثار إعلان وصول ذاكر نايك المزمع غضب إدارة مودي، حيث اعتُبر نايك مطلوباً من قبل السلطات الهندية لعدة سنوات بتهمتي خطاب الكراهية والتحريض على الـ"إرهاب".

يمكن لإلقاء نظرة عامة على حالة وتصريحات الواعظ الشهير ذاكر نايك على مدى عدة عقود، أن تفسر سبب التحريض الذي أشعل التوترات بين الهند وقطر، على الرغم من أنه كان أداء لواعظ واحد.

يُعد نايك من أبرز الدعاة السلفيين وأكثرهم شهرة في العالم، وربما أكثر الهنود نفوذًا في مجال الدعوة الإسلامية لدرجة أنه أطلق عليه أيضاً لقب "نجم الروك" للإسلام الحديث.

في تدريبه، كان ذاكر نايك ممارساً عاماً، تأثر كثيراً بأحمد ديدات، أحد الدعاة المشهورين في جنوب إفريقيا الذي عمل في القرن الماضي، ويعتبر نايك تلميذه المتميز.

نايك هو مؤسس ورئيس معهد البحوث الإسلامية (IRF) ومؤسس قناة Peace TV الفضائية، التي يشاهدها أكثر من 200 مليون شخص حول العالم.

ومن أهم أهداف خطبه -التي يلقي معظمها باللغة الإنجليزية- الدعوة التبشيرية، أي انضمام مؤمنين جدد لدين الإسلام، خاصة من دول آسيوية مثل إندونيسيا وماليزيا وحتى اليابان.

يُعرف نايك بتصريحاته المتطرفة، ولهذا غالباً ما يُشار إليه بـ "داعية الكراهية" وخطيب تتعارض مواقفه مع قيم الديمقراطية والتسامح، على سبيل المثال أيد بتر أيدي اللصوص، كما هو معتاد في المملكة العربية السعودية، ويعبر عن موقف عدائي تجاه مجتمع المثليين.

حتى أنه وصف جورج بوش الابن، الرئيس السابق للولايات المتحدة، بأنه "إرهابي"، لكنه رفض التعبير عن نفسه بنفس الطريقة تجاه أسامة بن لادن، الذي كان يعامله بشكل لطيف.

باعتراف الجميع، إلى جانب هذه العبارات، غالباً ما يتحدث نايك بقوة ضد استخدام الجهاد في القتل ويقتبس إحدى الآيات المشهورة في القرآن (سورة 5، الآية 32)، والتي تقول أن كل من يقتل روحاً واحدة كأنه قتل البشرية جمعاء.

في هذا الصدد، انتقد نايك بشدة إرهاب داعش الذي وصفه بـ "التنظيم المعادي للإسلام" (AISIS)، ونفى الاتهامات بأنه يدعم أفعال بن لادن.

وعلى الرغم من مواقفه، فإن تصريحاته الأخرى على مدار السنين تسببت في منعه من دخول العديد من دول الغرب، مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا العظمى.

شعبية نايك المتزايدة على وسائل التواصل الاجتماعي لها تعبير عددي نادراً ما يشاهد في الخطباء المسلمين الذين ينشرون باللغة الإنجليزية: صفحته على الفيسبوك لديها 18 مليون متابع، قناته على يوتيوب لديها ما يقرب من ثلاثة ملايين ونصف متابع، وعدد المشاهدات على هذه القناة يقترب من ربع مليار.

إن مكانة نايك النخبة إلى جانب تصريحاته الاستفزازية والمثيرة للجدل ربما تكون أحد أسباب عداء المؤسسة في الهند له، خاصة وأن الحزب الحاكم لرئيس وزراء الهند يعتبر أيضاً كراهية للإسلام في نظر المسلمين في بلادها.  

من المسلم به أنه على الرغم من ارتباط قطر الإسلامي السلفي بعمل نايك، إلا أنها سارعت إلى تخفيف حدة التوتر الناجم عن أنباء مشاركته في المونديال، وأبلغت الهند عبر القنوات الدبلوماسية أن نايك لم يتلق بالفعل دعوة رسمية منها للمشاركة في افتتاح كأس العالم في الدوحة في 20 نوفمبر 2022.

علاوة على ذلك، زعمت قطر أن هذه "المعلومات المضللة" كانت مقصودة ونشرتها دول ثالثة لإفساد العلاقات الثنائية بين الهند وقطر.

يأتي هذا البيان الرسمي لدولة قطر بعد تحذير مباشر من إدارة مودي إلى الدوحة بأن نيودلهي ستضطر إلى إلغاء رحلة نائب الرئيس جاغديب دانكار إلى حفل افتتاح كأس العالم إذا دعت الدوحة رسمياً نايك لمشاهدة حفل الافتتاح من منصب VIP في ملعب كرة القدم.

في الواقع، عندما أقيم حفل افتتاح المونديال بحضور نائب رئيس الهند، لم يكن هناك أي أثر لوجود ذاكر نايك في ملعب FIFA في الخلفية.

في الواقع، أظهر مقطع فيديو تم نشره مؤخراً مجموعة من غير المسلمين يتلوون الشهادة أمام نايك في قطر، لكن اتضح أن الحدث خرج عن سياقه، حيث تم إسلامهم في مؤتمر في دولة أخرى في عام 2016.

صحيح أن النشاط الإسلامي السلفي في المونديال له سوابق في المونديال السابق، على سبيل المثال في كأس العالم التي أقيمت في البرازيل عام 2014، أرسلت منظمة الدعوة البريطانية دعاة دينيين (دعاء) إلى البرازيل، الذين نظموا مواقف في جميع أنحاء مدينة ريو دي جانيرو، واقتربوا من المارة أثناء توزيع المنشورات التي تضمنت معلومات عن الإسلام والنبي محمد عليه السلام بهدف اعتناقهم الدين.

جاء عبد الرحيم غرين، وهو داعية بريطاني معروف كان مسيحياً، إلى تمثال يسوع الشهير على الفور ووقف على الدرج المؤدي إلى التمثال لتحية المارة (المسيحيين) الذين أتوا للزيارة والصلاة في الموقع، في إطار محاولته إقناعهم بالانضمام إلى دين الإسلام.

يمكن للتوترات التي أحدثها الإعلان عن مشاركة ذاكر نايك في مونديال قطر في قطر أن تظهر أن وجود دعاة شعبية مثيرة للجدل مثل نايك يمكن أن يسبب توترات بين الحكومات والدول.

إن اضطهاد نايك القانوني والسياسي من قبل الهند يعزز في الواقع مكانته ومكانة الدعاة الآخرين المماثلين، ويضعهم كلاعبين أثقل تأثيراً في الساحة السياسية، خاصة في عصر الشبكات الاجتماعية.

على خلفية مشاركة نايك المخطط لها على ما يبدو في كأس العالم في قطر، من المهم أن نتذكر أن الحدث، الذي يتعرض لملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم، هو أرض خصبة كلاسيكية للدعوة الدينية ونشر رسالة الإسلام، خاصة عندما يتعلق الأمر بمسابقة عالمية تقام تحت رعاية دولة إسلامية مثل قطر.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023