أيار 2021: عندما انتشر النضال الفلسطيني

منتدى التفكير الإقليمي

غازي أبو جياب

ترجمة حضارات 

كما هو معروف، اندلعت معركة سيف القدس على خلفية حدثين سبقها وسخنتا الأجواء، وكانت الحادثة الأولى محاولة إخلاء سكّان فلسطينيين من محل إقامتهم في الشيخ جراح مصحوبة باستفزازات من قبل المستوطنين بقيادة بن غفير، الذين أقاموا له مكتبًا في المنطقة ورفعوا العلم الإسرائيلي فوقه.

تصرفت الشرطة تجاه بن غفير والمستوطنين بقفازات حريرية كما في كثير من الحالات الأخرى، لم يكن هذا خطأ في حكم الشرطة أو المستوى السياسي المسؤول عنها في التعامل مع حادثة محلية واحدة.

يعكس هذا السلوك سياسات جميع الحكومات الإسرائيلية، التي سمحت لهذه العوامل بالنمو والتقوية لسنوات عديدة.

وأعتقد أن هذا هو الوجه الحقيقي للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، دون تردد وكسل، سواء في الضفة الغربية بشكل عام وفي القدس بشكل خاص.

وهنا يطرح سؤال مشروع: ماذا كانت ستفعل هذه الشرطة لو أقام أحمد طيبي أو أيمن عودة، خيمة بجوار عقار مملوك لفلسطينيين في القدس الغربية؟ كيف سيكون رد فعل السياسيين الإسرائيليين؟ هل ستساعدهم الحصانة البرلمانية ؟!

أما الحادثة الثانية فكانت تتعلق بما يجري داخل المسجد الأقصى وحوله، وهي أحداث تتكرر من حين لآخر وتسبب توترات وصراعات حادة. طبعا بسبب حساسية المكان.

ورغم التحذيرات التي أطلقها المستوى الأمني ​​في "إسرائيل"، أغلق المستوى السياسي آذانه ولم يستمع إلى هذه التحذيرات.

هذان الحدثان خلقا الظروف للتصعيد وإشعال هذه المعركة، ودفعت حماس إلى أخذ زمام المبادرة وإطلاق الصواريخ باتجاه القدس و"إسرائيل"، والنتيجة معروفة.

في معركة من هذا النوع بين طرفين يميل فيها ميزان القوى بالكامل لصالح "إسرائيل"، كان من الواضح أن آلة الحرب الإسرائيلية يمكن أن تنشر الفوضى في غزة وتتسبب في مقتل العديد من المدنيين.

تم نشر صور المباني المدمرة والمدنيين القتلى في غزة بسرعة كبيرة في وسائل الإعلام العالمية، وتسببت في موجة كبيرة من التعاطف مع الفلسطينيين، بدأت الحشود حول العالم ترى الفلسطينيين، وهم الطرف الضعيف، ضحية للعدوان الإسرائيلي.

اجتاحت مظاهرات كبيرة مؤيدة للفلسطينيين أوروبا، خاصة في دول رئيسية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى العديد من المدن في الولايات المتحدة.

ظهرت تصدعات خطيرة في ما كان يُنظر إليه سابقًا على أنه حصن للدعاية الإسرائيلية والتأثير على الرأي العام في هذه الدول، الأمر الذي أثار قلق صانعي السياسة في "إسرائيل" وبين الدوائر الموالية لـ"إسرائيل" في الغرب.

في مقال كتبه طارق حمود ونشره بتاريخ 11-1-2022 على موقع متراس، بعنوان "إعادة التضامن: ما حدث في الغرب بعد سيف القدس"، يعرض المؤلف ردود فعل الرأي العام الغربي على معركة "سيف القدس" في مايو 2021.

يكتب: "تم تسجيل نشاط غير مسبوق في أوروبا والولايات المتحدة"، أعرب المؤثرون في جميع المجالات عن دعمهم للفلسطينيين.

تكمن أهمية هذا التضامن في حقيقة أنه يتم في ساحات تظهر عادة تعاطفاً مع الاحتلال الإسرائيلي، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التضامن الغربي يظهر للاحتلال نفسه كخطر استراتيجي ضمن الحملة، التي يسميها نزع الشرعية عن "إسرائيل".

يذكر حمود أسماء الدول والمدن الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة، حيث نظمت مظاهرات كبيرة للتضامن مع الفلسطينيين.

وفي شرحه لسبب اتساع نطاق التضامن والتظاهرات، يشير حمود إلى معركة سيف القدس أنها كانت استثنائية، وخرجت عن العقيدة الدفاعية العسكرية للمقاومة في غزة، عندما باشرت هجومًا لوقف العدوان الإسرائيلي وأعمال "إسرائيل" والمستوطنين في القدس.

لهذا السبب كانت ردود الفعل غير عادية أيضًا، وبحسبه فإن حركة التضامن العالمي بشكل عام، والحركة الغربية بشكل خاص هي أحد مظاهر ذلك، ويقتبس من عزمي بشارة مقارنة بين التضامن الواضح في الرأي العام العالمي تجاه الفلسطينيين، مقارنة بالمآسي الإنسانية الأخرى في العالم.

يقول بشارة إن الرأي العام يميل إلى التعاطف مع الضحية المقاومة النشطة، أكثر بكثير من التعاطف مع الضحية المستسلمة.

كما أوضح أن التضامن مع الفلسطينيين، لم يقتصر على التظاهرات التضامنية فقط.

وكتب أن مشاهير بارزين عبروا عن تعاطفهم مع فلسطين خلال المعركة، مثل بيلا حديد عارضة الأزياء الفلسطينية التي لديها 55 مليون متابع على إنستغرام، والممثلة الإسبانية ألبا فلوريس، والممثل والمنتج الأمريكي مارك روفالو، الذي لديه 7 ملايين متابع على تويتر.

هذا بالإضافة إلى نجوم هوليوود مثل جون كوزاك وسوزان ساراندون، الذين لديهم أكثر من 154 مليون متابع على Instagram.

كما شاركت الفنانة والمغنية الأمريكية زندايا في دعوات للتبرع لأهالي غزة، وكتب مغني الراب جون ليجند "حياة الفلسطينيين مهمة"،على غرار البيان عن السود في الولايات المتحدة.

كتبت إيما واتسون، بطلة أفلام هاري بوتر، التي لديها 68 مليون متابع: "التضامن هو العمل".

أعرب المزيد والمزيد من المؤثرين في وسائل الإعلام الرقمية عن دعمهم للفلسطينيين، مثل جيجي حديد مع أكثر من 66 مليون متابع، دوا ليبا مع 66 مليون متابع، لينا هايدي مع ثلاثة ملايين ونصف متابع.

الحقيقة أن الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي جرت خلا معركة سيف القدس، كانت ساحة لم تندرج في الأهمية من المعركة العسكرية.

تشير العديد من المصادر التي تحلل البيانات في هذا المجال، إلى أن للفلسطينيين اليد العليا.

عشرات الآلاف من التغريدات المؤيدة للفلسطينيين على تويتر كل ساعة، مقارنة ببضعة آلاف من التغريدات الموالية لـ"إسرائيل"، كانت الوسوم المؤيدة للفلسطينيين أكثر شعبية.

إذا لم يتمكن الفلسطينيون من هزيمة الاحتلال عسكريًا، فإنهم بالتأكيد قادرون على هزيمته في مناطق أخرى لا تقل أهمية عن المجال العسكري.

الفلسطينيون ليسوا بحاجة لنشر صور ملفقة أو قصص ملفقة لكسب تعاطف الرأي العام العالمي، يكفي نقل ونشر الصور الحقيقية لإقناع الجمهور بصحة الرواية الفلسطينية وكشف أكاذيب الدعاية الإسرائيلية.

الجيش الإسرائيلي ليس الجيش الأكثر أخلاقية في العالم كما يدعي قادته، هذا مصطلح عقيم، لأن الذين شهدوا العمليات والمعارك التي حدثت في ساحة غزة في العقد الماضي، يعرفون على وجه اليقين أن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب.

جيش يدعي أنه مجهز بأحدث التقنيات في العالم، وأن لديه معلومات استخباراتية عن غزة في أي لحظة، لا يصرح علنا ​​وبوجه حازم أنه يقصف الأبراج السكنية ويترك السكان بلا سقف، إذا جاز التعبير، لدفع السكان للضغط على حماس.

وعندما يجد نفسه في موقف محرج بعد قصف البرج المسمى "مبنى الاتصالات" في غزة، حيث توجد مكاتب وكالة الأنباء الأمريكية AP، قام بتلفيق قصة عن وجود مكاتب حماس في البرج.

أثبتت التجربة أن مثل هذه الأعمال لا تؤدي إلا إلى زيادة الكراهية لـ"إسرائيل"، وتغذي الرغبة في الانتقام.

صور الدمار والخراب وسقوط المدنيين الأبرياء تكفي لإثارة الغضب ضد "إسرائيل"، وكسب تعاطف الرأي العام العالمي، وتتم المقارنة بين صور ضحايا القلق من الجانب الإسرائيلي، وصور جثث مدنيين بينهم أطفال ومنازل مدمرة في الجانب الفلسطيني، يا له من تناظر!

يشير حمود في مقالته إلى التغيير الملحوظ في التضامن مع الفلسطينيين في العملية الأخيرة، يقول إن مصطلحات المتحدثين في تجمعات التضامن كانت مختلفة عن ذي قبل.

وأشادوا للمرة الأولى بالمقاومة، مضيفين: "في العادة يمكن وصف التضامن الغربي مع فلسطين، بأنه تضامن مع ضحية تكافح من أجل حقوق الإنسان الأساسية.

من النادر جدا أن تظهر صورة "المقاوم" الفلسطيني، الذي ينتمي إلى حركة التحرير الوطني.

هذا جانب من معضلة الرواية الفلسطينية في الغرب، ويمكن أن يُعزى إلى الصراع بين روايتين قائمتين: رواية الاحتلال وأنصاره، الذين يصفون الفلسطيني بـ"الإرهابي"، ورواية حركة التضامن الغربي التي تصف الفلسطيني بالضحية، فيما تختفي صورة المقاوم الذي يطمح للتحرير تماما، هذا هو السبب في أن هذا التطور جدير بالملاحظة.

خلال حرب سيف القدس وبعدها، اتخذت عدة حكومات في الغرب إجراءات تهدف إلى الحد من ظاهرة التضامن مع الفلسطينيين.

على سبيل المثال، في فرنسا، كان ممنوعًا تنظيم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، كان من المقرر تنظيمها خلال أيام المعرك في باريس ومدن أخرى في فرنسا.

زعمت الحكومة الفرنسية، أن هذه القيود كانت تهدف إلى الحفاظ على النظام العام ومنع العنف.

ويشير حمود إلى العلاقة بين تعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني، والأنظمة القانونية الصادرة بهدف تقليص أبعاد هذا التضامن.

يكتب: "بعد الحرب، صادقت بريطانيا على تشريع يسمح بإعلان الجناح السياسي لحركة حماس حركة "إرهابية"، في الماضي، كان الاكتفاء بإعلان أن الذراع العسكرية وحدها منظمة "إرهابية".

وفقًا لتقديرات عديدة، يهدف هذا التشريع إلى مواجهة حركة التضامن المتنامية في المملكة المتحدة، مثل بريطانيا، وبعد ثلاثة أشهر، تبنت أستراليا قرارًا بإضافة الذراع السياسية لحركة حماس إلى قائمة الـ"إرهاب".

وذكرت مصادر صحفية أن هذين القرارين جاءا في إطار حملة إسرائيلية، لتشويه سمعة حركات المقاومة بعد معركة ايف القدس.

ومما يعزز هذا التقدير محاولات اللوبي الداعم للاحتلال الإسرائيلي، ربط سلوك حركة التضامن مع فلسطين بحركة حماس من أجل إدانتها.

ويخص حمود الحديث عن بريطانيا ربما بسبب ارتباطها بالمأساة الفلسطينية، ويكتب: "جدير بالذكر الحالة البريطانية، من حيث تقوية الاتجاهات المنحازة لصالح الاحتلال."

من الممكن رؤية ما يمكن تسميته بـ "مجزرة سياسية" داخل حزب العمال البريطاني، والتي تهدف إلى اقتلاع جذور الحركة اليسارية التي تدعم فلسطين، بقيادة زعيم الحزب السابق جيريمي كوربين.

هذا التيار هو الدعامة الأساسية لحركة التضامن البريطانية، وعزل المئات من أعضائه على مختلف المستويات من الحزب، وعلقت عضويتهم، وتم إجراء تحقيق داخلي ضدهم على خلفية ما سمي بـ "إزاحة معاداة السامية" من الحزب.

نتج عن هذه الحملة سيطرة التيار الليبرالي المؤيد لـ"إسرائيل"، وانعكس ذلك في ضعف هياكل الحزب ومواقفه السياسية التقليدية.

وفي نهاية المقال يطرح الكاتب أسئلة تتعلق بجوهر الخطاب الداخلي الفلسطيني، يكتب: "من الممكن أن الحالات التي ذكرناها هي استمرار للمعارك التي سبقت معركة سيف القدس، لكن هذا الحدث كان بمثابة حافز لهذه الاتجاهات.

بعد مرور عام ونصف على المعركة، يبدو أن القراءة المتأنية أصبحت الآن أكثر ملاءمة لتحليل التطور الاستراتيجي للحدث.

أعادت "إسرائيل" قواعد الردع العسكري إلى دولتها السابقة في غزة، بينما تم تشديد اللوائح القانونية التي تقيد تطور حركة التضامن في الغرب مع فلسطين.

هذا لا يعني أنها انسحبت، وهذا يثير التساؤل حول محاولات الاستفادة من النتائج الإيجابية لدعم فلسطين والوحدة الفلسطينية بعد المعركة، والتي يبدو أنها ضاعت فرصًا حتى الآن.

معركة سيف القدس وراءنا، حساب مؤثر مع النفس لم يتم من قبل حماس ولا من قبل السلطة الفلسطينية.

لم يتم تعلم أي دروس ولم يتم استخدام الإنجازات، حركة حماس والسلطة الفلسطينية مستمران في تقوية مواقفهما، بينما سئم الجمهور الفلسطيني الجدال غير المجدي بينهما.

طريق أبو مازن لن يقود إلى أي مكان لأنه ليس لديه شريك إسرائيلي يحب المفاوضات مثله، ترسانة حماس الصاروخية لن تحرر فلسطين، لم ينجح حتى في رفع الحصار عن غزة.

بعد كل جولة قتال بين المقاومة و"إسرائيل" في ساحة غزة، يتحدثون بصوت عال لكن الأمور تعود إلى طبيعتها.

يسأل الفلسطيني العادي متى يفهم قادة كلا المعسكرين، أن النصر الحقيقي لن يتحقق إلا عندما ينتهي كابوس الانقسام.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023