وضعنا الإقليمي ممتاز شكراً على السؤال

يسرائيل هيوم

برفسور غيال سيزر

ترجمة حضارات


وضعنا الإقليمي ممتاز شكرا على السؤال

عندما يقال لنا: "إن وضعنا لم يكن أفضل من أي وقت مضى"، يكون رد الفعل الطبيعي هو عدم الارتياح وحتى التردد.

يعيدنا هذا التصريح خمسين عاماً إلى الوراء، إلى صيف عام 1973، وإلى الشعار الانتخابي لحكومة "المعراخ، حزب العمل"، التي كانت تنشر الغطرسة وحتى الابتعاد عن الواقع، تحطمت كل هذه في وجوهنا عندما انطلقت صفارات الإنذار التي تنذر باندلاع الحرب في يوم الغفران.

لكن التواضع وحتى الخوف من المستقبل، كما تتطلبه تجربة وذاكرة الماضي، وكذلك البيئة الاستراتيجية التي نعيش فيها، لا تبرر تثبيت المواقف وتصورات الماضي بطريقة تتجاهل تماماً التغييرات التي حدثت في وضعنا في العقود الأخيرة.

في الواقع، بعد هذه المقدمة ليس من اللطيف الاعتراف ولكن الحقيقة هي أن وضع "إسرائيل" الإقليمي والدولي جيد ويمنحها موقعاً منفتحاً ممتازاً للمستقبل، وقبل كل شيء القدرة على اتخاذ القرار بأيديها وبالتأكيد القضايا الرئيسية التي تنتظرنا.

لا يوجد حالياً أي طرف في الساحة الدولية يسعى لتحدي "إسرائيل" أو قادر على الإملاء عليها بما يجب فعله، لطالما سعت الولايات المتحدة إلى فصل نفسها عن الشرق الأوسط، وفي الواقع أيضاً عن بقية مشاكل العالم، والتركيز على مشاكلها الداخلية.

التوترات المتزايدة مع الصين في الشرق الأقصى، والآن أيضاً الحرب في أوكرانيا، تجبرها على العودة إلى التعامل مع القضايا الخارجية، لكن هذا بالطبع لا يشمل الشرق الأوسط حيث تتقدم على رؤوس أصابعها ضد إيران ولكن أيضاً ضد التطورات في القضية الفلسطينية.

لذلك ليس لدى الولايات المتحدة رغبة أو قوة لتملي على "إسرائيل" ما يجب أن تفعله، أما بالنسبة لروسيا، نتيجة تورطها في الحرب في سوريا، فيزعم أنها قد ترث مكانة الولايات المتحدة كقوة رائدة في منطقتنا.

لكن روسيا غرقت في الوحل الأوكراني الذي لم يثبت بالضرورة قوتها ولكن بشكل أساسي حدود قوتها، وهذا بالطبع له تداعيات على قدرته على التصرف -للضغط أو التهديد أو الردع- في منطقتنا، وأخيراً حتى الصين منغمسة في أزمة كورونا المستمرة.

حتى في أوروبا هناك تغيير مفاجئ فيما يتعلق بـ"إسرائيل"، لفهم هذا على المرء فقط أن يتذكر كيف عاملتنا أوروبا قبل 30 أو 40 عاماً، عندما كانت رمز يميني في كل حملة إدانة وانتقاد ضد "إسرائيل".

 لكن أوروبا الآن في مأزق، وهي الآن غير مستعدة لمواجهة التحدي الروسي وتحتاج إلى "إسرائيل" لتلقي التكنولوجيا العسكرية وإمدادات الغاز، من هنا جاءت الكلمات اللطيفة التي سمعها مسؤولون أوروبيون، وحتى وقوف شبه تلقائي إلى جانب "إسرائيل" في المحافل الدولية.

هذا هو الحال أيضاً مع كل ما سبق ذكره في أجزاء أخرى من العالم، بدءاً من الهند، والذهاب إلى إفريقيا وانتهاءً بأمريكا الجنوبية، الذين يدركون موقفنا ومستعدون لإظهار فهم لمواقفنا.

في الشرق الأوسط نفسه، كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن مكانة تركيا وإيران المتصاعدة كقوى إقليمية مبنية على ضعف العالم العربي، لكن هذين الاثنين يدركان اليوم أكثر من أي وقت مضى حدود قوتهما.

 وجه تركيا هو المصالحة مع دول المنطقة التي اختلفت معها في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها بالطبع "إسرائيل"، حتى إيران أصبحت أكثر تحفظاً بعد اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، الذي أوقف تحركاتها لتحقيق الهيمنة الإقليمية.

إيران لن تذهب إلى أي مكان وستظل عاملاً تخريبيًا ومهددًا، لكن تجربتنا الخاصة معها أيضاً -على سبيل المثال- في سوريا وكل ما قيل عن المسألة النووية، يشير إلى الحذر والاعتراف بحدود القوة، أما الدول العربية فهي، كما نعلم تقف في صف الدفء وتطوير العلاقات مع "إسرائيل".

بالطبع بقي الفلسطينيون، لكن هذا هو بالضبط بيت القصيد، هذه القضية كلها على عتبة "إسرائيل" وهي بيدها.

لذلك مع كل الحذر، يمكننا أن نقول إن السماء لم تسقط علينا فحسب، بل إن وضعنا جيد ويمنحنا حرية التصرف التي لم نكن نعرفها من قبل، كل ما تبقى الآن هو التأكد من أننا قادرون على الاستفادة من هذا الواقع المشجع لتعزيز مصالح "إسرائيل" وترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023