على خلفية ما يحدث في إسرائيل.. على حماس أن تستفيق من الأوهام

هآرتس

الكاتب هاني المصري

ترجمة حضارات


تأسست حركة حماس مع اندلاع الانتفاضة الأولى، التي كانت مرحلة جديدة وفريدة من نوعها في تاريخ النضال الفلسطيني.

كانت الحركة في وقت تأسيسها هي الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، وبالتالي فإن أولويات الإخوان هي التي حددت جدول أعمالها.

لم يكن الوطن الفلسطيني هو الهدف الأساسي، بل إقامة الخلافة التي ستأخذ على عاتقها مهمة تدمير "إسرائيل"، لذلك لم ترَ حماس حاجة لتقديم خطة سياسية، بل اكتفت بتقديم الهدف: التحرير بالجهاد أي "المقاومة المسلحة".

عندما أجرت حماس حوارًا مع فتح في الخرطوم عام 1990 -ولاحقًا بشأن الانضمام إلى منظمة التحرير- وضعت شروطاً مستحيلة، سعت إلى إقامة بديل إسلامي للتنظيم، كما أنها رفضت أن تكون أقلية خاضعة لقرارات القيادة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.

من ناحية أخرى، لم تكن خصمًا، أو تهديدًا في ذلك الوقت؛ لأن منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح كانا يحظيان بتأييد غالبية الشعب الفلسطيني، وسمعت شخصيًا من خالد مشعل زعيم الحركة -في ذلك الوقت- أن حماس تغيرت بعد أن فرض عليها قرار عربي ودولي حال دون قيام بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية.

كان التغيير واضحًا في إعلان القاهرة في آذار/مارس 2005، حيث أُعلن عن انتخابات للسلطات المحلية والمجلس التشريعي والرئاسة، فضلاً عن اندماج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية. 

كما ساهم في تغيير موقف حماس "وفاة" عرفات، والاعتقاد بأنه سيكون من الأنسب العمل مع خليفته أبو مازن، وفشل اتفاقيات أوسلو والانفتاح المتزايد في الولايات المتحدة والغرب للعمل مع الإسلام المعتدل ضد الإسلام المتطرف.

و بعد أن ظلت أبواب منظمة التحرير الفلسطينية مغلقة في وجه حماس، اختارت دخول النظام السياسي من خلال السلطة الفلسطينية، الانتخابات المحلية ثم انتخابات المجلس التشريعي.

كان الخطأ الأكبر للحركة أنها لم تطالب في نفس الوقت بتغيير الالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية لأوسلو؛ بل إنها لم تكافح من أجل الاتفاق على القيم والمبادئ والأهداف الاستراتيجية و طرق العمل.

كان تقييم حماس بأن دخولها إلى السلطة الفلسطينية سيقضي نهائياً على اتفاقيات أوسلو هو أساس تحركاتها، تبين أنه خطأ لأنه بعد "وفاة" عرفات، تم تقليص أهداف اتفاقيات أوسلو تدريجياً لضمان أمن "إسرائيل"، وهذا هو الإطار الذي انضمت إليه حماس بالفعل.

فك الارتباط الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة، والذي كان يهدف -من بين أمور أخرى- إلى زرع الفتنة بين الفلسطينيين وبشكل أساسي إلى الانقسام بين فتح وحماس، ترك القطاع تحت احتلال غير مباشر، محاصرًا ومعرضًا للهجوم.

فاجأت نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، والتي فازت فيها حماس بأغلبية الأصوات، السلطة الفلسطينية وحكومات الغرب و"إسرائيل" التي لم تعترف بها، ومن الواضح أن القيادة الفلسطينية الرسمية اعترفت بها، وكلفت إسماعيل هنية بتشكيل حكومة دون السماح لها بالحكم الفعلي، حيث أشارت التقديرات إلى أن حماس ستنهار في غضون أشهر قليلة بسبب المقاطعة والحصار المفروض على القطاع.

انهارت الحكومة، لكن حماس صمدت وحظيت بتعاطف شعبي كبير؛ لأن السلطة امتنعت عنها، وفي عام 2007، تم التوقيع على اتفاق مكة، و شكلت حكومة وحدة وطنية برئاسة هنية، والتي نصت على احترام الاتفاقات والالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو، لكنها استمرت ثلاثة أشهر فقط، حيث لم تستمع إليها الأجهزة الأمنية والوزارات الحكومية.

كان هذا سبب انقلاب حماس في غزة، وهو أسوأ قرار اتخذته الحركة، فكل الأسباب المتعلقة بسياسة القمع التي تنتهجها "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية ضد حماس لا تبرر هذه الخطوة: الانقلاب هو انقلاب، وحتى لو كان لحماس الحق في الحكم، فليس ذلك من الحكمة لأنه كان من الواضح أن الظروف و اللاعبين المعنيين لن يسمحوا لها بالحكم.

لدهشتي الكبيرة، اتفق معي ضابط من الجناح العسكري لحركة حماس، كان مسؤولاً عن حاجز في غزة، عندما أخبرته بأشياء على هذا المنوال في زيارتي الأولى إلى غزة بعد الانقلاب.

استفادت حماس من صعود الإسلام السياسي في أعقاب "الربيع العربي"، حيث تمكنت خلال هذه الفترة من تحسين علاقاتها مع النظام في مصر، وكان اتفاق القاهرة في أيار/مايو 2011 أشمل اتفاق تم توقيعه على الإطلاق، ومن خلاله تم إعداد إطار قيادة مؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية بصلاحيات واسعة ومحددة بمشاركة حماس والجهاد الإسلامي، لكن مع تراجع الإخوان المسلمين، ارتفع البعد الوطني في حماس على حساب البعد الديني.

وفي وثيقة سياسة حماس، أعلنت الحركة أنه ليس لها علاقة تنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين، وتبنت فكرة إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 باعتبارها القاسم المشترك الأدنى، ومن الخسارة أن تتذكر حماس هذه الفكرة فقط عندما يذكرها بها خصومها.

تطالب حماس الآن بإجراء انتخابات رغم أنها تعلم أن الانتخابات الحرة والنزيهة ليست عملية أو جادة، لا من وجهة نظر السلطة الفلسطينية ولا من منظور "إسرائيل".

في الواقع، حماس نفسها ليست متحمسة للفوز في الانتخابات عندما تسيطر "إسرائيل" بشكل كامل على الضفة الغربية، كما أن مطالبتها بموافقة وطنية غير واقعية، وفي أي سيناريو لن يؤدي هذا إلا إلى تعميق الانقسام.



ماذا تستطيع حماس أن تفعل؟

تقديم رؤية وخطة وبديل قادر على كسر الوضع الراهن، حيث يجب إنعاش المشروع الوطني الفلسطيني، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بطريقة تشمل الطيف السياسي والاجتماعي بأكمله، ولكن دون الإضرار بشرعيتها الحصرية، ويجب أن تكون الإستراتيجية واقعية حتى نخرج من صيغة التخفيف الاقتصادي مقابل تهدئة مؤقتة أو هدنة طويلة الأمد والحفاظ على حكم حماس.

يجب أن تتخلى الحركة عن حكمها الحصري في غزة -أكبر سجن في التاريخ- مقابل شراكة كاملة مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، بما في ذلك دمج الجناح العسكري تحت قيادة واستراتيجية موحدة، ولا يشترط التخلي عن بعدها الأيديولوجي والديني، بل يجب تعميق البعد الوطني واستعدادها للشراكة الحكومية.

لا يمكن لحماس أن تستمر في اعتبار السلطة الفلسطينية خائنة وتطالبها بإيجاد حل، بينما تعزز -في الوقت نفسه- شرعيتها من خلال الاتفاقات الموقعة بينها والتي تعتبرها حبراً على ورق.

لقد اضطرت الحركة وكلنا إلى مواجهة عسكرية غير متوازنة مع "إسرائيل" ندفع ثمنها غالياً، صحيح أن "إسرائيل" هي التي تبدأ المواجهات في أغلب الأحيان، وفي الحالات التي تقوم فيها حماس بذلك، لا يكون ذلك بسبب استراتيجية تحرير، بل لتخفيف شروط الحصار، ففي العام الماضي، تضرر مكانة الأقصى فقط، وتوسعت المستوطنات، ودمرت المنازل، وتضاعفت الاعتقالات، وقتل الكثيرون.

على الرغم من تعاظم الفصائل، إلا أن التفاوت في القوى مقابل "إسرائيل" هائل، وإطلاق الصواريخ لن يؤدي إلى تعزيز وحدة الساحات، بل يجب أن تكون خاضعة لاستراتيجية وطنية موحدة، وتخدم أجندة المقاومة وليس الاحتلال أو فصيل عسكري معين، ونفس الشيء يقال في حالات الأحداث الاستراتيجية مثل حالة الإضرار بمكانة الأقصى، أو الضم أو الطرد أو المجازر الجسيمة.

بعض المصادر في حماس يخدعون أنفسهم بأن الاحتلال سيُجبر على السماح بإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، وهذا لن يحدث، لا في غزة ولا في الضفة الغربية المهددة بالضم والترحيل.

إن تحرير قطاع غزة والضفة الغربية غير ممكن في ظل الظروف المحلية -العربية والدولية- ونظراً لعلاقات القوة القائمة، فإن تغييرها يتطلب وقتاً وكفاحاً وتضحية و تحديد مستمر للحقائق على الأرض، فلا مكان هنا للأوهام والرهانات الفاشلة، ولا انتظار نبوءات أو حروب يأجوج ومأجوج.



ملاحظة/ الكاتب هو محلل وصحفي فلسطيني، وسياسي سابق ومدير المركز الفلسطيني للدراسات السياسية والاستراتيجية، ونُشر المقال كاملاً على موقع عرب 48 الفلسطيني الإسرائيلي وعلى مواقع إعلامية فلسطينية، ونُشرت هذه النسخة المختصرة تحت رعاية مشروع "أوفيك" الذي يشاركه معهد فان لير في القدس ومنتدى التفكير الإقليمي ومركز إعلام في الناصرة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023