العام الأكثر هدوء في غزة هو الأكثر عاصفة في الضفة الغربية وليس بالصدفة

القناة الـ12
د. ميخائيل ميلشتاين
ترجمة حضارات





قبل نحو شهر، احتفلت حماس بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسها في احتفالات مؤثرة، تنظر المنظمة إلى الوراء بقدر كبير من الفخر والتفاؤل: في غضون ثلاثة عقود ونصف، تحولت من مجموعة من الجمعيات الخيرية والمجموعات العاملة في أزقة مخيمات اللاجئين والمجهزة بالسكاكين والفؤوس إلى حاكم في غزة.
 من يسيطر على شبه جيش، يكتسب اعترافًا متزايدًا في الساحتين العربية والدولية، ويضع نصب عينيه السيطرة على النظام الفلسطيني من السلطة الفلسطينية.

حماس تشكل تحديا مخادعا لـ"إسرائيل"، من ناحية أخرى، يسود هدوء في غزة، من بين أمور أخرى، حقيقة أنه يتم الترويج لتحركات مدنية غير مسبوقة تجاه قطاع غزة، ولكن من ناحية أخرى، الضفة الغربية تتصاعد كما لم يكن قبل 20 سنة، وهناك علاقة بين الحالتين.

تلعب حماس، التي تحرص على الحفاظ على الهدوء في غزة، دورًا رئيسيًا في الاضطرابات في الضفة الغربية: فهي تؤسس البنى التحتية التي تنفذ الهجمات، وتدعم المنظمات المستقلة مثل "عرين الأسود"، وتشجع التحريض الجامح وتشجع المواطنين العرب في "إسرائيل" لمواجهة الدولة.

بمعنى آخر: حماس تفرض التمايز على "إسرائيل" - نفس المبدأ الذي ابتكرته وطبقته الأخيرة تجاه الفلسطينيين منذ وصول المنظمة إلى السلطة في غزة.

الهدوء في غزة ليس نتاج اتفاق سياسي أو انتصار عسكري ساحق. إنها بداية إحراج استراتيجي للقضية الفلسطينية، ونتاج للفوضى السياسية التي تجعل من الصعب صياغة سياسة منظمة طويلة الأمد.

التهدئة الحالية هي تقصير في ضوء الطبيعة السيئة للبدائل الأخرى، بما في ذلك التصعيد المستمر الذي يجعل حياة سكان الجنوب مرارة أو احتلال غزة، وهو سيناريو متطرف سيكلف "إسرائيل" ثمناً استراتيجياً باهظاً.

"إسرائيل" مطالبة بإلقاء نظرة رصينة على الواقع في غزة: يتم استغلال الهدوء من قبل حماس لغرض تعزيزه استعدادًا لمواجهة مستقبلية وتعزيز حكمها، مع القضاء على إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.

سلوك حماس يقوم على مبدأ الصبر الإسلامي ("الصبر") والاستعداد لعقد هدنة ("الهدنة") مع العدو من أجل اكتساب القوة وضربه بشكل غير متوقع في المستقبل، مع انتهاك الاتفاقات السابقة التي تم التوقيع.

ويمكن أن يسهم التحسن الاقتصادي في الاستقرار المؤقت، لكنه لا تملك القدرة على ثني الأيديولوجيات أو خلق ثمن خسارة وضغط شعبي يمنع الصراعات في المستقبل، عندما يتقرر أن الوقت قد حان لدفعها.

باستثناء حفظ الهدوء -الذي تستمد حماس منه مزايا كثيرة- فإن المنظمة غير مطالبة بتقديم تنازلات كبيرة، وهي تواصل تقويتها عسكريا وتوجه العمليات من داخل غزة نفسها (وهو جهد تشارك فيه منظمات أخرى في غزة مثل: الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة)، والامتناع عن فرض قيود على الفصائل  الأخرى (الأمر الذي أجبر "إسرائيل" على التحرك ضد الجهاد الإسلامي في عملية "بزوغ الفجر")، وتواصل إظهار الموقف المتشدد من قضية الأسرى والمفقودين الذي تم تقديمه في نهاية عملية "حارس الاسوار" كشرط لتعزيز التحركات المدنية نحو غزة. ("ما كان لن يكون").

الحكومة القادمة تحصل على الهدوء في قطاع غزة كميراث، رغم وصف عيوبه الكثيرة، فمن المستحسن الحفاظ عليه وعدم التباطؤ وتجديد جولات التصعيد، بالتأكيد ليس عندما تواجه "إسرائيل" تحديات ثقيلة أخرى في الداخل والخارج، لكن من الضروري تغيير قواعد المعادلة التي تمليها حماس.
 يجب أن يكون واضحًا بشكل خاص أن توجيه العمليات من غزة، من بين أمور أخرى؛ بينما تستغل بشكل ساخر دخول العمال إلى "إسرائيل" لـ"لترويج للهجمات المعادية" والتجسس، سيؤدي إلى تقليل التسهيلات المدنية تجاه غزة.

في المستقبل، يوصى بإثارة طلب إجراء تغييرات بشأن الأسرى والمفقودين للتسهيلات المدنية بتصميم أكبر من ذي قبل، نفس التصميم والصلابة التي تظهرها الحكومة الجديدة تجاه السلطة الفلسطينية، يجب أن تتعامل -بقوة أكبر- تجاه حماس؛ لذلك، فإن الحكومة الجديدة مطالبة بصياغة استراتيجية منهجية بشأن القضية الفلسطينية، يتم في إطارها دراسة العلاقات بين الضفة الغربية وغزة والعواقب طويلة المدى للتهدئة الحالية بعمق.

لهذا الغرض، يوصى بتقليل الانشغال بالإجراءات ذات البعد الرمزي -وعلى رأسها مظاهرات التواجد في المسجد الأقصى، وإجراءات إزالة أعلام منظمة التحرير الفلسطينية (على الرغم من أن هناك من يعتبرها مسائل مبدئية ذات أهمية كبيرة )- وتعميق معالجة القضايا الجوهرية التي تؤثر على تصميم المستقبل، وفي قلب الاندماج المتزايد بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" والذي قد يؤدي إلى واقع دولة واحدة حتى بدون رغبة وتخطيط.





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023