لعبة حرب: اندلاع أعمال عنف في الحرم القدسي

معهد بحوث الأمن القومي

أودي ديكال

ترجمة حضارات


أقيمت "لعبة حرب" في معهد دراسات الأمن القومي، محاكاة للأحداث بعد اقتحام آخر للوزير إيتامار بن غفير إلى الحرم القدسي الشريف.

مثّل باحثو المعهد والمشاركون الخارجيون الحكومة الإسرائيلية، ومجلس الأمن القومي والمؤسسة الأمنية، وشرطة "إسرائيل"، والمملكة الأردنية، والولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، وشباب من القدس الشرقية، والجمهور العربي في "إسرائيل"، وحماس، السلطة الفلسطينية والجهاد الإسلامي ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.


السيناريو

بعد أيام قليلة من الاقتحام المفاجئ لوزير الأمن القومي، إيتامار بن غفير للحرم القدسي، اقتحم الوزير مرة أخرى إلى المجمع وأعلن أننا "أصحاب هذا المكان، وسيفهم الجميع هذا قريبًا".

وأوضح أنه يعتزم تمديد ساعات الاقتحام وعدد اليهود الذين يقتحمةن المسجد، وكذلك فتح باب القطاطنة لدخول اليهود.

كما أعلن الوزير بن غفير أنه أصدر تعليمات لشرطة "إسرائيل"، بعدم منع أفراد يهود من الصلاة في المسجد، لأن "لكل يهودي الحق في الصلاة حيثما يراه مناسبًا".

بعد ساعات قليلة، اقتحم مئات من أنصاره إلى الحرم القدسي، واخترقوا حاجز الشرطة عند بوابة القطاطنة ونظموا صلاة جماعية هناك.

قامت مجموعة من الفلسطينيين، معظمهم من شباب القدس الشرقية، الذين تحصنوا داخل المسجد الأقصى المبارك قبل الموعد المحدد، بالاندفاع من منطقة المسجد باتجاه المصلين اليهود، ورشقوا الحجارة والعصي وأطلقوا الألعاب النارية عليهم.

بدأ الفلسطينيون ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للاشتباكات، بما في ذلك مقاطع فيديو "قديمة وملفقة"، يظهر فيها ضباط من الشرطة الإسرائيلية يقتحمون المسجد بأحذيتهم، ويدعون إخوانهم المسلمين للتواجد والدفاع عن الأقصى بالقوة، كما تم تسجيل اشتباكات عنيفة في المدينة القديمة.

وبعد عدة ساعات من المواجهات العنيفة والصعبة، تمكنت القوات الأمنية من تهدئة الاجواء وإجلاء اليهود من المسجد، وتحصن الفلسطينيون داخل المسجد الأقصى وباب الرحمة، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل يهوديين و19 فلسطينيا واصابة العشرات من الجانبين.

وبعد يوم من الحدث أعلن الفلسطينيون في القدس الشرقية والضفة الغربية عن بدء "معركة الأقصى"، وهددت قيادة حماس في قطاع غزة بإشعال "نار جهنم".

خلال المسيرة الحاشدة في غزة، تم تشغيل تسجيل صوتي أيضًا لصوت محمد ضيف، الذي أعلن أن رد حماس جاهز ووعد بإحراق "إسرائيل"، بدأ الآلاف يتدفقون من الضفة الغربية على عدد من الطرق المؤدية إلى القدس والبلدة القديمة بهدف الوصول إلى الحرم القدسي، وتحصين أنفسهم هناك وعدم السماح لليهود بالاقتحام والصلاة.

وبعث الأردن برسالة قوية لـ"إسرائيل" تدين بشدة الاجتياح اليهودي للمسجد، وأمر السفير الإسرائيلي بالعودة فوراً إلى بلاده وأعلن أنه يفكر في طرد السفير الإسرائيلي من أراضيها، كما قررت الحكومة الأردنية وقف الرحلات الجوية من "إسرائيل" على خطوط الطيران إلى الشرق.

أدانت جميع الدول العربية "إسرائيل"، ودعت الإمارات العربية المتحدة إلى مناقشة عاجلة في مجلس الأمن، ودعا الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى اجتماع سريع لدول الجامعة، كما دعا جميع الدول الإسلامية للتعبئة للدفاع عن الأقصى.


تقدم اللعبة

وعقب هذا التصعيد اجتمع مجلس الوزراء الدفاعي، وبعد تقييم الوضع خلص رئيس مجلس الوزراء إلى ما يلي:

1. الهدف: إطفاء النيران وتهدئة الوضع، دون المساس بالردع والوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف.

2. يجب توجيه اهتمام خاص إلى العرب في "إسرائيل"، من أجل منع اندلاع أحداث مثل تلك التي اندلعت على خلفية عملية "حارس الأسوار".

3. يجب تجنب الاستفزازات، وعدم السماح بالصلاة اليهودية في الحرم القدسي الشريف.

4. من الواضح أن ذهاب الوزراء إلى المجمع ليس انتهاكًا للوضع الراهن، وبالتالي يجب اتخاذ الإجراءات أمام وسائل الإعلام الدولية، لإيضاح أن "إسرائيل" تحافظ على الوضع الراهن، ومع ذلك ، أمر رئيس الوزراء بإجراء اقتحام مراقب لعدد من الوزراء وأعضاء الكنيست وفقًا لتقييم الوضع.

5. تم التأكيد على أهمية العلاقة مع المملكة الأردنية ودورها الخاص في مجمع الحرم القدسي الشريف، وتوجيهها لزيادة التنسيق مع الوقف الأردني في إدارة المجمع.

6. يجب الحفاظ على الدور الحيوي للشرطة في السيطرة على الحرم القدسي الشريف، وتهيئة الظروف بسرعة تسمح بعودة صلاة المسلمين في الأقصى.

وقال قائد شرطة منطقة القدس، أنه لم تمنح الشرطة الوقت للتنظيم قبل وصول وزير الأمن الوطني إلى المجمع، وأن الشرطة لم تكن على علم بنيته إعلان تغيير الوضع الراهن هناك، كما لم يكن لدى الشرطة معلومات مسبقة عن تنظيم شباب من القدس الشرقية لمواجهات في المسجد.

وأوضح قائد اللواء أنه بحكم مسؤوليته وسلطته فإنه يمنع في هذه المرحلة الزوار اليهود والمصلين المسلمين من دخول الحرم القدسي الشريف، وذلك لخطر على حياة الإنسان، وعليه، اعترضت شرطة الاحتلال قافلة حافلات تابعة للحركة الإسلامية كانت في طريقها إلى القدس.

جنبا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي، تم إغلاق المعابر الفلسطينية من الضفة الغربية إلى القدس، كما أكد القائد على أهمية التوأمة مع الوقف الأردني من أجل إعادة الهدوء إلى الحرم القدسي.

وأضاف قائد المنطقة أنه ينبغي نشر قوات الشرطة حول نقاط الاحتكاك المحتملة في المدن المختلطة، ولكن هذا قد يعني ضررًا كبيرًا في الأداء اليومي للشرطة.

أصر وزير الأمن الوطني على بقاء كتائب حرس الحدود من الضفة الغربية، تحت قيادته ويجب أن يتم نقلهم إلى القدس لحماية الحرم القدسي، بينما ادعى قائد المنطقة أن هذه التعليمات غير عملية بسبب اعتبارات القيادة والسيطرة، حيث كانت الوحدات مؤهلة لمهمة المسجد والعواقب على الأماكن الأخرى.

على الرغم من تصريحات رئيس الوزراء بشأن الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي، في النظامين الإقليمي والدولي، فقد فُسرت خطوات "إسرائيل" على أنها تغيير للوضع الراهن وقواعد اللعبة في القدس، وفي ساحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل عام.

أعربت مختلف الأطراف عن معارضتها الشديدة للصلاة اليهودية في الحرم القدسي الشريف، وقررت دول "اتفاقات إبراهيم" خفض صورتها في عملية التطبيع مع "إسرائيل"، وصوتت في مجلس الأمن على قرار يطالب "إسرائيل" بالحفاظ على الوضع الراهن، ومن أجل إنشاء قوة مراقبة أجنبية للإشراف على النشاط في المجمع الحساس.

في لقاء بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، أبلغ بن سلمان أن السعودية تعلق الاتصالات مع "إسرائيل" بشأن تعزيز العلاقات الرسمية بين البلدين، وأن الأحداث تعزز موقف المملكة بأنها لن تنضم إلى "اتفاقيات إبراهيم"، بسبب التزامها بالعالم الإسلامي، وكونها وصية على الأماكن المقدسة.

وزعم أيضا أن أحداثا من هذا النوع ستجعل من الصعب على المملكة، تبرير علاقاتها مع "إسرائيل" أمام الشارع السعودي.

كما كشفت اللعبة أن السلطة الفلسطينية التي تضعف، وتفقد شرعيتها في نظر الجمهور الفلسطيني، بسبب ضعف أدائها وفسادها وغياب العملية السياسية أوقفت التنسيق الأمني ​​مع الجيش الإسرائيلي، لدفع حملة "تدويل" الصراع وقيادة تحركات ضد "إسرائيل" في مجلس الأمن، ودعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى احتجاج شعبي جماهيري ضد الجيش الإسرائيلي، ولكن من دون استخدام السلاح.

مجموعات من الفلسطينيين توجهت إلى نقاط الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين عند المحاور في الضفة الغربية، وألقوا الحجارة الثقيلة وزجاجات المولوتوف، وعملت حماس من جانبها بقوة على إشعال النار في جميع الساحات، القدس والضفة الغربية، داخل "إسرائيل" (بمساعدة عناصر من عرب "إسرائيل")، وحتى إطلاق صواريخ من جنوب لبنان، لكنهم حاولوا الحفاظ على الهدوء النسبي في قطاع غزة بسبب الضغط المصري الشديد عليه لتجنب تخريب استعادة تأهيل القطاع.

لكن حركة الجهاد الإسلامي، بتشجيع من إيران، بدأت بإطلاق الصواريخ على قطاع غزة، فيما امتنعت حماس عن محاولة وقفهم أثناء انتظار رد "إسرائيل".

العرب في "إسرائيل" القلقون من قرارات الحكومة اليمينية المتوقعة، التمييز وإدخال قوات أمنية متزايدة في البلدات، نظموا مظاهرات احتجاجية على طرق المرور الرئيسية.

وزادت الأحداث من دوافع العناصر المتطرفة (المتأثرة بداعش)، لتنفيذ اعتداءات داخلية ومحاولات لتسلق الحرم القدسي، وحتى اختراق ساحة حائط البراق الغربي، "إذا دخل اليهود الحرم الشريف فسيدخل المسلمون الإسرائيليون حائط البراق".


رؤى من اللعبة

التوتر بين العوامل المزعزعة للاستقرار والعوامل المقيدة، من المعروف أن الأحداث غير العادية في الحرم القدسي تتسم بدرجة عالية من الانفجار، وقد تسبب عوامل فوضوية للتغلب على القيود.

الاعتقاد في "إسرائيل"، أنه سيكون من الممكن السيطرة على أي حادث، وكذلك توقع أن العناصر المهنية ستوفر استجابة، حتى في حالة تكون فيها عمليات تقييم الوضع والقيادة والسيطرة واستعداد القوات تسوء، ليست صحيحة.

لذلك، يوصى بإجراء دراسة متعمقة للعواقب المحتملة لتنفيذ اتفاقيات الائتلاف، التي تهدف من خلالها إلى تحييد العوامل المقيدة في "إسرائيل" نفسها وفي الساحة الإقليمية، وكذلك تعطيل القدرات الوظيفية لأنظمة اتخاذ القرار والهيئات الأمنية.

احتمال حدوث احتكاك بين الأجهزة الأمنية التي لا تخضع لنفس القيادة، أظهرت اللعبة النقص الناشئ في الوضوح فيما يتعلق بالقيادة والسيطرة على الأجهزة الأمنية المختلفة، ولا سيما التبعية المباشرة لوحدات حرس الحدود لوزير الأمن القومي.

بينما طلبت الشرطة استخدام وحدات الحرس الأمني ​​لمساعدة المدن المختلطة وعرقلة الاقتراب من القدس، طالب الوزير بأن يعملوا في الحرم القدسي، مما يعطل عمليات القيادة والسيطرة لشرطة "إسرائيل".

طُلب من رئيس الوزراء معالجة هذه المسألة في مناقشات مجلس الوزراء، وقرر عدم تغيير إجراءات القيادة والسيطرة لتمكين التعامل الفعال مع الحوادث، الأمر الذي أثار استياء وزير الأمن القومي.

إن إعلان الالتزام بالوضع الراهن أثناء تآكله لا يُنظر إليه على أنه موثوق، وبالتأكيد ليس مطمئنًا، كما فسر اقتحام الوزير بن غفير القصيرة إلى الحرم القدسي في 3 كانون الثاني (يناير)، من قبل جميع الأطراف الأجنبية على أنها استفزاز متعمد، مما يعرض الوضع الراهن الحساس للخطر في أحد أكثر المواقع قداسة وحساسية في الشرق الأوسط.

توضيحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول التمسك بالوضع الراهن غير مناسبة في مواجهة تصريحات أعضاء الكنيست الإسرائيلي، والوزراء المعروفين مواقفهم بشأن نية تغييره.

تعرض العالم للانتهاكات المتكررة للوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، وخاصة الصلوات اليومية التي تقام على الأقل في الجانب الشرقي من الحرم.

يُنظر إلى الالتزام الواضح بالوضع الراهن في أسوأ الأحوال على أنه كذبة، وفي أحسن الأحوال كفك ارتباط للحكومة الإسرائيلية.

الالتزام بالوضع الراهن يعني إسناد دور أساسي للأوقاف الأردنية في تهدئة الوضع في الحرم القدسي الشريف، هذه وجهة نظر مشتركة للحكومة الإسرائيلية والمملكة الأردنية وحتى للسلطة الفلسطينية، على الرغم من أن "السيادة" الفعلية في المسجد هي لشرطة "إسرائيل".

لكن التحركات التي اتخذتها "إسرائيل" على مر السنين أضعفت الوقف. الشباب المقدسيون "شباب الأقصى"، يرون شيوخ الوقف والسلطة الفلسطينية والقصر الملكي في عمان، لاعبين ضعفاء لا يحمون المسجد.

لهذا يجندون وهم مستعدون للتضحية بأنفسهم "شهداء" دفاعاً عن الأقصى، على غرار وضع السلطة الفلسطينية، التي ضعفت بشكل كبير ولا يمكنها حاليًا ضمان الاستقرار في الضفة الغربية، فقد ضعف الوقف الأردني إلى حد كبير، وتعرضت كرامته للإهانة، كما أن قدرته على السيطرة على المئات من الشاب الثائر منخفض جدا.

وتتوقع "إسرائيل" مشاركة الفاعلين التقليديين، (الوقف وملك الأردن والسلطة الفلسطينية) في جهود تهدئة الأجواء، في الوقت الذي يضعف فيه تأثير هذه العوامل من قضية الاشتعال في الحرم القدسي، معنى هذا الاتجاه هو أن "إسرائيل" تفقد وسيلة ضبط النفس.

التصعيد في مجمع حساس مثل المسجد الأقصى له ديناميكيته الخاصة، وكل عمل على المستوى التكتيكي له عواقب استراتيجية، حتى إذا انتهى حدث تكتيكي في وقت قصير، فقد يكون له عواقب طويلة الأمد.

على سبيل المثال، وفقًا لسيناريو اللعبة، قد يساعد قرار الشرطة بإيقاف الحافلات التي تقل ركابًا من عرب "إسرائيل"، في طريقهم إلى القدس على تهدئة الأحداث في العاصمة، ولكن في نفس الوقت سيخلق شعورًا عامًا بأن "إسرائيل" تمنع الوصول إلى مجمع الحرم القدسي، وقد يحفز الشبان الثائر في المجتمع العربي على إثارة المواجهات في المدن المشتركة.

يتغذى الجمهور الفلسطيني والدول العربية، ويتأثرون بشكل كبير بالحملات على الشبكات الاجتماعية وتدفق المعلومات.

من الضروري أن تسبق الحكومة الإسرائيلية الحدث القادم وتستثمر في المعلومات باللغة العربية، مما يبرز الفجوة بين سياستها الفعلية وطموحات الحركات اليهودية الراديكالية، التي لها صدى كبير بين المتصفحين العرب.

يجب على الحكومة أن توضح أنها لا تنوي تغيير الترتيبات في المسجد الأقصى، لتقسيم أوقات الوصول والصلاة في الحرم، (هناك قلق كبير بشأن شكل الحرم الإبراهيمي في الخليل)، وإثبات ذلك يحظر ويمنع صلاة اليهود وتضحياتهم في الحرم.

القدرة على فهم أن قواعد اللعبة قد تغيرت، العيب المتكرر في الألعاب الحربية، هو افتراض أن اللاعبين عقلانيون ويلتزمون بقواعد اللعبة الحالية.

لم يتطور السيناريو، إلى حالة كسر الفاعلون والدولة والآخرون الأدوات.

لذلك، لم نصل إلى وضع تفقد فيه السيطرة الإسرائيلية على الأحداث بسبب العمل "غير العقلاني" للفاعلين، الذين يعتقدون أن الفوضى المستمرة تخدم مصالحهم.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023