معهد بحوث الأمن القومي
أودي ديكل
ترجمة حضارات
في مساء يوم السبت، 27 كانون الثاني/يناير، فتح مسلح منفرد النار أمام كنيس يهودي في حي نيفي يعقوب في القدس، مما أسفر عن مقتل سبعة مستوطنين، في اليوم التالي -السبت- أطلق فتى فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاماً النار من مسدس على مجموعة من المستوطنين بالقرب من مدينة ديفيد وأصاب ابناً وأباً بجروح خطيرة.
يبدو أن العمليات التي وقعت في القدس هي أعمال انتقامية من قبل أفراد في أعقاب المعركة التي دارت بين الجيش الإسرائيلي والمسلحين الفلسطينيين في 26 كانون الثاني في مخيم جنين، والتي استشهد خلالها 10 فلسطينيين، اثنان منهم على الأقل لم يشاركوا في الاشتباكات، قد تؤدي نتائج الهجوم في نفيه يعقوب إلى هجمات مستوحاة ومحاكاة من قبل منفذين أفراد.
في الوقت الحاضر، يبدو اختبار رد الفعل ومنع العمليات للحكومة اليمينية في "إسرائيل" صعباً، الحكومة تبحث عن سلة من ردود الفعل الحادة على الأحداث وفي نفس الوقت تميز السلطة الفلسطينية، غير المعفاة من المسؤولية عن خلق جو يدعم المقاومة، بصفتها الجهة المسؤولة عن الموجة الحالية من العمليات.
يوجد في الحكومة الإسرائيلية أصحاب أجندة يرون أن الفوضى وعدم الاستقرار هي فرصة للترويج لسياسة تتضمن عقوبة الإعدام للمنفذين، شرعنة البؤر الاستيطانية غير المرخصة ("المستوطنات الفتية") في الضفة الغربية، إخراج السلطة الفلسطينية من المنطقة ج، مع تدمير البناء الفلسطيني غير القانوني، إخلاء الخان الأحمر.
تتماشى هذه الإجراءات مع خطوط سياسة الحكومة التي تمت صياغتها في اتفاقيات الائتلاف، ويشكل تنفيذها تغييراً في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الساحة الفلسطينية، تتمحور حول:
1-إضعاف السلطة الفلسطينية والاستعداد لتفككها بدلاً من الحفاظ عليها وتعزيزها ككيان وكجهة مسيطرة، ومستقرة وتؤدي مهامها، وكعنوان مسؤول عن احتياجات السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية.
2-القتال على المنطقة ج من خلال توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية غير المصرح بها ودفع الفلسطينيين خارج المنطقة.
3-تهيئة الظروف لتطبيق السيادة الإسرائيلية (الضم) على المستوطنات وغور الأردن.
هذه التحركات لن تهدئ المنطقة، لكنها ستستمر في زعزعة الاستقرار وتغذي الدافع للعمليات وتسريع تفكك السلطة الفلسطينية.
دورة التصعيد التي استمرت لمدة عام تقريباً تغذي نفسها في شكل فعل ورد فعل ورد فعل.
وقد أسفرت اقتحامات الجيش الإسرائيلي في إطار عملية "كاسر الأمواج" لإحباط العمليات عن استشهاد 35 شخصاً في الجانب الفلسطيني (20 في محافظة جنين) منذ بداية عام 2023، معظمهم من نشطاء مسلحين وحاملي السلاح.
في الوقت نفسه، تجري حملة تحريض على المقاومة المسلحة على شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينية، تديرها عدة جهات مثل: حماس، ومجموعات شبابية فلسطينية مثل عرين الأسود، والحركة الإسلامية في "إسرائيل"، وكذلك السلطة الفلسطينية.
منذ بداية عام 2023، نفذ مسلحون فلسطينيون عشرات عمليات إطلاق النار ضد جيش الإسرائيلي، والمستوطنات المعزولة والطرق المؤدية إليها.
في هذه المرحلة، لا يتحرك الجمهور الفلسطيني لمقاومة شعبية واسعة وعنيفة، على الرغم من دعمه لأعمال المقاومة التي يقوم بها الشباب الفلسطيني، الذين يتم تقديرهم لحماية الشعب الفلسطيني بدلاً من أجهزة الأمن الفلسطينية.
لكن العلاقة والاتفاق بين فتح وحماس، وكذلك التحركات المتطرفة المضادة من جانب "إسرائيل"، قد تؤدي إلى اندلاع انتفاضة شعبية واسعة النطاق.
مع تسارع وتيرة إضعاف السلطة الفلسطينية، وكلما زادت عملية تفككها وفقدان احتكارها للسلطة، كلما اتسع الاتجاه الذي تنمو فيه الجماعات العنيفة وتملأ الفراغ الذي تتركه.
سيُطلب من الجيش الإسرائيلي بعد ذلك زيادة صورة اقتحاماته في الأراضي الفلسطينية.
ليس للسلطة الفلسطينية موطئ قدم في القدس ولا يمكنها منع الأعمال المعادية هناك.
ولكن أيضاً في جنين ونابلس، فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة واحتكار السلطة للجماعات المسلحة.
يؤدي تسلسل المواجهات بين المسلحين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي إلى تآكل دافع وقدرة الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية على إرساء القانون والنظام ودفعها إلى الانسحاب من المناطق المحترقة.
في الوقت نفسه، هناك تورط متزايد في إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي من قبل عناصر الأجهزة الأمنية، وفي العام الماضي استشهد ما لا يقل عن ثمانية من أفراد الأجهزة الذين شاركوا في معارك ضد الجيش الإسرائيلي في نابلس وجنين.
عوامل ضعف السلطة الفلسطينية كثيرة: عدم وجود أفق سياسي، ومنع الوصول إلى الأراضي المخصصة لإقامة دولة فلسطينية، وفقدان الشرعية لقادتها الفاسدين وحكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، وفي نظر الجمهور الفلسطيني (أظهر استطلاع أجري بين السكان الفلسطينيين في كانون الأول/ديسمبر 2022 أن ما يقرب من 80٪ من المستجيبين يعتقدون أن السلطة الفلسطينية فاسدة، و 77% يطالبون باستقالة أبو مازن، الأزمة الاقتصادية وانخفاض الدخل من التبرعات الخارجية وتحويل أموال الضرائب التي تجمعها "إسرائيل" للسلطة الفلسطينية، وإضعاف الأجهزة الأمنية والقيود المفروضة على أجهزتها وكيفية تشغيلها، وتقوية سياسية لحركة حماس وتعميق سيطرتها على قطاع غزة، وصراعات داخلية في حركة فتح مع التأكيد على صراع الخلافة "بعد عباس".
لـ"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية مصلحة في استمرار التنسيق الأمني، خاصة في وقت تكون فيه الضفة الغربية تغلي.
من وجهة النظر الفلسطينية، يساعد التنسيق في الحفاظ على سيطرة السلطة الفلسطينية وفتح عليها ضد حماس.
ومع ذلك -وبعد مجزرة جنين- أعلنت السلطة الفلسطينية إنهاء التنسيق الأمني مع "إسرائيل".
كما تأثر هذا القرار بالرأي العام الفلسطيني الذي يدعم مقاومة الشباب الفلسطيني ويرى أن الأجهزة الأمنية متعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي ضوء قرارات الحكومة الإسرائيلية بمصادرة جزء من أموال الضرائب (تلك المستخدمة لدفع رواتب المنفذين وعائلاتهم، وكذلك لتعويض عائلات القتلى اليهود)، وزيادة إنفاذ حظر البناء للفلسطينيين في المنطقة (ج) وكذلك النية الإسرائيلية لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية وتوسيع المستوطنات.
ملخص وتوصيات
تشن "إسرائيل" معركة ضد المقاومة الفلسطينية، لكنها تفقد السيطرة على ديناميكيات التصعيد.
إن دوافع منفذي العمليات، ومعظمهم من الشباب غير المرتبطين بالمنظمات، ثنائية ضد الاحتلال الإسرائيلي وكذلك ضد حكم السلطة الفلسطينية، وهي غير شرعية في نظرهم وفاسدة وتتعاون مع "الاحتلال".
دائرتان تغذيان نفسها في استمرار الأحداث: دائرة المقاومة حيث يزيد الجيش الإسرائيلي من عمليات القمع وضد البنى التحتية للمقاومة، خاصة في الضفة الغربية، يزداد دافع الشباب الفلسطيني لمقاومتهم بالسلاح ومشاركة عناصر جهاز الأمن الفلسطيني بإطلاق النار على الجيش الإسرائيلي تتسع دائرة إضعاف السلطة الفلسطينية ومع تصاعد موجة العمليات تفقد السلطة احتكارها للقوة وأهميتها وسيطرتها على الأرض.
ومع اقتراب منتصف شهر آذار/مارس -شهر رمضان- يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تتبنى سياسة مسؤولة هدفها تهدئة المنطقة وعدم تأجيجها وتجنب التحركات المتطرفة.
وفي هذا السياق، هناك حاجة إلى تركيز الانتباه على الإمكانات التفجيرية للحرم القدسي الشريف (الحرص على التصرف وفقاً للوضع الراهن) والاحتكاكات في القدس، والتي تظهر على الساحات الأخرى، بما في ذلك المجتمع العربي في "إسرائيل".
السلطة الفلسطينية ليست المولد الرئيسي للمقاومة، فهي ضعيفة ولا تملك القدرة على تحييد عناصر المقاومة.
إذا التزمت الحكومة الإسرائيلية بسياسة معاقبة السلطة الفلسطينية وإضعافها رداً على كل عملية وفشل أمني، دون التعمق في اتجاهات تفككها وفقدان شرعيتها في نظر الجمهور الفلسطيني، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم أزمة مسألة بقائها.
كلما توقفت السلطة الفلسطينية عن العمل وتلبية احتياجات السكان الفلسطينيين، زاد عبء السكان على عاتق دولة "إسرائيل"، وسوف يتسارع الاتجاه الأكثر إثارة للقلق على المدى البعيد والانزلاق إلى الواقع دولة واحدة وفقدان هوية "إسرائيل" كدولة يهودية وديمقراطية.