بقلم المستشار/
أسامة سعد
28/12/2022م
انشغل المجتمع الفلسطيني خلال المدة الماضية كثيراً بقضية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولقد انتابني شعور عميق بأن كل من يتابع الشأن الإسرائيلي لديه رغبة جامحة بألا يستطيع نتنياهو تشكيل الحكومة التي عدّوها أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ (إسرائيل) القصير، بل لقد أسرف البعض في نقل حديث الساسة الصـهـاينة المناوئين لنتنياهو بشأن فساد أعضاء الحكومة الجديدة والقضايا التي رُصدت ضدهم في المحاكم الإسرائيلية، وكذلك نقل المحللون خوف بعض الضباط الصـهـاينة على الكيان من غلو الحكومة الجديدة، وتحدثوا عن رسالة أرسلها هؤلاء الضباط الكبار للمحكمة الإسرائيلية العليا يطلبون فيها تدارك الأمر بصفتها الجدار الأخير للحفاظ على (الدولة)، ثم تحدث البعض بشأن تحفظ الإدارة الأمريكية على بعض الشخصيات التي ستتشكل منها الحكومة.
ربما يعذر المرء المحللين والخبراء على هذا الانجراف الشديد نحو الانسياق اللاشعوري في طبيعة التفكير الصـמـيوني، وذلك بسبب التأثير الشديد للسياسة الصـهـيونية في الأحداث التي تجري على الأرض الفلسطينية، ولكن يبدو أننا ننسى في غمار هذه الزوبعة أن الشعوب المحتلة الـمـقــاومة لم يكن بوارد حسبانها قط أن تراهن على سياسات الحكومات القائمة بالاحتلال، وإنما كان تركيزها دائمًا على الـمقاومة التي تجبر الاحتلال على الرحيل أيًّا كانت الحكومة التي تحكم، ولا أظن أن أي حكومة صـهيونية سواء تلك التي تدّعي أنها يمينية أو يسارية قد يراود خيالها فكرة منح الشعب الفلسطيني حقه كنوع من ترف الفكر السياسي الذي قد يخطر ببال زعمائها دون أن تكون المقاومة العنيدة والصلبة هي التي تدفعهم إلى ذلك مضطرين، وهذا ما تخبرنا به تجارب كل الشعوب التي ناضلت ضد الاحتلال.
حكومة نتنياهو الجديدة بكل ما يرفعه أعضاؤها من شعارات عنصرية وخطط استيطانية تتوجه بوضوح نحو الصدام الحتمي مع المقاومة التي خاضت حربًا قاسية مع الحكومة الصـهـيونية السابقة من أجل الدفاع عن القدس والتصدي لممارسة الغطرسة والقمع ضد أبناء شعبنا في الضفة الغربية ومدينة القدس على وجه الخصوص.
الصدام الحتمي بين الـمـقــاومة والمحتل هو العلاقة الطبيعية بين المتضادات، وهو الأمر الذي سيبقى قائماً ما بقي الاحتلال، صحيح أن زيادة القمع ورفع وتيرة الاعتداء ستؤدي إلى تصاعد الـمـقــاومة، ولكن لا يعني ذلك أن يُعد الصدام بحد ذاته أمرًا طارئًا بين الـمـقــاومة والاحتلال، وعليه فإنني أجزم بأن حكومة نتنياهو الجديدة وكامل أعضائها يدركون هذه الحقيقة جيدًا، وخير من يدرك هذه المعادلة هو رئيسها نتنياهو الذي سعى جاهدًا طوال مدة حكمه السابقة -وهي الأطول في تاريخ رؤساء وزراء العـدو- للحفاظ على التوازن القائم بين الـمـقــاومة والاحتلال حتى لو كان هشًّا، وفي سبيل ذلك مثلاً أمر جهاز أمنه بنقل الأموال القطرية مباشرة من مطار اللد إلى معبر إيرز لتسليمه للحكومة في غزة رغم ما صاحب هذه الحركة من شكل إذلال لقوات الاحتلال التي تسلم المال مرغمة وهي تعلم جيدًا أن جزء منه يذهب إلى جهات غير تلك التي اتفق عليها.
لا أقول إن نتنياهو سيمارس نفس سياسته السابقة بالحفاظ على التوازن، ولكنها الوسيلة المثلى لبقائه في الحكم أطول مدة ممكنة، ومرد ذلك أن الولايات المتحدة والإقليم والدول المطبعة يرغبون في تهدئة المنطقة لتمرير مخططهم للشرق الأوسط الذي يتعامل مع (إسرائيل) على أنها عضوًا طبيعيًّا في المنطقة.
وعلى الرغم من عدم الرضى المعلن من قبل الإدارة الأمريكية عن توجهات بعض أعضاء حكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة فإن موقف الولايات المتحدة لن يختلف عن مواقفها السابقة عند أي صدام يحدث بين الـمـقــاومة وحكومة نتنياهو المتطرفة، وسترفع الولايات المتحدة شعار "من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها"، إلا أنها ستسعى جاهدة من خلال الوسطاء لاحتواء النزاع في أضيق صورة ممكنة كما كانت تفعل في كل مرة.
وحتى حدوث هذا الصدام سيسعى جاهداً ابن غفير وسموتريتش إلى فرض بعض الوقائع التي يمكن تحقيقها على الأرض، وستذهب بقية شعاراتهم أدراج الرياح كما ذهبت شعارات ليبرمان قبل ذلك حينما وعد أنصاره بالتخلص من السيد إسـمـاعيل هنية خلال 48 ساعة إذا ما تسلم وزارة الدفاع الصـهـيونية، ثم ظهر جليًا فشله الذي حاول تحميله لنتنياهو معللاً ذلك بأن نتنياهو منعه من تحقيق وعده.
السياسة الصـهـيونية منذ قيام دولة الكيان لا تتغير، فهي قائمة على إنكار وجود الشعب الفلسطيني، ناهيك بالاعتراف بحقوقه، وفي سبيل الصعود السياسي كان الساسة الصـهـاينة يرفعون شعارات العنصرية ضد العرب، ولقد قالوا سابقاً إن دولة (إسرائيل) من النيل إلى الفرات، وقال ديان: حدودنا حيث تصل جنودنا، ولكن الذي يحدث على الأرض أن الكيان في حالة تراجع رغم نغمة العنصرية النشاز التي يعزفها أغرار السياسة الصـهيونية، قد يجمعون الأصوات على أنغام العنصرية والتطرف، ولكنهم سيصطدمون بحائط صد عظيم أفشل عتاة الفكر الصـهـيوني الذين أسسوا كيانهم، ذلك الجدار هو الشعب الفلسطيني العظيم.